الشفافية الغائبة: دوافع القصور الأمريكي في مواجهة التضليل المعلوماتي

عنوان الكتاب الشفافية الغائبة: دوافع القصور الأمريكي في مواجهة التضليل المعلوماتي
المؤلف ريتشارد ستنجل
الناشر Atlantic Monthly Press
البلد أمريكا
تاريخ النشر 2019
عدد الصفحات 368 

أشتري الكتاب حقوق الترجمة

الوصف

This post is also available in: English (الإنجليزية)

في عصر المعلومات والثورة الرقمية، أضحت المعلومة هي السلعة الأكثر رواجًا؛ إلا أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، حيث تم استغلال هذا الطلب المرتفع على تلك السلعة من جانب عدد كبير من الفاعلين على الساحة الدولية من الدول وغير الدول في شن حملات محكمة ومحددة الأهداف للتضليل المعلوماتي ونشر الأخبار الكاذبة. 

وعلى الرغم من أن ذلك ليس بالأمر الجديد، حيث يُعد التضليل المعلوماتي ونشر الأخبار الكاذبة ظاهرتين قديمتين ارتبطتا بنشأة وسائل الإعلام ذاتها؛ إلا أن التوسع في انتشارهما ارتبط بدرجة كبيرة بما أتاحته منصات التواصل الاجتماعي من مزايا جعلت من السهولة بمكان القيام بنشر أي محتوى ومشاركته بسرعة كبيرة وعلى نطاق واسع، وبتكلفة أقل كثيرًا بالتأكيد من شراء طيارات (F-35) على سبيل المثال. وهو ما أسهم في إرباك الحسابات السياسية للعديد من الدول، خاصة الديمقراطية منها، حيث إن تلك الحملات تستفيد بشكل كبير من درجة الانفتاح المجتمعي ومستوى الحريات المتاحة.

ومن واقع التجربة العملية، قدم “ريتشارد ستنجل” المحرر السابق في مجلة “التايم” الأمريكية لمدة سبع سنوات سابقة، والذي شغل منصب وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للدبلوماسية العامة والشئون العامة خلال الفترة (2013 – 2016)، نظرة نقدية تقيمية للجهود الأمريكية في مواجهة حروب التضليل المعلوماتي التي تشنها كل من روسيا وتنظيم “داعش” وكيانات أخرى، وذلك من خلال كتابه الصادر حديثًا في 8 أكتوبر 2019، بعنوان “حرب المعلومات: كيف خسرنا المعركة العالمية ضد التضليل المعلوماتي؟ وما الذي يمكننا فعله حيال ذلك؟”. 

يُعد “ستنجل” من أطول من شغلوا منصب وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للدبلوماسية العامة والشئون العامة المنصب من بين الـ13 وكيلًا السابقين، وذلك منذ استحداث المنصب في عام 1999. واستنادًا إلى خبرته يعرب الكاتب بشكل عام عن عدم رضاه عن المواجهة الأمريكية التي يرى أنها غير عادلة في ظل حرب تستغل المزايا التي تتيحها المبادئ الديمقراطية في العمل على زعزعة الثقة في تلك المبادئ والقيم ذاتها، ومن ثم إقناع الأمريكيين والعالم أجمع بأن الولايات المتحدة ما هي إلا مجرد وهم.

وتجدر الإشارة إلى أن الكتاب لا يعد الإصدار الأول للكاتب، حيث سبق له إصدار كتاب آخر في عام 2010، عن تجربة تعاونه مع الزعيم الإفريقي “نيلسون مانديلا” في كتابه حول مسيرته نحو الحرية، والذي حمل عنوان “طريقة مانديلا: دروس في الحياة والحب والشجاعة”.

ويمكن استعراض أهم ما جاء به الكتاب الذي ينقسم إلى مقدمة وسبعة فصول من خلال المحاور الرئيسية التالية:

ثقافة وآليات الخارجية الأمريكية

تمثل الأجزاء الأولى من الكتاب استعراضًا دقيقًا من جانب “ستنجل” لتفاصيل العمل اليومي داخل وزارة الخارجية، حيث استخدم الكاتب كافة أدواته الصحفية في تحليل ثقافة وآليات العمل داخل الوزارة، ولعل ذلك عُدّ مدخلًا مهمًّا لإحداث الربط بين تلك الثقافة والآليات ودورها في كفاءة مواجهة حملات التضليل المعلوماتي التي تتعرض لها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تكشف عن حجم الصعوبات التي واجهها في الانتقال من ثقافة العمل الورقي إلى كيفية إنشاء المحتوى عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وفي الإجمال تُعد تلك الأجزاء شديدة الأهمية للمقدمين على العمل حديثًا في رواق وزارة الخارجية. وتتمثل أهم ملامح تلك الثقافة التي استعرضها “ستنجل”، فيما يلي: 

أولًا- تعقد الهياكل الإدارية: ففي حين لم يكن يستدعي عمل “ستنجل” كمحرر في “التايم” سوى وجود مساعد واحد فقط في مكتبه، فإن عمله كوكيل لوزارة الخارجية تضمن وجود العديد من المساعدين من رئيس للقسم، ونائب لرئيس القسم، وكاتب للخطابات، ومسئول عن التواصل الاجتماعي، ومساعد عسكري، ومسئول اتصال بالكونجرس، ومستشار للتطرف، ومساعد آخر لجدولة المواعيد، وآخر للخدمات اللوجستية والسفر. علمًا بأن هذه القائمة لا تشمل رؤساء مختلف المكاتب والبرامج التابعة لنطاق عمله. الأمر الذي يضيف المزيد من التعقيد في التواصل مع كل هؤلاء.

ثانيًا- تعدد الاجتماعات: يصف “ستنجل” يوم العمل داخل الوزارة بكونه مليئًا بالاجتماعات المجدولة بانتظام، والتي يتم تسميتها وفقًا لتوقيت انعقادها. ويعد من أهمها اجتماع “الساعة 8:30″، وهو الاجتماع الصباحي الذي يتم عقده مع وزير الخارجية “جون كيري”. هذا بالإضافة إلى اجتماعات أخرى مثل 9:15 و4:30 وغيرها. كما أشار إلى أن ترتيب المقاعد في تلك الاجتماعات، يأتي وفقًا للأحرف الأولى المخصصة لكل إدارة.

ثالثًا- سيطرة البيروقراطية: يستدعي العمل أو الإقدام على أي مبادرة جديدة إحداث التواصل والحصول على موافقة العديد من الإدارات الأخرى، في ظل سيطرة الإجراءات البيروقراطية، وهو الأمر الذي يستهلك الكثير من الوقت، ولا يتوافق مع سرعة وتيرة الحرب التي تواجهها الولايات المتحدة من جانب أعدائها.

بعد استعراض “ستنجل” في الفصل الثاني لكيفية ترشيحه للعمل في وزارة الخارجية، فإنه انتقل بعد ذلك لمهام عمله الأساسية كوكيل وزارة الخارجية الأمريكية للدبلوماسية والشئون العامة. وذكر أنه كان على موعد مع روسيا بشكل خاص، حيث كان لقاؤه الأول بعد توليه المنصب مع المبعوث الروسي الخاص للتعاون الثقافي. وقد تمثلت مهمة “ستنجل” الأساسية في مواجهة حملات التضليل المعلوماتي الموجهة من قبل كل من روسيا وتنظيم “داعش”، وذلك في السنوات الأخيرة من إدارة الرئيس “باراك أوباما”، حيث أتقن كل منهما آليات شن حرب المعلومات واستخدامها كسلاح، مستغلة في ذلك سيادة حالة عامة من الشعور بالمظلومية تجاه الولايات المتحدة، وتصويرها على أنها المصدر الرئيسي للظلم في العالم.

وتتمثل المفارقة في أن الكاتب قد وجد في “ترامب” امتدادًا لنفس الوسائل التي اتبعها كل من “داعش” وروسيا في شن حملات التضليل. 

وقد استعرض الكاتب أن الانطلاقة الأولى لتلك الحملات جاءت في عام 2014، بعد ضم الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” شبه جزيرة القرم، حيث أعقبها تسونامي من حملات التضليل التي استهدفت الولايات المتحدة. وبشكل عام، تتبع الكاتب من خلال سرده للأحداث أهم مراحل وتشابكات صناعة التضليل المعلوماتي، والتي يمكن تلخيصها على النحو التالي:

أولًا- اختلاق الأكاذيب والسرديات: لا يشترط أن يبدأ التضليل بمعلومة حقيقية، وإنما يمكن أن يتم اختلاقها بالكامل، وهو النهج الذي تتبعه كل من روسيا و”داعش”، حيث يتم اختلاق الروايات المقنعة، وتكرار الأكاذيب مرارًا وتكرارًا، فلا حاجة لهم بالحقيقة وإنما خلق حالة دائمة من التشكيك. ومن أبرز الأمثلة التي طرحها الكاتب هي قصة فتاة من أصول روسية اسمها “ليزا”، والتي ادعت روسيا أنها تعرضت للاعتداء في ألمانيا من قبل المهاجرين السوريين. وسرعان ما كررت وسائل الإعلام الروسية القصة على نطاق واسع، حتى خرج وزير الخارجية الروسي وأكدها. مما أدى إلى مظاهرات في الشوارع وضجة سياسية كبيرة في برلين. إلا أنه بعد بضعة أيام، اكتشفت السلطات الألمانية أنه لم يكن هناك أي اغتصاب، وإنما الفتاة كانت قد هربت من والديها. وقد تكرر الأمر مع اختلاف السياق خلال الحملات الانتخابية الأمريكية في عام 2016، حيث زعمت ويكيليكس أن لديها بريدًا إلكترونيًّا، وهو أمر مختلق تمامًا، يتضمن امتعاض “جون بوديستا” مدير حملة “هيلاري كلينتون” من بعض تصرفاتها، وهو الأمر الذي قصد به إضعاف موقف “هيلاري”، وإظهار الخلل داخل حملتها. 

ثانيًا- الهجوم المضاد: من ضمن الأساليب التي تتبعها حملات التضليل هو الهجوم المضاد ضد أي تغريدات أو منشورات تعارض الاتجاه العام الذي تتبناه. حيث ذكر “ستنجل” أنه في إطار صياغة رد فعل أمريكي على ضم “بوتين” لشبه جزيرة القرم، وفي حين أدان الرئيس “أوباما” ووزير الخارجية “جون كيري” هذا العمل العدواني المتعمد، ودعا إلى فرض عقوبات على روسيا. فإن دوره تمثل في إطلاق التغريدات عبر تويتر، حيث جاءت التغريدة الأولى كالتالي: “يجب أن يكون المبدأ الأساسي المحرك للأحداث هو أن يحدد شعب أوكرانيا مستقبلهم (#Ukraine)”. إلا أنه وبعد دقائق قليلة، ولمدة أشهر كاملة بعدها، تشكلت هجمة شرسة من جانب مغردين روس لإطلاق مئات من التعليقات والتغريدات المضادة، والتي قامت باتهامه بالدعاية الفاشية، والنفاق بل والتضليل. 

المصدر: المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة

This post is also available in: English (الإنجليزية)

TOP