العبودية مقابل الأمن.. تكنولوجيات السيطرة على البشر

عنوان الكتاب العبودية مقابل الامن تكنولوجيات السيطرة على البشر
المؤلف ندى فاضل الربيعي – عباس الزبيدي
الناشر دار الرافدين
البلد لبنان
تاريخ النشر 2020
عدد الصفحات 212

أشتري الكتاب حقوق الترجمة

الوصف

لم يعد الافتراض القائل بأننا كبشر يمكننا التفكير في أي موضوع من اختيارنا، وفي الوقت الذي نريد ما دمنا نخفيه في عقولنا، افتراضا دقيقا، “إذ تتيح الأجهزة العصبية المتطورة، مثل التصوير العصبي المتطور وواجهات الكمبيوترالدماغية (BCI)، تسجيل الارتباطات العصبية للعمليات العقلية وفك تشفيرها وتعديلها والإضافة الشاملة أو الجزئية عليها. كما أن الجمع بين تقنية التصوير العصبي والذكاء الاصطناعي أصبح يسمح بقراءة وربط الحالات الذهنية بما في ذلك النوايا الخفية والتجارب البصرية أو حتى الأحلام بدرجة متزايدة من الدقة”.

إنه تطور كبير في مجال البحوث العلمية والطبية، لكنه يشكل تحديا أخلاقيا وقانونيا واجتماعيا، ويطرح تساؤلا جوهريا حول معنى الخصوصية والحرية. هذا هو المحور الذي تدور حوله موضوعات الكتاب المشترك لندى الربيعي وعباس الزبيدي “العبودية مقابل الأمن” حيث يعتبر أنه بمثابة “نداء” للتحذير من عصر جديد من المراقبة وفك الشفرات للوعي البشري وتحليل قدراته وتدعيمها واختراقها، عصر تنتفي فيه الحرية الشخصية أمام ما يسمى بالمصلحة العامة، تقوم فيه الشركات الأمنية، بالنيابة عن الدول، بتسجيل وإحصاء أنفاس وتحركات الأفراد بذريعة توفير الحماية والأمن للمجتمع والأفراد. بحسب ما يقولان.

تدجين المواطن

“إن فهمنا لوجود تحالفات من نوع تحالف العيون الخمس، يساعدنا في فهم ما نحن بانتظاره في هذا القرن”. تحالف تأسس في العام 1941 بين بريطانيا وكندا والولايات المتحدة وأستراليا ونيوزلندا، ولم تعرف أهدافه إلا بعد أن كشفت عنها الوثائق التي سربها إدوارد سنودن في العام 2012. تتلخص هذه الأهداف بنشاط واحد هو التنصت الإلكتروني على الدول والأفراد. الوثائق التي نشرها سنودن تشير إلى أن “التقنيات الأساسية التي تم العمل عليها من قبل “العيون الخمس” كانت تهدف للسيطرة على الاتصالات بين الهواتف ومتاجر التطبيقات من أجل زرع برمجيات خفية في الهواتف المستهدفة، تفيد في أعمال التجسس عن بعد، وجمع المعلومات دون معرفة أصحاب تلك الأجهزة، وإيجاد طريقة للسيطرة الكاملة على خوادم متاجر التطبيقات (جوجل بلاي الذي كان وقتها يسمى أندرويد ماركت ـ ومتجر سامسونج)، بحيث يمكن مستقبلا توجيه معلومات مغلوطة لا تحمل أي شبهات لبعض هذه الهواتف”. والاهتمام بتطوير هذه التقنيات جاء، بحسب الوثائق، بعد انتشار ثورات الربيع العربي، ولرغبة التحالف في الحصول على معلومات للتنبؤ بظهور ثورات مماثلة في دول أخرى.

أمر مفروغ منه أن التطورات التكنولوجية الحديثة زادت من قدرة الأشخاص والدول على اعتراض وجمع وتخزين المعلومات، وهو واقع تحدث فيه انتهاكات واضحة لحقوق الإنسان الأساسية، الواردة في الإعلان العالمي لهذه الحقوق، وخصوصا الحق في الخصوصية، وهي ترقى لأن تكون جرائم كبرى سيما عندما ترتبط بتقديم هذه البيانات الشخصية لأنظمة قمعية ، أو أجهزة استخبارات، حيث تستخدم في الملاحقة غير القانونية، والابتزاز، ومحاولات إسكات الأصوات المناهضة لتلك الأنظمة.

في الصين قامت الدولة بوضع نظام نقاط غريب يقوم على معاقبة المواطنين، ممن يرتكبون مخالفات مرورية، من حقهم في الحصول على الخدمات العامة. فعلت ذلك بتثبيت كاميرات في الشوارع تلتقط صورهم، وتنشرها على شاشات في الشوارع مرفقة ببياناتهم الشخصية وطبيعة المخالفة التي ارتكبوها. النقاط التي “يخسرها” الشخص قد تمنعه من شراء تذكرة قطار، وأحيانا قد تحرم ابنه من دخول مدرسة حكومية جيدة!. إنه كما تقول راشيل بوتسمان، أحد أكبر المختصين بالأمن الرقمي،” سلاح جديد لتدجين المواطن، بحيث يصبح جزءا من اللعبة لا ضدها ومن خلال المتاهات المتشابكة من العقوبات والجوائز أيضا ستقوم الحكومة بالسيطرة الكاملة على مواطنيها داخل حدودها الإقليمية وربما إلى ما بعدها”.

لكن لماذا نتطوع نحن كأفراد بتزويد الشركات بمعلوماتنا التي قد تستخدم ضدنا؟!. في فضيحة شركة فيسبوك وعملية تجميع المعلومات للمستخدمين وبيعها لطرف ثالث هي شركة كامبريج أناليتيكا، التي استخدمتها في جهودها لتعزيز فوز دونالد ترامب بالرئاسة، لم تكن هناك ردة فعل قوية من قبل المستخدمين ضد هذا السلوك. لقد رضينا بالخدمات المغرية التي تقدمها لنا هذه الشركات سواء على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي أو الأدوات والأجهزة الرقمية التي نستخدمها في حياتنا اليومية( ساعات مراقبة الصحة واللياقة البدنية، الشاشات الذكية، أجهزة التكييف والثلاجات الذكية، المساعدات الصوتية والكاميرات الموجودة في السيارات)، قبلنا كل هذه الرفاهية دون اعتراض، ونطمع في المزيد أيضا، رغم علمنا بأنها تقتحم خصوصياتنا وتتلصص علينا، ويمكن عبر زرع فيروسات معينة تحويلها إلى أدوات لجمع المعلومات والبيانات الشخصية لنا.”إنه التلاعب الذكي بسيكولوجيا الدماغ البشري وفك ألغازه”.

ملاذ معتم

بعيدا عن الإنترنت العادي الذي تستخدمه الغالبية العظمى من الأشخاص، يبحث البعض عن ملاذ “آمن” في “الانترنت العميق” و”الإنترنت المظلم”، بعيدا عن محركات البحث المعروفة، وعن رقابة الحكومات. قد تكون أسباب هؤلاء سياسية وحقوقية نبيلة في مواجهة أنظمة قمعية، لكن هذا الملاذ أيضا هو مساحة مفتوحة لكل أنواع الأنشطة الإجرامية البشعة. وربما لن يطول الوقت كثيرا قبل أن تسيطر الحكومات على الويب العميق والمظلم وتتحكم في بواباته ومساراته الرقمية.

في عام 2019 اكتشف الباحث السيبراني فيني ترويا وجود معطيات خاصة عن أكثر من 1.2 مليار ملف شخصي على “النت المظلم”، من دون معرفة مصدرها. شملت هذه المعطيات بيانات عن حسابات التواصل الاجتماعية، و50 مليون رقم هاتف، و622 مليون عنوان بريد إلكتروني وكلها موجودة على خادم واحد فقط. واعتبر هذا التسريب “الكارثي” أكبر تسريب للبيانات الشخصية من مصدر واحد في التاريخ. لا يبدو “الملاذ الآمن” آمنا تماما إذن. إنه مساحة لخوض حروب الكترونية ومعارك تجسسية قد تقود إلى حروب “فيزيائية” تستخدم فيها أسلحة دمار شاملة، خصوصياتنا المنتهكة ستكون  في هذه الحال أقل خسائرها، لكنها إحدى أدواتها بالتأكيد.

“في عالم توجد فيه تسع دول تمتلك أسلحة نووية، وتسود الشكوك علاقاتها المتبادلة، تتفاقم الأخطاء البشرية عبر تهديدات الإنترنت المتعمدة (اختراق البيانات، أو اختراق الخصوصية لأحد العاملين في أنظمة الإطلاق) لأنظمة الإنذار والقيادة والسيطرة. ويمكن للقراصنة إدراج تحذير خاطىء من هجوم نووي في أنظمة الإنذار وينسب هذا الهجوم كذبا إلى بلد بريء… إن توسيع نطاق التهديدات التي قد تستخدم ضدها الأسلحة النووية لتشمل الهجمات الإلكترونية الاستراتيجية سيزيد بشكل كبير من مخاطر سوء التقدير.” وهو ما قامت به إدارة دونالد ترامب إذ تنص الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي على أن الترسانة النووية ضرورية الآن ليس فقط لمنع شن هجوم نووي ولكن أيضا” هجمات استراتيجية غير نووية، وعدوان تقليدي واسع النطاق”.

رأسمالية المراقبة

“يحذر الكثير من الفلاسفة والمفكرين من سطوة جديدة للقوى العالمية باستخدام بيانات مواطني الدول وتوقع سلوك هؤلاء المواطنين بالاعتماد على تلك البيانات المسروقةمنهم، ما يجعلنا في عصر جديد هو مزيج من الأوتوقراطية الاشتراكية والرأسمالية المحتكرة”. منذ بداية جائحة كورونا عمل مطورو التكنولوجيا على ايجاد طرق لتتبع انتشار الفيروس والحد منه. واستخدمت بعض الدول مثل الصين وكورياالجنوبية وسنغافورة، التطبيقات لهذا الغرض، وهو ما أثار انتقادات بشأن الخصوصية والاستخدام غير القانوني للبيانات.

وفي آذار (مارس) 2020 “تصدرت إسرائيل عناوين الصحف عندما أعلنت أنها ستبدأ في تعقب المواطنين المصابين واتصالاتهم باستخدام تكنولوجيا مراقبة الهاتف المخصصة تقليديا لعمليات مكافحة الإرهاب”.

ويبدو أن الكثير من الأشخاص مستعدون للتخلي عن حقوقهم المدنية وتحمل طرق المراقبة المتطفلة بسبب مناخ الخوف السائد من الفيروس. في ألمانيا، مثلا، طالب عدد كبير من المواطنين بفرض حظر تجول عندما وجدوا أن الكثير من الأشخاص يواصلون الاجتماع في الحدائق العامة!، في حين وصفت “مجموعة الخصوصية الدولية للدفاع عن الحقوق نشر قوانين الطوارىء، والتتبع الإلزامي وأدوات المراقبة الأخرى بأنها اعتداء صارخ على حريات الناس لم يسبق لها مثيل في نطاقها العالمي”. واعتبرت جماعات حقوق الإنسان أن مثل هذه التدابير أشبه ما تكون بحصان طروادة، وتطبيع للمراقبة المستقبلية، وتمهيد الطريق لاستخدامها بدوافع سياسية.

إن معرفة “الآخرين الكبار (المؤسسات الحكومية والقيادات الدولية) عن أنفسنا كبيرة للغاية، لكنها غير مستخدمة لصالحنا. يعرف كل شيء عنا بينما لا نعرف شيئا عن ذلك. عدم توازن القوى هذا غير قانوني، لأنه ليس لدينا بعد قوانين للسيطرة عليه، لكنه معاد للديمقراطية بشكل أساسي. تدعي رأسمالية المراقبة أن أساليبها هي عواقب حتمية للتكنولوجيا الرقمية، وهذا غير صحيح. من السهل تخيل المستقبل الرقمي دون رأسمالية المراقبة، لكن من المستحيل تخيّل الرأسمالية المراقبة دون التقنيات”.

المصدر: عربي 21

TOP