الوصف
This post is also available in:
English (الإنجليزية)
«لا إله إلا الله، محمد رسول الله، هذه العقيدة البسيطة لا تتطلب تجربة كبيرة للإيمان، ولا تثير في العادة مصاعب عقلية خاصة، ولما كانت خالية من المخارج والحيل النظرية اللاهوتية كان من الممكن أن يشرحها أي فرد حتى أقل الناس خبرة بالعبارات الدينية النظرية».
تلك الكلمات صادرة عن واحد من أبرز من كتبوا عن العقيدة في الإسلام مشيدا ببساطتها ومميزاتها، ذلك هو الباحث والمستشرق البريطاني الشهير«السير توماس أرنولد»، والذي ألّف كتاباً يناقش موضوع الدعوة إلى الإسلام ويبين تاريخها، وترجم إلى اللغة العربية تحت عنوان«الدعوة إلى الإسلام.. بحث في تاريخ نشر العقيدة الإسلامية».
لا يختلف اثنان ممن يُلمُون بعموم قواعد الشريعة الإسلامية وبمضامين الآيات الكريمات في القرآن العظيم والأحاديث الصحيحة المنقولة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، على أن الدعوة إلى الإسلام تتميز بديناميكية تجعلها مختلفة جداً في الانتشار عن أي دين آخر، وليست الأرقام التي تسجل في كل الملاحظات العامة عن انتشار الأديان، والتي تجعل من الإسلام أكثر الأديان انتشاراً حالياً في أوروبا وأمريكا، إلا دلالة بالغة ومعبرة عن أن الدعوة إلى هذا الدين العظيم ترتكز على منهج خاص ومتميز جدا، وذلك المنهج هو ما يأمرنا به الله جل جلاله في كتابه العزيز بقوله: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن»، تلك الحكمة التي تتجسد في الدعوة عن طريق تقديم النموذج العملي السليم والصادق في التعامل مع الآخرين، بالطريقة نفسها التي تتجسد في وعظهم وإرشادهم، جعلت من نموذج الدعوة الإسلامية مبحثاً لمن أرادوا ويريدون التعرف إلى الإسلام من المستشرقين والباحثين الغربيين وإلى نمطه العقلي المتسق.
دين العقل
وينقل «توماس أرنولد» في كتابه ذاك عن البروفيسور إدوارد مونتييه ( 1856-1927م) – (وهو المستشرق الفرنسي الذي ترجم القرآن الكريم إلى الفرنسية وتبحر في الثقافة الإسلامية وفي مقارنة الأديان، وكتب كتابًا مهمًّا عن «حاضر الإسلام ومستقبله»)- موضحاً الطابع العقلي للعقيدة الإسلامية وما جنته من ذلك على مستوى سهولة نشر الدعوة الإسلامية فيقول: «الإسلام في جوهره دين عقلي بأوسع معاني هذه الكلمة من الوجهتين الاشتقاقية والتاريخية، لذا فإن تعريف الأسلوب العقلي بأنه تقييم العقائد الدينية على أسس من المبادئ المستمدة من العقل والمنطق ينطبق عليه تمام الانطباق.
ويستعرض «أرنولد» نماذج من تلك المسؤولية الفردية عن الدعوة والتي يتحملها المسلمون في مختلف أحوالهم والظروف التي يوجدون فيها حيث يحكي في نص آخر من الكتاب عن عدة أمثلة من بينها قصة السيدة نفيسة إحدى الصالحات المشهورات، والمعروفة في مدينة القاهرة بضريحها المسمى على اسمها ويقول:
«يروى أنها عندما استقرت في مصر، اتفق أنها أقامت بجوار أسرة من أهل الذمة، وكانت لهم بنت مصابة بداء عضال، بحيث لم تكن تستطيع أن تحرك أطرافها، ولم يكن هناك بد من أن ترقد على ظهرها طوال اليوم، ولزم الأمر أن يذهب والدا هذه الفتاة المسكينة إلى السوق ذات يوم، فطلبا من جارتهما المسلمة أن تتفقد ابنتهما أثناء تغيبهما، وباشرت نفيسة هذا العمل الإنساني، وهي مفعمة بالحب والرحمة، ولما ذهب والدا الفتاة المريضة إلى السوق، ابتهلت نفيسة إلى الله أن يشفي هذه المريضة البائسة، ولم تكد تفرغ من دعائها حتى استعادت الفتاة المريضة تحريك أطرافها وأصبحت قادرة على أن تذهب للقاء أبويها عند عودتهما، وملأ الشكر والامتنان قلوب أفراد الأسرة جميعاً فانتهوا إلى الدخول في ديانة تلك المرأة».
كتاب «الدعوة إلى الإسلام» الذي صدرت الطبعة الأولى منه سنة 1896 م، في الهند، وصدرت الطبعة الأولى المترجمة إلى اللغة العربية سنة 1947 م، في القاهرة، بترجمة كل من الدكتور حسن إبراهيم حسن، والدكتور عبد المجيد عابدين، وإسماعيل النحراوي، يعد من بين الأبرز في مجال إظهار عظمة العقيدة الإسلامية ونماذج الدعاة والحكمة التي تبدو واضحة في أفعالهم وأقوالهم، كما أنه يرد بشكل مباشر وغير مباشر أحيانا على ترهات عديدة تلصق بالإسلام والمسلمين، ويجلو الرؤية الظالمة التي يروج لها كثير من أعداء الإسلام عنه، وربما الميزة الكبرى للكتاب أنه ورغم صدوره منذ عشرات السنوات، إلا أنه يبدو كما لو كان مكتوباً اليوم بفعل تصدره مكانة كبيرة في مجال الدفاع عن الإسلام وعقيدته من منطلق تاريخي استدلالي رصين.
نظام متميز
وفي كتابه هذا فند «توماس» الشبهات الغربية حول الإسلام وعقيدته، وأبرز أن الرباط الديني بين المسلمين يقوم مقام رابطة الدم، وبهذه الصورة أصبح الإسلام، نظاماً سياسياً ودينياً متميزا، واستعرض توماس سماحة الإسلام، وأكد أن أساس انتشار الإسلام يعود إلى سماحة النبي صلى الله عليه وسلم لا إلى السيف، كما زعم كثير من المستشرقين الذين امتلأت نفوسهم حقداً وكرهاً للإسلام.
ولد «توماس واكر أرنولد» سنة 1864 م، وتوفي سنة 1930 م، وهو مستشرق بريطاني شهير، بدأ حياته العلمية في جامعة «كمبردج»، حيث أظهر حبه للّغات، فتعلم اللغة العربية، وانتقل للعمل باحثاً في جامعة «عليكرا» في الهند حيث أمضى هناك عشر سنوات ألف خلالها «الدعوة إلى الإسلام»، ثم عمل أستاذاً للفلسفة في جامعة «لاهور»، وفي عام 1904 عاد إلى لندن ليصبح أميناً مساعداً لمكتبة إدارة الحكومة الهندية التابعة لوزارة الخارجية البريطانية، وعمل في الوقت نفسه أستاذاً غير متفرغ في جامعة لندن. ويذكر أنه كان معلما للمفكر والشاعر الهندي الشهير محمد إقبال واختير عام 1909م ليكون مشرفاً عاماً على الطلاب الهنود في بريطانيا، ومن المهام العلمية التي شارك فيها عضوية هيئة تحرير الموسوعة الإسلامية التي صدرت في «ليدن» بهولندا في طبعتها الأولى والتحق بمدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن بعد تأسيسها عام 1916م، وعمل أستاذاً زائراً في الجامعة المصرية.
له عدة مؤلفات غير «الدعوة إلى الإسلام» ومنها (الخلافة) وشارك في تحرير كتاب «تراث الإسلام» في طبعته الأولى، بالإضافة إلى العديد من البحوث في الفنون الإسلامية.
تميز «أرنولد» بتعاطفه مع المسلمين، مما جعله محبباً إلى طلابه منهم، وقد كانت كتاباته كلها حول الإسلام وقضاياه، محاولة جريئة لإنصاف هذا الدين العظيم وتقديم رؤية معتدلة حوله من طرف رجل غربي ليس من أتباعه.
This post is also available in:
English (الإنجليزية)