الدولرة “Dollarization” الأسباب والنتائج

عنوان الكتاب الدولرة
المؤلف د. بشــار احمـد العراقـي
الناشر المركز الديمقراطى العربى
البلد ألمانيا
تاريخ النشر 2018

أشتري الكتاب حمل الكتاب

الوصف

يعد فقدان الثقة بالعملة المحلية وفشلها في الأداء الكفوء والفاعل لوظائف النقود وهي الصفة السائدة في البلدان النامية وبلدان الأسواق الناشئة الحافز الأساسي الذي يدفع بالوحدات الاقتصادية إلى البحث عن بدائل من العملات الأجنبية القادرة على أداء هذه المهمة بشكل أكثر كفاءة وفاعلية , الأمر الذي ينعكس بنشوء ظاهرة الدولرة الجزئية التي باستمرارها وارتفاع معدلاتها ستدفع ببعض الحكومات , وفي ظل عدم القدرة على معالجة الوضع الاقتصادي القائم وأملها في الوصول إلى توازنات اقتصادية أفضل , اضطرارا إلى تبني احد العملات الأجنبية لتكون بديلا قانونيا عن العملة المحلية والدخول في احد أكثر ترتيبات الصرف الثابتة تطرفا والمعروف بالدولة (الدولرة الكاملة) .

لقد هدفت الدراسة إلى إلقاء نظرة بانورامية شاملة إلى ظاهرة الدولرة من خلال استعراض مفاهيمها المتباينة بتباين متضمناتها ومدلولاتها ومن ثم تحديد المقاييس الكمية المستندة إلى السياقات النقدية والقادرة على تمثيل هذه المتضمنات بصورة أكثر قرب من الدقة والكفاءة , فضلا عن الوقوف على أهم مسببات انتشارها وارتفاع معدلاتها وتقديم الأطر النظرية القادرة على أعطاء التفسيرات التحليلية المقبولة لإلية وقنوات تأثير المتغيرات الاقتصادية والسياسية والمؤسساتية التي تعكس تلك المسببات , وأخيرا من خلال تحديد وتشخيص المنافع التي يمكن الحصول عليها والتكاليف التي يمكن أن تتحملها البلدان المتبنية للدولرة بأنواعها .

وفي سعيها إلى تحقيق الهدف المحدد لها خلصت الدراسة إلى أن المتغيرات الاقتصادية والمتمثلة بالتاريخ الطويل لمعدلات التضخم المرتفعة وتقلباتها فضلا عن التذبذب الشديد في أسعار صرف العملات المحلية واتجاهها المستمر نحو الانخفاض المفاجئ والحاد يعدان من أهم العوامل المحفزة للوحدات الاقتصادية للاتجاه نحو العملة الأجنبية كبديل عن العملة المحلية للقيام بجزء أو كل وظائف النقود ومن ثم التهيئة لظهور وانتشار ظاهرة الدولرة .

كما توصلت الدراسة إلى قدرة الاقتصاديات المدولرة على التمتع ببعض المزايا التي يعد إزالة خطر الانخفاض المفاجئ والحاد في أسعار الصرف المحلية أهمها , في مقابل بعض الخسائر والتي يتمثل أهمها بفقدان عوائد الإصدار النقدي والتخلي عن استقلالية السياسة النقدية , وبذلك تبقى مسألة الاعتماد على تحليل الكلفة / العائد وبالتالي المقارنة بينهما الأسلوب الأكثر ملائمة لتوفير بعض الإرشاد العام في القبول أو عدم القبول بهذه الظاهرة .

المقدمة :

شكل غياب الاستقرار وانعدام توازن الاقتصاد الكلي (Macroeconomic Instability) وما صاحبه من ارتفاعات مفرطة في معدلات التضخم وتذبذب كبير لقيم العملات المحلية واتجاهاتها المستمرة نحو الانخفاض وما سببه ذلك من تدهور مستويات الثقة بالعملة المحلية وتدني درجة مصداقية السياسة النقدية في البلدان النامية وبلدان الأسواق الناشئة , حوافز مهمة دفعت بالعملات الأجنبية إلى التوسع في امتداداتها ووظائفها لتنتقل من نطاقاتها الدولية إلى المديات المحلية لتلك البلدان المحلية ولتقوم بتسوية المعاملات النقدية المحلية وتأدية الوظائف الأساسية للنقود , مبتدئة بخزن القيمة وأداء المدفوعات الآجلة لتصل وبعد استمرار الظروف غير المتوازنة وانعدام الثقة في الاقتصاد القومي إلى  قيامها بوظيفة النقود كواسطة للتداول , مستحوثة بذلك على جميع وظائف النقود وبضمنها مقياس للقيمة .

فتبني الوحدات الاقتصادية في البلدان النامية وبلدان الأسواق الناشئة العملات الأجنبية لأداء وظائف النقود في حقيقته ما هو إلا انعكاس لفقدان الثقة بالعملة المحلية الناتج عن فشلها وعدم قدرتها في أداء وظائفها بكفاءة وفاعلية , وبالتالي فهي استجابة عقلانية رشيدة من قبل تلك الوحدات الباحثة عن سبل المحافظة على موجوداتها المالية والحقيقية في مواجهة الحالات السلبية الناتجة عن فقدان الثقة هذه , وما تحدثه من مستويات عالية من مخاطر الاحتفاظ بالعملة المحلية , دعمها في ذلك التحرر المالي الذي فتح الأسواق المالية لتدفقات هائلة لرؤوس الأموال الأجنبية هيئت الفرصة لتوفير أدوات مالية بعملات أجنبية كبدائل عن العملات المحلية لأغراض تقليل المخاطر وحفظ القيم الحقيقية لثرواتهم , الأمر الذي خلق ما يعرف بالدولرة الجزئية الذي بارتفاع مستوياتها وفقدان قدرة الدولة على معالجة الوضع الاقتصادي القائم ورغبتها بإعادة هيكلته باتجاه الإصلاح قد تلجا وفي محاولة منها لمواجهة الصدمات غير المرغوبة ومعالجة حالات عدم التوازن في اقتصادها الكلي وتجنب كلف ومخاطر الإبقاء على العملة المحلية أو بأدوات مقيمة بالعملة المحلية , إلى استبدال عملتها المحلية بإحدى العملات الأجنبية والدخول في احد ترتيبات الصرف الثابتة وأكثرها تطرفا والتي تعرف بالدولرة الكاملة .

وعليه فان استخدام العملات الأجنبية محليا والتوسع باتجاه الانتقال من تأدية وظيفة إلى أخرى من وظائف النقود والمرتبط أساسا بالأغراض المرجوة من هذا الاستخدام وما يراد من العملة الأجنبية أن تؤديه من وظائف النقود , يعد مؤشرا مهما يعكس طبيعة وهيكلية المشاكل التي يعاني منها النظام النقدي المحلية ومن وراءه الأداء الاقتصادي الكلي .

لقد نالت ظاهرة الدولرة سواء بصيغتها الكاملة أو الجزئية كونها حالة غير طبيعية غريبة على الاقتصادات السوية تنشا عن اختلالات غير مرغوبة في التوازنات الاقتصادية , اهتماما واسعا في الأدبيات الاقتصادية خلال العقدين السابع والثامن من القرن الماضي , إلا أنها وبسبب اتساع رقعتها وارتفاع معدلاتها ومستوياتها في البلدان النامية وبلدان الأسواق الناشئة ومنذ بدايات القرن الحالي وما يسببه ذلك من انعكاسات قد تكون ايجابية في متغيرات معينة وسلبية في متغيرات أخرى , فقد أعيدت إلى واجهة الاهتمام مرة أخرى وأصبحت عنوانا متميزا للكثير من الدراسات الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة .

وفي ضوء ما تقدم فقد سعت الدراسة إلى إلقاء نظرة بانورامية شاملة على ظاهرة الدولرة بأنواعها وتفرعاتها المتعددة والوقوف على أهم مسببات انتشارها وارتفاع درجاتها وعرض أهم الأطر النظرية التي حددت المتغيرات الاقتصادية والسياسية والمؤسساتية المؤثرة فيها فضلا عن تفسير وتحليل آلية وقنوات التأثير الذي يمكن أن تمارسها هذه المتغيرات فيها , فضلا عن تحديد وتشخيص أهم المنافع التي يمكن الحصول عليها والتكاليف التي يمكن أن تتحملها الدولة بتبنيها الدولرة .

وللوصول إلى هدف البحث فقد قسمت الدراسة إلى ثلاثة أجزاء رئيسية وخاتمة , تناول الجزء الأول مفاهيم ومقاييس الدولرة , والغرض منه إعطاء صورة واضحة ودقيقة لمدلولات الدولرة المتباينة في ظل تنوع التفسيرات ووجهات النظر وكذلك إعطاء قيم كمية لكل من هذه المدلولات بحيث تكون قابلة للمقارنة وإجراء الدراسات التجريبية الخاصة بها, ووفق الأطر والسياقات النقدية . في حين يقدم الجزء الثاني أسباب الدولرة , والذي تحاول من خلاله تحليل وتفسير أهم العوامل المحفزة لبروز ظاهرة الدولرة وانتشارها في البلدان النامية وبلدان التحول الاقتصادي سواء ما متعلق منها بالاقتصاد الكلي والنظام المالي أو ما متعلق بالجانب المؤسساتي . أما الجزء الثالث من الدراسة فيتطرق إلى نتائج الدولرة , ويتم من خلاله تشخيص  المنافع والتكاليف التي يمكن أن تنعكس على البلدان المطبقة لها . في حين تناول الجزء الرابع والأخير الخاتمة , عرض فيها خلاصة الدراسة فضلا عن الاستنتاجات .

TOP