الوصف
بدأ المؤلف كتابه بمدخل إلى دراسة الظاهرة القرآنية :
بين فيه المؤلف رحمه الله أن الكتاب قد أعيد تأليف أصوله التي أحرقت لظروف خاصة.
ومع قناعته بأنه لا يكفي لعلاج فكرته الأولى عن المشكلة القرآنية، لعدم توفر الوقت الكافي، والمراجع المهمة التي استعان بها في تأليفه الأول، إلا أن شعوره بقيمة الفكرة التي ساقته إلى هذه الدراسة، وإيمانه بضرورة بذل ما يستطيع في سبيل تحقيقها، جعلته يبادر إلى جمع العناصر التي بقيت من الأصل مكتوبة في قصاصات، مع استدعاء ما تبقى في ذاكرته من أفكار، لينقذ بها ما تبقى من جوهر الموضوع.
وجوهر الموضوع هو تحقيق منهج تحليلي في دراسة الظاهرة القرآن الكريم.
والهدف الذي يسعى لتحقيقه من هذه الدراسة:
1/التأمل الناضج لهذا الدين.
2/اقتراح إصلاح مناسب للمنهج القديم في تفسير القرآن الكريم.
أما الأسباب التي دعته إلى هذه الدراسة:
1/ الأسباب التاريخية:
ويعني بها ما يمر به العالم الإسلامي من مرحلة خطيرة، تتمثل في تلقيه لأفكاره وثقافته عن الثقافة الغربية، بل وصل الأمر إلى تلقي عناصر ثقافة تتصل بمعتقداته الدينية،
وأكبر دليل على ذلك تأثير دراسات المستشرقين على الفكر الديني لدى الشباب الجامعي، مع عدم إدراكهم للهوى السياسي والديني لأولئك. وأصدق مثال لذلك: الفرض الذي وضعه المستشرق البريطاني مرجليوث عن الشعر الجاهلي ونشره عام 1925م ثم تلقفه طه حسين عام 1926م ونشره في كتابه المشهور “في الشعر الجاهلي” في تبعية مقيتة أثارت ضجة كبيرة حول أهدافها وغاياتها .
2/الأسباب العائدة إلى المنهج المتبع في هذه الرسالة:
فالقرآن نزل على العرب، وكانت هويتهم في لغتهم، وقد استطاع بقوة إعجازه أن ينفذ إلى الأرواح من هذا السبيل، لما لهم من ذوق بياني رفيع، ثم تغيرت الظروف، وفاض طوفان العلوم في أواخر العهد الأموي ثم العباسي، فصار إدراك جانب الإعجاز عن طريق التذوق العلمي أكثر من أن يكون عن طريق التذوق الفطري، ومع ذلك بقي له أثره ومفعوله.
ثم جاءت العصور المتأخرة وتأخر معها ركب المسلمين العلمي، حتى أصبحوا لا يدركون إعجاز القرآن من الناحية العلمية، خصوصا أولئك الذين تثقفوا ثقافة أجنبية فكان لابد من إيجاد موضع جديد يصل من خلاله إعجازه إلى الناس اليوم.
ويرى مالك بن نبي أن مفتاح حل هذه المعضلة يكمن في قول الله تعالى “قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن اتبع إلا مايوحى إلي “لما تحمله من إشارة خفية إلى أن تكرار الشيء في ظروف معينة يدل على صحته. مما يدعم حقيقة وصفه بالظاهرة التي عرّفها مالك بأنها: “الحدث الذي يتكرر في الظروف نفسها، مع النتائج نفسها” كما تحمل الآية في مدلولها ربطا واضحا بين الرسل والرسالات خلال العصور.
والنتيجة التي يخلص إليها مالك بن نبي من هذا كله أنه يجب أن يكون إعجاز القرآن صفة ملازمة له عبر العصور، مما يضطر المسلم اليوم إلى أن يتناولها في صورة أخرى وبوسائل جديدة تتناسب مع قدراته.
والصورة التي تناسبه اليوم هي: أن يتناول الآية من جهة تركيبها النفسي والموضوعي أكثر مما يتناولها من ناحية بنائها اللفظي وأسلوبها البلاغي.
ثم تكلم مالك بن نبي عن الظاهرة الدينية، وسلك فيها بل وفي الكتاب كله المنهج الديكارتي، الذي يتبنى العقل فقط لتقييم الأشياء .
وقدم من خلال هذا الفصل دراسة تقوم على الموازنة بين مذهبين فلسفيين:
أحدهما مادي والثاني غيبي.
وعقيدتين مختلفين تماما: عقيدة تؤله المادة وأخرى ترجع كل شيء إلى الله تعالى. انتهى فيه وببراعة متناهية إلى إثبات فساد المنهج الأول واختلاله واضطرابه، وصلاحية المنهج الثاني وسموه.
وهو من خلال هذا الطرح يريد أن يصل باللاديني الملحد؛ إلى إثبات وجود الله تعالى، وأنه الإله الواحد الذي خلق الكون، وجعل له ما يصلحه في دينه ودنياه وآخرته. ومن ثم إثبات أن القرآن الكريم هو كلامه، وهو مصدر الهداية لهذه البشرية .
ثم تكلم في الفصل الذي يليه عن الحركة النبوية، ويريد من ذلك إثبات سلامة نقل هذه المعجزة، ووصولها إلينا على يد أمين صادق، ومن خلال واسطة أدت ما أمرت به على شكل كامل. وقد طرح مالك بن نبي في هذا الفصل مبدأ النبوة، ثم فرق بين حاملها وبين أدعياءها، وجلى حقيقة النبي و صورة الكاهن.
ثم تناول المؤلف النبي أرمياء، باعتباره أنصع مثال يمكن استخلاصه من الحركة النبوية الإسرائيلية، وللضمانات التاريخية التي تخول كتابه وتاريخه الشخصي قيمة الحقيقة الموضوعية. ومن خلاله تحدث الكاتب عن الظاهرة النفسية عنده، وما تميز به من صفات حددت بطريقة موضوعية؛ مبدأ النبوة. ليخرج بالحقيقة التالية:”وهي وضع الظاهرة خارج الذات ومستقلة عنها استقلال المغناطيس عن الإبرة”.
ثم جاء الفصل الذي يليه وفيه تكلم عن أصول الإسلام ، فبحث المصادر وخرج من خلالها بأن الإسلام هو الوحيد من بين الأديان الذي ثبتت مصادره منذ البداية، ثم بقي كتابه أربعة عشر قرنا دون أن يتعرض لأدنى تحريف أو تبديل، بخلاف العهد القديم “التوراة” والعهد الجديد”الإنجيل”.
ثم تطرق المؤلف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لايمكن الاستغناء في دراسة الظاهرة القرآنية عن معرفة الذات المحمدية بصفته الشاهد. الذي لابد من ضمانات تكفل لنا الثقة الضرورية لشهادته. وقد بدأ خطوة خطوة ليخرج بنتيجة دقيقة، تبين الأرتباط العميق بين الظاهرة والشاهد منذ أن ولد إلى أن بعث وأوحي إليه، وبُعده عن أي مؤثرات أو ارتباطات بأمم أخرى.
للمزيد من الكتب.. زوروا منصة الكتب العالمية