الدور المـدني للجـامعــات قـراءة أولية في الأدبيات

عنوان الكتاب الدور المـدني للجـامعــات قـراءة أولية في الأدبيات
المؤلف خالد خميس السَّحـاتي
الناشر المركز الديمقراطى العربى
البلد ألمانيا
تاريخ النشر 2018

أشتري الكتاب حمل الكتاب

الوصف

مقدمة المؤلف:

حَقَّقَت مَنظُومَةُ التَّعليم العَالِي فِي الوَطَنِ العَرَبِيِّ تَوَسُّعاً مَلحُوظاً فِي السَّنَوَاتِ الأَخِيرَةِ، وازداد مَعَ هَذَا التَّوَسُّـعِ حَجْمُ التحدِّيَاتِ التِي أَصْبَحَتْ تُواجِهُهَـا الجَـامِعَـاتُ العَـرَبِيَّةُ، خُصُوصاً مَـعَ تـدنِّي مُسْتَوَى الإِنْفَاقِ الحُكُوميِّ على البحث العلميِّ، وضعف تفاعُل الجامعات مع قضايا مُجتمعاتها، واقتصارها أحياناً على تقديم خُرِّيجينَ مُؤهَّلِينَ (نظريّاً) فِي كَـافَّةِ التَّخَصُّصَـاتِ، لَكِنْ يَنْقُصُهُمْ كَثِيرٌ مِنَ المَهَارَاتِ البَحْثِيَّةِ أَوِ الفَنِّيَّةِ فِي مَجَالاَتِهِـمْ، بِعَكْسِ مَا يُعْرَفُ بِنَمُوذَجِ “الجَامِعَاتِ البَحْثِيَّةِ العَالَمِيَّةِ” أو “جامعات النُّخبَة العالميَّة” World-Class Universities، التي تقفُ على المُستويين الاقتصاديِّ والاجتماعيِّ في مركز الاقتصاد المعرفيِّ للقرن الحادي والعشرين؛ فَهِيَ مُؤسَّسَاتٌ نُخبَوِيَّةٌ تُؤدِّي أَدْوَاراً أَكَادِيمِيَّةً وَمُجْتَمَعِيَّةً عَدِيدَةً، مِنْ خِلاَلِ مُسَاهَمَتِهَا فِي فَهْمِ الحَالَةِ الإِنْسَانِيَّةِ بِشَكْلٍ أَعْمَق.. وَهُنَا يَبْرُزُ “الدَّورُ المَدَنِيُّ للجَامِعَاتِ” مِنْ خِلاَلِ تَحْقِيقِ ذَلِكَ الفَهْمِ العَمِيقِ لِلحَالَةِ الإِنْسَانِيَّةِ، عَبْرَ تناوُل كافة القَضَايَا المُجْتَمَعِيَّةِ دَاخِلَ أَرْوِقَةِ الجَامِعَةِ، وَخَلْقِ منَاخٍ عِلْمِيٍّ أَكَادِيمِيٍّ نَشِطٍ وَفعَّالٍ، قَائِمٍ عَلَى النِّقَاشِ العَقْلاَنِيِّ للقضايا المطرُوحَةِ بَيْنَ مُختلف النُّخَبِ الأكاديميَّةِ (أعضاء هيئة التَّدريس والطُّلاَّب والمُوظَّفِينَ)، فَالجَمِيعُ يُشَارِكُ فِي تِلْكِ النِّقَاشَاتِ، وَيَسْمَعُ مِنَ الآخَرِينَ، ويتفاعَلُ إيجابيّاً مَعَ ما يُطرَحُ، مَهْمَا كانت مِسَـاحَةُ الاخْتِلاَفِ فِي الآرَاءِ.

وَخِلاَلَ السَّنَوَاتِ الأَخِيرَةِ زَادَ اهْتِمَامُ البَاحِثِينَ وَصُنَّاعِ السِّيَاسَةِ التَّعْلِيمِيَّةِ وَقَادَةِ التَّعْلِيمِ العَالِي بِالدَّوْرِ الذِي يُمْكِنُ أنْ تَلْعَبَهُ الجَامِعَاتُ فِي المُجْتَمَعِ بِجَانِبِ الوَظَائِفِ التَّقْلِيدِيَّةِ، ويَسْتَنِدُ هَذَا الاهتمامُ إلى الفوائد المُتنوِّعة المُترتِّبة على مُشاركة الجَامِعَاتِ فِي المُجتمع من قبيل تنمية الوَعْيِّ والاحساس بالمسؤُوليَّة المُجتمعيَّة والمدنيَّة، وتحسين جـودة العمليَّة التَّعليميَّة، وتوجيه البحث العلميِّ بما يُفيد المُجتمـع.

وقد بَرَزَتْ مُنذُ التسعينيَّات من القَـرْنِ المَـاضِي حَرَكَةٌ عالميَّةٌ تَدْعُـو إِلَى إِعَـادَةِ تَقْـوِيَةِ الطَّـابَـعِ المَـدَنِيِّ أو الدِّيمُقراطِيِّ في التعليم العَـالِي، ثُمَّ تَوَالَتِ الدَّعَـوَاتُ وَالاهْتِمَامَاتُ العَالَمِيَّةُ لاَحِقاً بِهَذَا الجَانِبِ، وأصبحت الجامعاتُ المُشاركة مدنيّاً ومُجتمعيّاً ظاهرةً عالميَّةً تصفُ مُؤسَّسات التَّعْلِيمِ العالي التي اختارت أنْ تكُون لاعباً نشطاً في حياة مُجتمعـاتها.

إنَّ التَّعليم العالي هُـو أفضلُ قطاعٍ يُمْكِنُ المُراهنة عَـلَيْهِ في مَسِيرَةِ التَّغْيِيرِ الإِيجَابِيِّ وَالبِنَاءِ لِلمُسْتَقْبَـلِ، وهُو أمرٌ مُتعـارفٌ عـليه عالميّاً، فميزةُ التَّعليم العـالي أنَّهُ يَضُمُّ النُّخَبَ الفكريَّة (أعضاء هيئة التدريس) التِي يَقَعُ عَلَيْهَا أَصْلاً عِبْءُ تَوْلِيدَ الأَفْكَارِ التَّطْوِيرِيَّةِ، وَيَضُمُّ نُخَبِ الشَّبَابِ الذِينَ يَتُوقُونَ إِلَى التَّغْيِيرِ، وَإِلَى تَبَنِّي القِيَمِ التِي تَقُومُ عَلَى المُوَاطَنَةِ وَالمُسَاوَاةِ وَالعَدَالَةِ الاجْتِمَاعِيَّةِ.

والتَّعليـمُ العالي هُـو الـذي يضُخُّ النُّخَبَ الاجتماعيَّة في المُجتمع بشتَّى فئاتهــا ودرجـاتها، من المُعلِّميـن إلى الإعلاميين والقيادات الإداريَّة و الاقتصـاديَّة والسِّياسيَّة، وبالتالي فإنَّ أفْضَلَ مَنْ يُمكنُ البحثُ معهُم في الموضُوع المدنيِّ هُم أهـلُ التَّعليم العالي (أسـاتذةً وطُـلاَّباً وقيادات)(.

ولذلك، فإنَّ الجامعات تُعدُّ مِنْ وسائل التنشئة الاجتماعيَّة والسِّياسيَّة في كافَّة الدُّول، وذلك بما تُوفِّرُهُ مِنْ أدواتٍ قَادِرَةٍ عَلَى لَعِبِ دَوْرٍ أساسيٍّ في تشكيل فكر الطَّلبة وسُلُوكِهِمْ. كما تُعدُّ الجامعاتُ إِحْدَى المُؤسَّسات الاجتماعيَّة الفَاعِلَةِ فِي تَعْزِيزِ أنماط التَّفاعُل بَيْنَ الطَّلبة والمُجتمع؛ لأنَّ مِنْ وَاجِبَاتِهَا الرَّئيسيَّة تنمية وتَوْجِيهِ وَعْيِّ الطلبة بالاستراتيجيَّات العامَّة للدَّولة والقيم المُجتمعيَّة الإيجابيَّة التِي يَحْرِصُ عليها المُجتمعُ الحديثُ لتوفير الانسجام المُجتمعيِّ، وعلى اعْتِبَارِهَا المَصْدَرَ القَـادِرَ عَلَى تَزْوِيدِ المُجْتَمَعِ بِمَا يَحْتَاجُهُ مِنْ قُـدْرَاتٍ ذَاتَ خِبْرَاتٍ عِـلْمِيَّةٍ مُؤَهَّلَةٍ وَمُدَرَّبَةٍ().

وقد أثمر الاهتمامُ بالمُشاركة المُجتمعيَّة والمدنيَّة للجامعات عن ظُهُور مفاهيم جديدة تُعبِّرُ عن الدَّور المدنيِّ للجامعات (The civil role of universities)، ووظيفتها في المُشاركة المُجتمعيَّة مثل مفهُوم “الجامعة المدنيَّة” (Civic university)، و”الجامعاتُ المُشاركة في المُجتمع” (community-engaged university)، و”الجامعاتُ المُشاركة مدنيّاً” (Civically engaged university). ومنْ بين فوائد المُشاركة المُجتمعيَّة للجامعات: تحسينُ نُمُوِّ رأس المال البشريِّ والاجتماعيِّ، والمُساهمةُ في تسريع النُّمُوِّ الاقتصاديِّ، وتحسينُ البُنية التَّحتيَّة المهنيَّة والعقليَّة للمُجتمعـات، والحُصُولُ على النتائج البحثيَّة المُفيدة للمُجتمع، بالإضافة إلى خلق جيلٍ واعٍ سياسيّاً، ومُهْتَمٌّ بقضايا مُجتمعه، ويتفاعـلُ معها بشكلٍ إيجـابيٍّ..

وَلِذَا، فَإِنَّ السُّـؤَالَ عَنِ البُعْـدِ المَدَنِيِّ لِلجَامِعَـاتِ هُـوَ مَوْضُوعٌ خَامٌ عَلَى مُسْتَوَى الجَامِعَاتِ العَرَبِيَّةِ، وَهُوَ مَوْضُوعٌ فِكْرِيٌّ عَالَمِيٌّ يَنْطَلِقُ مِنْ مُقَارَبَةٍ عِمَادُهَا أنَّ الجَامِعَةَ لاَ تُخَرِّجُ فقط أصْحَابَ مِهَنٍ بَلْ مُوَاطِنِينَ مُنْخَرِطِينَ فِي الحَيَاةِ المَدَنِيَّةِ.

وَفِي هَذَا السِّيَاقِ سَوْفَ نَتَنَاوَلُ في هذا الكتاب مَفْهُومَ “الدَّوْرِ المَدَنِيِّ لِلجَامِعَاتِ”، وطبيعة العلاقة بين الجامعة والمُجتمع، والأدوارُ المدنيَّة والمسؤُوليَّة الاجتماعيَّة للتَّعليم، ولمحةٌ عامَّةٌ حَـوْلَ “الدَّور المدنيِّ للجَامِعَاتِ العَرَبِيَّةِ”، وَأَبْعَـادُهُ الرَّئِيسِيَّةُ، فِي ضَـوْءِ بَعْضِ الأَدَبِيَّات التِي تَنَاوَلَتْ هَـذَا المَوْضُوع.

وقد حاولتُ جاهـدا بَذْلَ أقصى دَرَجَـاتِ الدِّقَّة في هذا العمل، وفق ما أتيح لي من معلوماتٍ وبياناتٍ، ورغم ذلك فالكمـالُ لله وحـدهُ، فإنْ كان فيه أيُّ خطأ أو تقصير أو سهـو فأرجُـو التواصُـل معي على البريـد الإلكترونيِّ، وتقديم المُلاحظـات أو التعقيبات لأستفيـد منها في الطبعـة الثانية إن شـاء الله.

TOP