الحياة الأفضل

عنوان الكتاب الحياة الأفضل
المؤلف أولريش بلتسر
الناشر S. Fischer Verlag
البلد ألمانيا
تاريخ النشر 2015
عدد الصفحات 448

أشتري الكتاب حقوق الترجمة

الوصف

This post is also available in: English (الإنجليزية)

“الواقع هو سلسلة من الأخطاء”
“الحياة الأفضل” رواية أولْريش ﭙِلْتْسَر التي تتناول عصرنا من جوانب عدة

يُعد أولريش ﭙلتسر حالة فريدة في الأدب الألماني المعاصر. إنه كاتب قادر على مزج المعرفة النظرية والمقدرة على التشخيص الاجتماعي مع فن سردي راقٍ في قطعة نسيج واحدة، متينة الخيوط ومتماسكة الحبكة. والقراء ينتظرون رواياته ليطلعوا من خلالها على شيء مما يجري في عصرنا. إذا ما نظرنا إلى روايته “الحياة الأفضل” من الناحية التقنية وحسب، فيمكن اعتبارها امتدادًا للأعمال الكبرى التي قدمتها الحداثة الكلاسيكية، ممثلةً بجيمس جويس وألفرِد دوبلين؛ سوى أن حالة وعي الشخصيات قد تغيرت. فهل بات العالم في أثناء المئة سنة الأخيرة أكثر تعقيدًا؟ أم أن نماذج التعقيد قد انزاحت فحسب؟
بصورة رئيسية ثمة شخصيتان تحملان الرواية؛ كلتاهما في نحو منتصف الخمسينيات من العمر، وتكسبان المال من العمل في الاقتصاد العولمي: سيلفستر لي فلِمينْغ، الذي ولدَ في إنكلترا ونشأ في الولايات المتحدة الأمريكية، بات يشعر وكأنه في وطنه في كافة أنحاء العالم. وإذا صدّق المرء بطاقة التعريف بعمله، فسيجد أن له صلة ما بأعمال التأمينات. وهي صلة حقيقية إضافة إلى صلات أخرى؛ فهو فوق ذلك نوع من مدبّري الأموال، إلا أنه يولِّد الحاجة إليها أولًا، ثم يقدّم خدماته لتلبيتها. الشخصية الرئيسية الثانية هي يوخِن بروكْمَن. حقل عمله أكثر تقليدية بمراحل؛ فهو مدير مبيعات في مجموعة شركات إيطالية تعرضت إلى هزة مالية، وهي تنتج أشياء ملموسة، أي آلات لتغليف المواد الداعمة. وهو مثل المؤلف ينتمي إلى منطقة الراين العليا.
رتب المؤلف من حول بروكمن وفلمينغ عددًا كبيرًا من الشخصيات الثانوية ونصف الثانوية؛ أصدقاء وزملاء قدامى وعائلة وعشيقات وزوجات سابقات : دوّامة أصوات لانهاية لها تنطق قادمة من مختلف مراحل العمر، إما في رؤوس الآخرين أو شخصيًا. يقوم السرد بقَطعات قاسية، لاجئًا إلى الاقتصاد في مقاطع وحذف أخرى. وهذا ليس جديدًا، لكنه ذو قوة تعبيرية هائلة وتأثير عميق. وليتجنب الكاتب الحط من قدر شخصياته إلى مجرد أنماط فقد زوّد شخصيتيه الرئيسيتين بتاريخ؛ وحتى باحتمال مصيرٍ بالنسبة إلى سيلفستر لي فلمينغ.
كان فلمينغ شاهد عيان ومشاركًا في مذبحة مدينة كنت، حينما قام الحرس الوطني بتاريخ 4.5.1970 بقتل أربعة طلاب في جامعة كنت في ولاية أوهايو الأمريكية أثناء احتجاج الطلبة ضد السياسة الأمريكية تجاه ﭭييتنام. وكان فلمينغ يشارك إحدى القتيلات، أليسون كراوز، قناعاتها السياسية إضافة إلى عاطفة حب عميق. أما بروكمَن، ابن الطبيب والطبيبة، فيتذكر في ارتجاعات زمنية أجواء إقليم الراين الأعلى في شبابه، تلك الأجواء التي شابتها مسحة من اتجاهات البديل اليساري والفوضوية.
إن “الحياة الأفضل” ليست رواية في الاقتصاد ولا نشيدَ وداع للمُثل والقيم اليسارية، لكن ﭙلتسر مهموم بالسؤال الفلسفي : إذا كان وجود الإنسان مؤمّنًا اقتصاديًا ولائقًا ماديًا، أي أنه يعيش حياة طيبة، فماذا ينقص لتصبح حياته هذه أفضل؟ يبدو أن ﭙلتسر لا يثق مطلقًا بالمقولات الجازمة مثل الترتيب الزمني والسببية التاريخية، “فالواقع هو سلسلة من الأخطاء، من الأحداث العرَضية والقرارات التلقائية، التي تثبت فيما بعد، وهذا كان غير مفهوم لغالبية البشر، أنها مقنِعة لا اعتراض عليها… أنها الصلة الملائمة بين A وB …” هكذا كانت تتدفق أفكار فلمينغ وهو مستلق على السرير في غرفة فندق في ساو ﭙاولو.
 لقد طور ﭙلتسر أداة تيار الوعي أسلوبيًا إلى الكمال. والمدهش في “الحياة الأفضل” هو التبديل الجاري بمهارة بين المشهدية المحْكمة في إيجاز وبين الموجات الصوتية اللغوية التي يمكن الركمجة عليها وبها على مدى صفحات، إلى أن تعود المشهدية فجأة على نحو محسوس. وقد جرى إبراز كل مشهد بدقة على حدة؛ مثلما تم الربط بعناية بين الدوافع والمحفزات، وعلى نقيض ذلك مثلما بدت تقاطعات طرق الشخصيات كنتائج لمحض مصادفات. إن ﭙلتسر لا يطلق أحكامًا، فهو لا يبغي الوعظ، بل إنه يعرض. يُرينا شخصيات في خضم الحب والفن والسياسة والاقتصاد. وهو يُخرِج عملية تفريغ الوعي دون أن ينحدر إلى التفاهة عبر خواء الشخصيات.
 لقد أصبحت “الحياة الأفضل” بدقة، ما يجب أن تكون الرواية عليه؛ كتابًا قويًا بصوره، شديد التعقيد ومنفتحًا إيديولوجيًا قبل كل شيء. ولهذا فهو في لا مبالاته البالغة تجاه المواقف كافة، سياسي بامتياز.
المؤلف:
أولريش بلتسر من مواليد مدينة كرفيلد عام 1956. درس الفلسفة وعلم النفس في برلين، حيث يقيم ويعمل كاتبًا حرًا منذ 1975. 

This post is also available in: English (الإنجليزية)

TOP