الدولة والمجتمع

عنوان الكتاب الدولة والمجتمع
المؤلف محمد شحرور
الناشر دار الساقي
البلد بيروت
تاريخ النشر طبعة 2018
عدد الصفحات 416

أشتري الكتاب حمل الكتاب

الوصف

قراءة في كتاب

” دراسات اسلامية معاصرة – الدولة والمجتمع ” للدكتور محمد شحرور

-1-

المجتمع العربي .. إلى أين؟

هناك حالة من الارتباك والتخبط الفكري تسيطر على عالمنا العربي . وصل اليها مجتمعنا العربي نتيجة لسنوات طويلة من الجمود الفكري والانقياد لمبدأ التلقي بدلا من التفكير والبحث والاستنتاج وتحول من مجتمع مفكر منتج الى مجتمع مستهلك يمضي في طريقه الى مستقبله سائرا على اطلال ماضيه . نحن لا نستطيع حتى ان ندعي انتمائنا لمجتمعنا المعاصر ولا نزال نتمسك بأوهام نتحسر فيها على ما قدمه مبدعينا الاوائل من مشاعل كانت نواة اولية استخدمتها الامم من حولنا كبداية الى حضارات وامجاد وكانت لنا مجرد انشودة نتغنى بها في مناسباتنا القومية

“ان العرب والمسلمين يعيشون اليوم على هامش الحضارة , ويعيشون حتى في بلدانهم على هامش أحداثهم الخاصة , فمنهم من تقوقع تحت شعار المحافظة على التراث , ويريد من الزمان ان يرجع الى الوراء وفي هذه الحالة لابد من الصدام بين الجديد والقديم . والمشكلة الكبرى التي نعيشها الان نحن العرب والمسلمين هي المحافظة على اعتماد طرق استنباط المعرفة التي تم وضعها وتوظيفها في القرنين الثاني والثالث الهجريين على انها المصدر الوحيد للمعرفة في فهم علوم القرآن والفقه . علما ان طرق استنباط المعرفة ومناهج البحث العلمي واعتماد الاستقراء في المعرفة التي توصلنا اليها في القرن العشرين ملك للانسانية جمعاء لا محل فيها للطابع الايماني او الالحادي او الطابع القومي الشعوبي ولكن المشكلة في توظيف هذه الطرق في خدمة هدف معين فاذا استثمرها المستعمرون في استعمارنا فليس ثمة ما يمنع ان نستثمرها نحن في الدفاع عن استقلالنا .”

لم يمر المجتمع العربي الاسلامي بوقت كان فيه أحوج الى  إعادة النظرفي تاريخه وحاضره ومستقبله أكثرمن الآن . نحتاج الى وضع خطة واضحة لمواجهة مستقبلنا الحضاري ونحتاج في ذلك الى إعادة ترتيب أولوياتنا سواء داخليا فيما يدور داخل بلادنا العربية من تدني للثقافة الاسلامية الحقة، أو خارجيا فيما يخص دورنا في المجتمع الدولي وما أدى اليه تخاذلنا لعقود طويلة من تشويه لصورة الإسلام والمسلمين  لدى العالم الغربي .

وبالطبع لن يتسنى لنا وضع الخطة المرجوة بصورة واقعية تطبيقية إلا بعد وقفة تأملية مع أحوال المجتمع الاسلامي المعاصر ، نظرة الى ما بين السطور نتمكن خلالها من إيجاد الثغرات الحقيقية التي تسرب منها الوهن الى عقل وجسد الامة الاسلامية . واذا كانت قراءة الوضع الحالي تحتاج الى الكثير من الجهد والتدقيق الا أن هناك الكثير من الظواهر التي باتت واضحة للعيان بصورة تضعها على قائمة أولوياتنا في البحث ، ويتمثل بعضها في :

“- عدم التمييز بين الاسلام الاصل كما نزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم والتطبيق التاريخي لهذا الاسلام ، اي بين التنزيل الحكيم وكتب الفقه والتراث.

– إن مفهوم ( كل شيئ مكتوب سلفا) والتخريجات حول هذا الموضوع حولت الانسان العربي المؤمن الى آلة فالعمر محدود والرزق مكتوب .

– تقسيم العالم الى دار كفر ودار إسلام .

– عدم وجود إحساس عميق وراسخ بقيمة الحرية في الوعي الجمعي الانساني التراثي عامة والعربي الاسلامي خاصة.

– عدم وجود فقه دستوري راسخ في التراث وبالتالي انعدام الوعي الدستوري لدى الناس والسبب ان الفقه الدستوري يحتاج الى ابداع والابداع معدوم في ثقافاتنا الموروثة القائمة على النقل والتلقين.

– عدم قدرة الفكر الاسلامي العربي التاريخي حتى الآن على تحويل قيم الحرية والعدالة والشورى الى مؤسسات فبقيت مجسدة من خلال اشخاص بعينهم “***

إن التأمل في هذه الظواهر التي تمثل جزءا من حال الامة العربية الاسلامية الان يشير الى أن الأزمة الحقيقية هي أزمة فكرية عقائدية . بداية من عدم الفهم الحقيقي لجوهر الاسلام وللمبادئ التي حملها للبشرية، ووصولا الى عدم قدرتنا على تطبيق أبسط تلك المبادئ في حياتنا اليومية . وأشد ما يجب أن نخشاه الان هو أن نصل الى  ( الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا )  .والبحث عن الفعل دون الاهتمام بالعقيدة المحركة للفعل هو مجرد عبث لأن اول مبادئ الدين الاسلامي أن الله لا يقبل عملا مهما كان صالحا إلا اذا صدقت فيه النية وصحت قبل العمل العقيدة. مما يرسم لنا الطريق الذي يجب ان نتخذه من اجل اصلاح حقيقي لجسد الامة الاسلامية المعتل. وهو البدء بإصلاح تلك المضغة التي اذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي الفكر والعقيدة.

 -2-

البحث عن حقيقة الاسلام

” يقول الشيخ محمد الغزالي :” ان الاسلام اطلاق للعقل لا حجر عليه , وإعمال له لا لتعطيل وظائفه , والقرآن جاء دعوة لقراءة كتاب الكون وتأمل اسراره وسننه وحث الفرد على التأمل داخل نفسه وخارجها للوصول الى تعاون افضل مع بنى جنسه وفهم أتم لوحدات الكون وطبيعة المادة ولكن الاصابات التي احدثت في ثقافاتنا نموا غير طبيعي من تضخم الروايات الواهية وتضخم الاحكام الفقهية في الفروع والذبول في علم الكون والحياة بموت المستكشفين والرواد والاوائل في الكيمياء والفيزياء والرياضيات , كل ذلك كان سببا في انحسار واضح في الجوانب الاخرى من الشمولية القرآنية “

لقد اثبتت لنا القرون الاولى للاسلام أن هذه الرسالة تحمل للبشرية كلها ما تحتاج اليه من مبادئ وسياسات تطبيقية تجعل من الحياة في هذه الدنيا فرصة عادلة لكل البشر . يملك  كل من يحياها بلا استثناء الحق في اختيار عقيدته وممارستها ويتساوى مع المتفقين معه والمختلفين في الحقوق والواجبات .واثبتت لنا سنوات التقهقر التي تعيشها الامة الاسلامية ان” الاسلام بشكله النقي النظري موجود بالتنزيل الحكيم فقط ولا يمكن ان تتجسد مصداقيته الا بالممارسة ومن خلال القوانين الكونية والاجتماعية “. وتلك الممارسة تجريبية تعتمد إعتمادا كليا على الاجتهاد البشري بأخطائه واصاباته .ولا يجب بأي شكل من الاشكال إتخاذ الممارسة البشرية بديلا عن التنزيل الرباني كمصدرا لفهم روح الاسلام

وسر تألق الدولة الاسلامية في تلك الفترة كان نجاح المسلمين في فهم الرسائل الربانية وتطبيقها على واقعهم المعاصر . واول الرسائل التي نقلت المسلمين من مجتمع الجاهلية الى مجتمع خير أمة أخرجت للناس كانت الثورة على مبدأ (هذا ما وجدنا عليه آباءنا ) والذي وقف عائقا بصورة متكررة في وجه كل الرسالات السماوية التي ارسلها الله لهداية البشر. وطالما وجده الانسان مبررا لإيقاف عمل العقل والاستسلام لما ورثه عن ذويه حتى ولو كان في ذلك الضلال البين .ويحتاج كل منا الى القيام بثورته الخاصة , ينفض بها الغبار عن ملكات التفكير لديه ويبدأ في اعادة قراءة الرسالة التي حملناها في صدورنا ازمانا طويلة دون ان نكلف انفسنا عناء  محاولة فهم محتواها . أن نتحرر من كوننا مسلمين بالوراثة الى مسلمين بالايمان الحق القائم على الاستيعاب الحقيقي للاسلام . واليقين أن ما انزله الله على خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم لم يكن مجرد كتابا يشرح تفاصيل اداء العبادات ويحكي قصص الامم من قبلنا انما كان دستورا حياتيا شديد الاعجاز في استيعابة لكافة تفاصيل الحياة لكافة البشر . وان المعنى الحقيقي لمفهوم ( وما فرطنا في الكتاب من شيئ ) هو ان الكتاب يحمل رسالة متجددة لكل زمان.

ولأن الثورة هي”  نشاط انساني فردي وجماعي مؤثر في سياق الاحداث الفردية او الاجتماعية . اي انها عملية تحويل الافكار والنظم المعرفية الى اطر تنظيمية عملية” فلا معنى للثورة في حد ذاتها الا اذا تحول الجمود الى حركة والقول الى فعل” والله سبحانه وتعالى هو الوحيد القادر على فعل ما يريد وقوله وفعله متطابقان تماما ( قوله الحق ) ( فعال لما يريد ) والوجود كلماته” .ولكن كيف نستطيع نحن ان تتطابق اقوالنا وأفعالنا وتحويل افكارنا الى واقع؟

 ان المسافة بين القول والفعل تبدأ بالكم المعرفي الذي يشكل فكر الانسان فكلما زادت المعلومات المتوفرة لدينا عن الموضوع قيد التفكير كانت نتائج هذا التفكير أعمق واكثر نضجا وواقعية . واذا كان الفعل هو عمل قائم على فكرة فإن هناك حلقة وصل بين الفكرة والفعل وهي الخيال .  وكلما زادت معلوماتنا عن النتيجة التي نود الوصول اليها بأفكارنا والفعل الذي نسعى الى تحقيقه ارتفع سقف الخيال وأفرز كما أكبر من الاحتمالات الممكنة لتحقيق الهدف وصارت الفكرة أكثر واقعية .

“و يمكن ان نحقق امر الله سبحانه بأن تكون افعالنا مطابقة لاقوالنا في عالم الوجود المادي الموضوعي .  أي انه لا يمكن ان تكون افعالنا مطابقة لأقوالنا الا بحد اوسط بين القول والفعل وهو معرفة البنى التي نمارس فيها افعالنا ومن خلال معرفة هذه البنى تتحول اقوالنا الى افعال لذا فان جهل الانسان بالوجود وقوانينه ( كلمات الله وآياته) امر مقيت جدا عند الله لأن هذا الجهل او التجاهل او الاعراض استخفاف بكلمات الله واياته ” .

كلما قادتنا الخطى نحو تأثير الكم المعرفي لدى الانسان في تسهيل مهمته في تكوين الفكرة وتحويلها الى واقع اصبح حتميا لدينا ضرورة الاعتراف الى حاجتنا الى  تحديث قواعدنا المعرفية المتمثلة في الرسالة بشقيها ( القرآن والسنة ). وذلك من خلال الفهم الواعي لهذه الرسالة بأدوات علمية معاصرة بهدف استخراج ما تحمله من توجيهات ربانية ،سنجد فيها الدواء الاكيد لكل امراض أمتنا . ولن  يتسنى لنا ذلك الا إذا إعتبرنا ان تجربة المسلمين الاوائل في فهم الرسالة وتطبيقها هي محاولات اجتهادية بحتة لا تنفصل عن الزمن الذي تنتمي اليه . وهي تجربة يحتذى بها ومصدر معرفي قابل للمناقشة والتطوير طبقا لمستجدات الواقع، وليست إطارا محدد للعلوم او سقف للاجتهاد لا ينبغي ان نتخطاه. و نحتاج في ذلك فقط الى تطوير اسلوبنا في التفكير. ويطرح لنا الكاتب منهجه  في إعادة قراءة التنزيل الحكيم في ذلك متلخصا في :

-” لا يمكن فهم اي نص لغوي الا على نحو يقتضيه العقل .

– الالفاظ خدم للمعاني فالمعاني هي المالكة سياستها المتحكمة فيها ووظيفة اللغة هي نقل ما يقوله متكلم الى سامع.

– حين يخاطب المتكلم سامعا فهو لا يقصد افهامه معنى الكلمات المفردة لذا فالثقافة المعجمية غير كافية لفهم اي نص لغوي .

– اللغة حاملة للفكر وتتطور معه .

– ظاهرة الترادف في المعنى هي ظاهرة غير موجودة في مناهج البحث العلمي فلكل مفردة من مفردات اللغة معنى منفصل قد يقترب او يبتعد عن ما يسمى بمترادفاته الا ان كل لفظ في هذه اللغة يحمل رسالة مميزة عن مترادفاته.

– لقد خلق الله الوجود وصاغ التنزيل فلزم ان نرى فيهما وحدة الخالق التي تجلت في ان لكل شيء عمل ووظيفة  والتنزيل جاء خاليا من الحشوية ولا يمكن حذف كلمة منه دون ان يختل المعنى وهو خالي تماما من العبث او الاخبار الغير مهمة .

– عند دراسة اي نص لغوي لدينا الاركان التالية ( المؤلف – النص – القارئ) فالقارئ يتعرف على المؤلف من خلال النص وفي التنزيل الحكيم المؤلف هو الله مطلق المعرفة والنص هو التنزيل الموحى والقارئ هو الناس محدودو المعرفة لذا لا يمكن لانسان واحد او مجموعة من البشر في جيل واحد ان يفهم النص القرآني بشكل كامل مطلق كما أراده صائغه .فقد اخذ المؤلف بأعتباره اختلاف القارئ في الارضية والمعرفية والمدركات فجاء التنزيل يحمل ظاهرة التشابه اي ثبات النص وحركة المحتوى .

– جاء التنزيل يحمل في ذاته تطورا لغويا لم يعرفه الجاهليون في لسانهم من قبل , ففيه مفردات اتى بها من لغات اخرى وفيه اسلوب متميز بالنظم يخرجه من دائرة الشعر والخطابة ومصطلحات مستحدثة انفرد بها مما يؤكد استحالة اعتبار لغة الجاهلية كافية لفهم التنزيل . وهو كذلك اول خطوة في فتح الباب امام اللغة لان تتطور وعدم التعامل معها على انها كائن متجمد .”

ان المنهج المطروح من قبل الكاتب هو مجرد إشارة الينا ببدء تحرير عقولنا من سيطرة الافكار والمبادئ والتفسيرات التي صاغها غيرنا . و لا يوجد اي تعارض بين إعمال العقل في إعادة قراءة القرآن والسنة النبوية والاعتماد على ما انتجه علماء السلف في القرون الاولى للاسلام من قراءات جائت نتيجة لفهمهم المبني على خلفياتهم المعرفية والاجتماعية . بل يجب ان نقرأ هذه المراجع بعين الناقد الفاحص ونستقي منها ما نحتاج اليه بشرط ملائمته لواقعنا المعاصر. ويكاد يكون الاعتراف بالحاجة الى مثل هذا المنهج في التفكير هو الخطوة الاولى في التغلب على ظاهرة الالتباس الفكري بين أصل الاسلام وسبل تطبيقه . والمرحلة الاولى من مراحل اعادة كتابة الفقه التشريعي للمسلمين في حدود الله الواضحة في التنزيل الحكيم. ولكن من منظور معاصر تلعب فيه حاجاتنا اليومية وتوجهاتنا الداخلية والخارجية دور البطل في تحديد بنوده . وتساهم العلوم الحديثة بكافة ادواتها البحثية في إيجاد البينات المؤيدة لتلك التشريعات . وينبغي للفقه الاسلامي المنشود أن يكون شاملا لتفاصيل حياتنا المعاصرة ،متضمنا احتياجاتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وأن يحمل في داخله آليات تطويره . مؤكدا بذلك هلى ان الفقه هو نتيجة اجتهادية متغيرة طبقا لتغير الخلفية المعرفية والاجتماعية والمرحلة الزمنية لواضعيه . مع الاخذ في الاعتبار ان التشوه الذي تعرض له الفقه الاسلامي كان نتيجة الخلط بين المعاملات والاحوال الشخصية والعبادات والنظر اليها على انها امرا واحدا . تحمل جميعها صفة الثبات والاستمرارية . وتجاهل قابلية بعضها للتطور بمرور الزمن وتغير الاعراف المجتمعية .

-3-

“حتى يغيروا ما بأنفسهم”

” ان قانون التطور وتغير الصيرورة وهو العمود الفقري للعقيدة الاسلامية يكمن فيه توحيد الربوبية والالوهية ، حيث كل شيئ متغير يخضع لتغير الصيرورة ، ما عدا الله ( كل شيئ هالك الا وجهه ) ان تغير الصيرورة هو القانون الوحيد الثابت في هذا الكون ، حتى معاني الالفاظ تخضع للتغيير فالمجتمع هو الذي يصنع المعاني.”

و اذا كانت الوسيلة هي تغيير المنهج المتبع في التفكير فإن الغاية من ذلك هي الوصول الى رؤية واضحة لدور الاسلام في حياتنا، وفي تشكيل رؤيتنا للوجود ككل ولدورنا في هذا الوجود بشكل خاص .  والرؤية  فقط تصبح ذات أهمية اذا ما اتسمت بطابع التطبيقية واتصلت اتصالا فعليا بتفاصيل حياتنا . ولا يتأتى ذلك الا نتيجة لإيماننا بان التغيير سنة كونية. واننا كأفراد  نمثل  النواة الاولية للمجتمع العربي الاسلامي . فان نقطة التحول في حاضر ومستقبل هذا المجتمع انما تبدا من تغيير رؤيتنا لانفسنا ولأهمية دورنا في هذا المجتمع .ومن اليقين( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم , واذا اراد الله  بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال ) الرعد – 11-

“هناك قانونا ربانيا هو ان التغيير يبدأ من الناس أولا ومن ارادتهم , فاذا كان هذا التغيير نحو الاسوأ فسيحصل السوء لا مرد له , واذا كان نحو الاحسن , فالحسن سيأتي لا مرد له . واذا كان هناك مجموعة من الناس في وضع حسن وساء وضعهم فهذا يعني ان البداية منهم , فالقانون الرباني يعمل فيهم , اي ان الحكمة التي تعمل في كل المجتمعات هي ( أن الله يساعد الذين يساعدون انفسهم ) اما اذا كانوا مؤمنين فلهم زيادة ,- أي ان قوانين الوجود مطواعة  للمؤمن والكافر على حد سواء , وان اسباب النصر وأسباب الهزيمة هي نفسها للمؤمن والكافر , ولكن المؤمن يزيد بأن له رجاء عند الله تعالى .” من هنا نبدأ التغيير الاول وهو التغيير في النفس , ولكن ما هو هذا التغيير ؟ هل نزيد من مجالس الصلاة وقيام الليل والنوافل.”  بالطبع نحن هنا لسنا في موضع خلاف حول أهمية دور العبادات بأنواعها في تهذيب النفس البشرية والسمو بها ولا في  ما تحمله من حكم واسرار تكاد بها  تكون هي المصدر الرئيسي للقوة النفسية للانسان المسلم . ولكن الحقيقة “ان الاسلام منذ بعث محمد صلى الله عليه وسلم رسولا الى يومنا هذا لم يعان أزمة في العبادات فالمصلون بالملايين وعدد المساجد في ازدياد مطرد بكل انحاء العالم الاسلامي والصائمون بالملايين والاماكن المقدسة على سعتها لا تتسع للحجاج الواردين من كل حدب وصوب ومع ذلك كله نجد العبادات التي لم نعان اي ازمة فيها , في ظل اي نظام استبدادي أم غير استبدادي هي التي يتم التركيز عليها – ويتم اسقاط اطروحة التطور كعمود فقري للتوحيد – ومن هنا نرى ان التغيير يبدأ بالنفس وبالتفكير والعمل والتخلص من الاستبداد بكل انواعه .

ان اول ما يجب تغييره في انفسنا , هو قناعتنا بأن الله لم يكتب الشقاء والسعادة , الغنى والفقر , منذ الازل بل وضع النواميس العامة التي من خلالها يتصرف الناس بملء ارادتهم وحريتهم . وفي هذا يقع الثواب والعقاب والمسئولية .”

ان  مثل هذه القناعة تؤكد على حتمية التعامل مع الحياة الدنيا بمنتهى الايجابية والتفاعلية، واليقين بدور الانسان الفعلي في كل ما يعيشه في تلك الحياة من خير أو شر . وبالطبع هذا ليس نفيا للقضاء والقدر ولكن نفيا للارتباط بين الايمان بالقدر والسلبية والاستسلام .ويضرب لنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مثالا في الفهم الحقيقي لمسألة القدر عندما امر الناس الاصحاء بالخروج من الاماكن الموبوءة بالطاعون فسأله الناس : أنفر من قدر الله ؟ فأجابهم : نفر من قدر الله الى قدره .

ان الله قدر لنا اعمارنا ولكن اعطانا مطلق الحرية في اختيار ما سنفعله خلالها و منحنا قدراتنا ومواهبنا ولكن أطلق اختياراتنا في استغلال هذه القدرات والمواهب وتنميتها في جعل حياتنا افضل او التغاضي عنها واهمالها حتى يواريها الثرى . ان ايماننا بأن”( كل شيئ مكتوب سلفا ) ايمان ناقص ويتنافى مع تصديقنا لكلمات الله التي منحنا فيها كافة الاختيارات الممكنة حتى في الايمان به عز وجل او الكفر . ويتنافى كذلك مع تصديقنا لتصريح الله بانه ( من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) . نحتاج الى استيعاب ان الاسباب تؤدي الى النتائج بإذن الله . والبدء في الحركة واستنفاذ كافة الاسباب للوصول لاهدافنا هو دورنا الحقيقي وليس الاستسلام للسلبية والادعاء ان فشلنا في تحقيق اهدافنا هو مشيئة الله . وان تمردنا على الفشل واعادة المحاولة مرات ومرات ليست اعتراضا على قدر الله بل تصديقا للمسببات التي اوجدها سبحانه وايمانا بأن الله لا يضيع اجر من أحسن عملا .

-4-

الحرية بين المفهوم والتطبيق

“لقد ثبت ان قوانين جدل الانسان حقيقة لا مناص منها ، وان اختلاف الثقافات بين الناس امر لا بد منه ابتداء من العقيدة وانتهاء باصغر الجزئيات ، وان القاسم المشترك بين الناس هو المنطق والمعرفة ، ولهذا استعمل التنزيل الحكيم هذا القاسم المشترك في قوله تعالى ( ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين ) هود 118 نرى واقعية القرآن حتى في الايمان فمع ان الله سبحانه طلب من الناس الايمان لكنه امر المؤمنين الا يطمعوا بايمان اهل الارض جميعا ، فالطموح الى ان يعم الايمان اهل الارض امر ميئوس منه لانه ضد قوانين الجدل التي هي من سنن الله في الخلق

ان اول بند من بنود الحرية الذي يجب ان يعتقده المسلم ، هو وجود الطرف الاخر أي الكفر . ويتعامل معه حسب موقفه منه ، اما بالجدل المتصالح او بالجدل المتخاصم. فعندما يكافح المؤمن من اجل حرية العقيدة واختيارها لغيره ولو كان كافرا ، فهو يكافح عمليا من اجل نفسه ومن اجل ضمان الحفاظ على حرية عقيدته ومن اجل ابداء رأيه بحرية ضد الكفر .

على المؤمن ان يعلم ان الاخر حر في تبنى العقيدة التي يشاء . وان الله سبحانه منح حرية العقيدة هذه لكل الناس على حد سواء وأن الايمان يعرف بوجود الكفر ولو ان اهل الارض مؤمنين لما عرفنا الايمان .”

وتقبل وجود الايمان والكفر كطرفين شريكين في هذه الحياة لا يتعارض مع إنكار عقيدة الكفر. والتسليم بأنه جزء من حياة بعض الاشخاص الذين اختاروه دينا لهم لا يعني بالضرورة موافقتنا على صحة تلك العقيدة . انما يعني ذلك تصديق كلمات الله في ( ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) وامتثالا لمنهجه جل وعلا في انه وحده القادر على الحكم على ايمان وكفر البشر وبالتالي وحده هو القادر على حسابهم . بل اننا اذ نرفض الانسان الذي ضلت به عقيدته فاننا بذلك نقطع السبل بيننا وبينه في دعوته الى الايمان . وتقبل وجود الكفر جزء من الايمان، والتصديق والتعامل معه بالحكمة والموعظة الحسنة أمر إلهي . اننا نضع التصنيفات القائمة على رؤيتنا القاصرة للايمان الحق و نلقي احكامنا على ايمان وكفر البشر ،بل  ونتخذ من تلك التصنيفات الباطلة ذريعة لممارسة العنصرية  . متناسين في ذلك أن “الخلق كلهم عيال الله ، مؤمنهم وكافرهم ، مسلمهم ومجرمهم ، موحدهم ومشركهم ، مطيعهم وعاصيهم ، خلقهم من تراب وجعلهم عبادا ولم يجعلهم عبيدا . يطيعونه بملء ارادتهم ويعصونه بحرية اختيارهم ولا يخرجون في الحالتين عن كونهم عبادا . وان لكل انسان الحق في ان يعتنق اي ملة واي دين يرغب به ، وان يغير دينه او ملته ، وان يعلن ذلك دون خوف من قتل او اضطهاد , وهو عبد الله في كل الاحوال”وأن ( لا اكراه في الدين ) هي الرسالة التي حملها كل الرسل والانبياء منذ بدء الخليقة وحتى رسالة خاتم المرسلين، مكملين تلك الرسالة بأن كل حرية  في الاختيار يتبعها قطعا مسئولية في تحمل نتائج ذلك الاختيار وهذا القانون يعمل في امور الدنيا والاخرة .

“وننتقل من حرية العقيدة الى حرية الرأي والتعبير عنه . هذه الحرية ايضا هبة من هبات الله للناس . فالانسان حر  في رأيه .( عقيدته وموقفه ) وحر في التعبير عنه ، ولا يحتاج في ذلك الى اذن من أحد . وهذا يقتضي وجوبا رأي أخر . وحرية الانسان في التعبير عن رأيه ، لا تقاس بمقدار ما يعطيه لنفسه من هذا الحق بل تقاس بحرية الطرف الاخر في التعبير عن رأيه . هذا الجدل بين الرأي والرأي المضاد هو من اساسيات المنهج العلمي في العلوم الانسانية ، وبدونه لا يمكن كشف التناقضات الداخلية اليومية والخارجية ، ولا يمكن ان يكون للانسان ضمير حر دون حرية التعبير عن الرأي .

علينا ان نتقبل هذه الممارسة فاذا اردنا ان نعبر عن رأينا تركنا للطرف الاخر ان يعبر عن رأيه ايضا . فحرية التعبير عن الرأي هي البوتقة العامة التي تنصهر فيها كل الاراء وتجمع عليها .”

ولا يتعارض احترام الرأي الاخر مع الاستماع اليه باذن الفحص والنقد بهدف الاضافة والارتقاء بالفكر العام  وانطلاقا من الايمان بان ” كل انسان ، فردا كان او مجموعة يعتقد انه يملك الحقيقة المطلقة يصبح مستبدا وبشكل آلي ولا يبقى أي مجال للحوار معه . وتصبح المثل العليا لديه اسيرة الحقيقة المطلقة التي يتهم انه يملكها ويسخر كل شيء من اجل ذلك” والتأكيد على اهمية احترام الرأي والرأي الاخر في الاسلام تنبع من نظرة الاسلام للمسلم كوحدة من كل . لا يمكن فصله عن المجتمع الذي يعيش فيه ولا يمكن انكار التأثير المتبادل بينه وبين هذا المجتمع . وفي حين يجعل الاسلام التعبير عن الرأي واجبا فانه يجعل احترام الرأي الاخر والاخذ بتعدد الاراء كمنهج لاتخاذ القرارات فرضا ( وشاورهم في الامر) ويرسم بذلك السياسة العامة التي تحكم بين افراد المجتمع. ويحدد كذلك علاقة المجتمع بالدولة من خلال ارساء مبدأ الشورى او ما يطلق عليه الفكر الحديث ( الديموقراطية ) .

 -5-

الشورى – الدولة والمجتمع

“ان ازمة الديموقراطية ازمة مستعصية في العقل العربي السياسي قبل ان تكون مستعصية في المؤسسات ، فخلال  هذه القرون الطويلة اصبح الاستبداد فلسفة تدخل ضمن شخصية الانسان العربي وقناعاته وممارساته .

لقد استند الاستبداد السياسي على ركائز الاستبداد العقائدي والفكري والمعرفي والاجتماعي لدى الناس ، ولا امل في التخلص من الاستبداد السياسي ، قبل ان ينشأ تيار مؤمن بالديموقراطية قولا وفعلا ، ومؤمن بأن الرأي والرأي الاخر موجود ، وله حق مقدس ومصان يصحح المناهج الاجتماعية في ضوء ذلك كله . “

وما وصل اليه العقل العربي الاسلامي من إنكار دفين للديموقراطية وعدم القدرة على ممارستها سواء بشكل فردي او جماعي كان نتيجة عقود طويلة من الاستبداد العقائدي والسياسي تضخمت فيه فكرة الانقياد لولي الامر على انها مبدأ ديني . وتأصل فيه الانقسام والانفصال بين دور كل من الدولة والمجتمع في ادارة شئون المجال الذي يجمعهما سويا وهو الوطن .  ومحاولة التغلب على هذا الانقسام لن تكون الا كنتيجة للفهم الواعي المحدد لدور كل من الدولة والمجتمع في العمل على تخطي تلك الازمة. واداء هذا الدور بايجابية من خلال آليات منظمة ذات مبادئ واضحة . ” والدولة هي اداة للتعبير عن واقع يعيشه شعب ما من خلال مؤسسات . لذا فهي البنية الفوقية لبنية تحتية هي العلاقات الانسانية  وهي التي تمثل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية السائدة والمستوى المعرفي . فاذا كانت هذه العلاقات متخلفة فالدولة متخلفة واذا كانت متقدمة فالدولة متقدمة وهكذا . وهناك علاقة تأثير وتأثر متبادل بين المؤسسات والمجتمع . فكلما كان تأثير البنية التحتية للمجتمع على البنية الفوقية ( المؤسسات كبيرا , كانت الدولة اكثر ديموقراطية . وكلما كان تأثير البنية الفوقية على البنية التحتية كبيرا اتجهت الدولة باتجاه القمع واليكتاتورية . والدولة الديموقراطية هي حالة الوسط في التأثير والتأثر المتبادل بين البنى المختلفة.

والشورى تدخل في بنية الدولة الدستورية لا في اللوائح القانونية . لأن الحرية والديموقراطية نمط علمي للحياة الانسانية وليستا وسيلة او غاية . والحرية والعلم توأمان لا ينفصلان وكلما زاد تعلم الناس ووعيهم زادت حاجتهم الى الحرية وكلما كانوا أحرارا زادت فرص نمو العلم عندهم . والعدالة الاجتماعية النسبية وتقدم المعارف وازدياد رفاهية الانسان وتحضره هما ايدولوجيا الحرية والديمقراطية , والحرية والديموقراطية هما المنهج العلمي الحضاري في العلاقات الانسانية .

“وبما ان الدستور هو الناظم لكل المؤسسات فهو لكل افراد المجتمع بغض النظر عن قوميتهم وعقيدتهم ، ضمن مجال حيوي له حدود يسمى الوطن ”  وهو العامل المؤثر في تحويل المبادئ والمثل الى تشريعات الزامية للمؤسسات تضمن استمراريتها وتطبيقيتها بغض النظر عن الاشخاص  اي بمعنى اخر ان دستور الدولة العربية الاسلامية هو الضابط في مسألة تحويل القيم التي يقوم عليها جوهر الاسلام مثل الحرية والعدالة والشورى الى منهج مؤسسي يفرض على الاشخاص توجهاتهم العملية داخل تلك المؤسسة

وهذا يعني ان اي دستور للدولة العربية الاسلامية يجب ان يحتوي حسب الاسلام على جملة بنود ومفاهيم تكفل تطبيق العدل للجميع وتتلخص بعض تلك المبادئ في :

1- صيانة حرية تشكيل الاحزاب السياسية في الدولة ولا لزوم لموافقة اي سلطة لتشكيل حزب سياسي واذا كان للسلطة اي اعتراض فلتلجأ هي للقضاء .

2- صيانة حرية التعبير عن الرأي في الاجتماعات والتظاهرات السلمية والندوات والصحافة والتليفزيون وجميع الوسائل التي توصلت اليها تكنولوجيا المعلوماتية .

3- العبادات بجميع انواعها لا تدخل البتة ضمن برامج الاحزاب السياسية فالعبادات ليست موقفا اقتصاديا او سياسيا . ولا علاقة لها بتناقضات المجتمع الداخلية او بعلاقاته بغيره من المجتمعات .

4- تكفل الدولة للناس حرية ممارسة العبادات .

5- بما ان الدولة تمثل الشعب والشعب يمكن ان يضم داخله امما او قوميات فكل المواطنين في الدولة افراد بالتساوي لهذا الشعب بغض النظر عن الامة أو القومية التي ينتمون اليها .

6- يحق لكل القوميات الصغيرة تنمية ثقلفتها ونشر لغتها وآدابها بكل حرية .

7- الاداة العسكرية تتبع الارادة السياسية وتخضع لها تماما.

والدولة الاسلامية في ذلك دولة علمانية لان “الدولة العلمانية هي الدولة التي لا تأخذ شرعيتها من رجال الدين وانما تأخذ شرعيتها من الناس . لذا فهي دولة مدنية غير مذهبية وغير طائفية . وبما ان اهل الحل والعقد في الاسلام هم نواب الشعب المنتخبين بالاقتراع الحر والدولة العلمانية هي الدولة التي تتعدد فيها الاراء وتصان فيها حرية الرأي والرأي الاخر .

والاسلام كدين لا يمكن فصله عن الدولة لانه يحتوي على مركبات الحق والتشريع والاخلاق والجمال . فاسلامية الدولة  تتحقق في عدم تجاوز تشريعاتها حدود الله وفي تبني الحقيقة والبحث بالعلم والعقل في بنيتها وباعتماد الوصايا في منهاجها التربوي . اما العبادات فتتبع التقوى الفردية وهي اصلا مفصولة عن الدولة ولا يوجد فيها جانب التطور. وبما ان الدولة تخضع للتطور دائما فمن الطبيعي ان تفصل العبادات عن الدولة وبهذا نرى الدولة الاسلامية دولة علمانية بحتة . وتقوم الدولة العلمانية على الاسس التالية:

-لا اكراه في الدين .

-الكفر بالطاغوت ( رفض الطغيان )

-وأمرهم شورى بينهم .

-القانون الاخلاقي العام .

-حدود الله التي تتناسب مع فطرة الانسان

-منهج البحث العلمي وتقديم البينات المادية كأساس للتشريع والاختلاف .”

واذاكانت تلك القواعد تحكم سلوك الدولة في تطبيق الديموقراطية، فان الاسلام قد وضع بالمثل قواعدا تحكم سلوك المجتمع حتى نصل الى توازن في القوى داخل الوطن وتتمثل تلك القواعد في ان” المجتمع الاسلامي:

– يقر بأعراف وتقاليد وعادات كل شعوب الارض ، مالم تتجاوز حدود الله .

– يؤمن بأن الحرية والكرامة الانسانية هبة الله الى الناس للذكور والاناث على حد سواء .

-التشريع الاسلامي فيما يتعلق بالاحوال الشخصية تشريع مدني انساني ضمن حدود الله يتبع درجة التطور التاريخي للمجتمع وتقديم البينات .”

والمجتمع الاسلامي مجتمع ايجابي يشارك في صنع القرار في بلاده وفي دفعها دائما الى الامام ولكن وكلما اتسعت رقعة الدولة وتنوعت القوميات التي تعيش على ارضها كانت الحاجة اشد لتنظيم نوع المشاركة الواجبة على كل تلك القوميات .فالديموقراطية الحقة لا تستثني رأيا وتعبر عن نوع المشاركة الشعبية فيما يسمى بالاحزاب.  

“والحزب بالمفهوم المعاصر تعبير عن وعي جماعي من خلال مؤسسة جماعية منظمة وعلنية لها موقف من قضايا المجتمع المعاصرة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ولها برنامج عمل لتطوير الدولة والمجتمع وحل القضايا الاساسية التي تفرزها التناقضات اليومية للمجتمع داخليا , وخارجيا . فالحزب له نظرة في حل المشاكل الداخلية والخارجية وفي قيادة الدولة والمجتمع من خلال الرأي . لذا فهو اطار مادي للتعبير عن الافكار المشتركة لمجموعة من الناس .علينا ان ندخل ضمن قناعاتنا وجود التعددية الحزبية المتكافئة في تعبيرها عن ارائها حتى نستطيع اقامة حكم شورى بالمفهوم المعاصر.”

واذا كان السماح بحرية تشكيل الاحزاب وتطبيق الديموقراطية كمبدأ  ينظم الخلاف بين الاحزاب وبعضها وبين الاحزاب والدولة فان المشاركة الايجابية في تلك الاحزاب هي من ادوار المجتمع.  وجعلها تمثل بشكل فعلي جميع القوميات والامم المكونة للمجتمع على اختلافها وتنوعها بدون اقصاء لاي جماعة لاسباب قائمة على العدد أو العرق او اللغة او الدين .

 و”لابد للدولة العربية الاسلامية فيما يتعلق بالوجود من ان تؤمن بأن هذا الكون الذي نعيش فيه وجود مادي حقيقي مبنى على ثنائية التناقضات وعلى الازواج والاضداد وعلى تغير الصيرورة ( التطور ) في الاشياء والمجتمعات وعلى ان التناقضات الداخلية في المجتمعات تؤدي بالضرورة الى تغير الشكل ، والى ظهور شكل جديد في المجتمع والعلاقات الاجتماعية وبنية الدولة . لذا فإن هذه الدولة دولة متطورة مبنية على البينات المادية التي يقدمها العلم الموضوعي والعقل . وهي لا يمكن ان تزول ، بل تتطور من شكل الى اخر ، مادام هذا الكون قائما حتى قيام الساعة وهلاك الكون .والانسان يتدخل في تغير الصيرورة اسراعا وابطاء، لكنه لا يستطيع ان يلغيها . لذا فإن البحث العلمي وربط العلم بالحياة ودفع عجلة  التطور الى الامام  هي احد المبررات الرئيسية لوجود هذه الدولة .

لقد وضع لنا ديننا الخطوط العريضة التي ترسم لنا الطريق الذي نحتاج ان نسلكه لنثبت حقيقة اننا خير امة اخرجت للناس . وعلينا الا نوفر جهدا في سبيل تحويل تلك الخطوط العريضة الى خطوات فعلية وحقيقة ملموسة في مجتمعاتنا العربية . والهدف اصعب واعلى بكثير من ان يستثني احدا خارج دائرة الفعل . بل اننا في حاجة الى حشد كل طاقاتنا في شتى مجالات الحياة لنعيد سويا رؤية حاضرنا ومستقبلنا بعقول اكثر استعدادا لتقبل حقيقة الاسلام . وايمانا قويا بانه( ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم) انما هو القانون الذي يؤكد لنا ان التغيير لابد ان يبدأ من انفسنا وبأننا نملك بايماننا  وتأييد الله تحويل اقوالنا الى افعال واحلامنا الى واقع.

قراءة: شيماء شاهين

المصدر

TOP