العنف في التراث الإسلامي

عنوان الكتاب العنف في التراث الإسلامي
المؤلف محمد مطر سالم الكعبي
الناشر  دار القلم
البلد دمشق
تاريخ النشر 2010
عدد الصفحات 124

أشتري الكتاب حقوق الترجمة

الوصف

العنف في التراث الإسلامي

هذا الكتاب مزعج للغاية، إن جاز وصف الكتب بذلك، فهو يوثق أحداث العنف التي شهدها التراث الإسلامي كما دونتها أقلام أعلام المؤرخين وعلى رأسهم ابن كثير في البداية والنهاية والدكتور حسن إبراهيم حسن في كتابه “تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي” والمستشرق الألماني بروكلمان في كتابه “تاريخ الشعوب الإسلامية” وغيرهم من كبار الكتاب والمورخين القدامى والمحدثين.
ورغم أن الكتاب صغير الحجم (٦٣ صفحة) فإن قراءته كفيلة بأن تصيبك بالغم وتشعرك بالاشمئزاز من كل هذه الدماء التي سفكت في تاريخنا باسم الدين وتحت رايته.
وقد قسم الكاتب مؤلفه إلى عدة مباحث تحدث فيها عن تعريف العنف وتتبع تاريخه في التراث البشري، ثم انتقل إلى رصده في التاريخ الإسلامي بدءً من القرن الهجري الأول وما حدث من قتل لعمر وعثمان وعلي والحسين والزبير وطلحة، مرورا بالعنف الذي استمرت في ممارسته الدولة الأموية مع مخالفيها ومعارضيها بعد أن استندت إلى فتاوى محاربة الخروج على الحاكم للبطش بهم، وانتهاءً بالدولة العباسية وما شهدته من أنهار من الدماء بحق الأمويين والبرامكة والزنوج وصلت إلى حد ارتكاب المذابح الجماعية التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال.
ولولا أن الكاتب – رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية في أبو ظبي – حرص على توثيق أعداد الضحايا وفق المصادر التاريخية المشهود لها بالحياد والدقة لما صدقنا ما نقرأ، فمن ذلك مثلا ما أورده عن:
قتل عمر
أورد جمهرة من المؤرخين منهم ابن جرير الطبري وابن الأثير وابن كثير وابن خلدون أن سبب مقتل عمر بن الخطاب على يد أبي لؤلوة المجوسي بخنجر مسموم وهو واقف يصلي في المحراب هو الانتقام منه حينما رأى “سبي” نهاوند إلى المدينة المنورة فجعل أبو لؤلوة لا يلقى منهم صغيرا إلا مسح رأسه وبكى وقال: أكل عمر كبدي.
قتل عثمان
إذ هوجم من وفود ثاِئرة قدمت من مصر والكوفة بعد أن حاصرت داره أربعين يوما منعوا عنه الماء وحجزوه عن الخروج لتأدية لصلاة، ثم هجموا عليه في داره ووجدوه والمصحف في حجره يتلو القرآن فطعنه رجل من أهل الكوفه، ثم هوت الضربات عليه حتى وضع كنانة بن بشر النجيبي طرف سيفه في بطنه فقتله وكان عمره ٨٢ عاما.
موقعة الجمل
التي كانت فيها السيدة عائشة وطلحة والزبير وبلغ عدد جيش علي ٢٠ ألفا فيما كان عدد جيش معاوية ٣٠ ألفا ودارت المعركة أواخر سنة ٣٦ هجرية وهُزم جيش معاوية وعُقر جمل عائشة وقُتل طلحة والزبير ثم قتل من الطرفين كما يقول ابن كثير ١٠ آلاف غير الجرحى.
موقعة صفين
وهي استمرار للخلاف السياسي بين علي ومعاوية وكان عدد جيش معاوية هذه المرة ٨٣ ألفا فيما بلغ عدد جيش علي ٩٠ ألفا، ودارت المعركة سنة ٣٧ للهجرة أي بعد عام من معركة الجمل، واستمرت المقتلة العظيمة التي راح ضحيتها ٤٥ ألف قتيل من طرف معاوية و ٢٥ ألفا من طرف علي قبل أن تتوقف الحرب بعد أن رُفعت المصاحف على الرماح طلبا لتحكيم كتاب الله فيما يحدث.
قتل الخوارج
وكان عددهم ١٢ ألفا وهم الذين رفضوا التحكيم وخرجو على علي ومنهم من كفره فناظرهم علي حتى رجع منهم ٨ آلاف ثم قاتل البقية حتى فرق شملهم، لكن القليل الذي عاش منهم عاد وبدأ حربا سرية، ولا تزال أفكارهم وأساليبهم مستمرة حتى اليوم.
اغتيال علي
اتفق الخوارج علي قتل علي في العراق ومعاوية في الشام وعمرو بن العاص في مصر بعد أن اعتبروهم رؤوس الفتنة، لكن فشلت عمليتي الشام ومصر ونجحت محاولة اغتيال علي في العراق إذ عاجله وهو خارج لصلاة الفجر شبيب بن الأشجعي بسيفه على رأسه لكن العمامة حالت دون أن تكون الضربة قاتلة فأعقبه ابن ملجم بضربة أخرى قوية فشجتها وسال الدم على وجهه، وبعد يومين مات متأثرا بجراحه عن عمر ناهز ٦٣ عاما.
وقعة الحرة
وسببها بحسب ابن كثير أن أهل المدينة خلعوا يزيد بن معاوية واجتمعوا على إخراج عامله فبعث إليهم جيشا قوامه ١٥ الفا سنة ٦٣ للهجرة فقتل خلق كثير ثم أباح قائد الجيش مسلم ابن عقبه -الذي سماه المؤرخون بعد ذلك مسرف بن عقبة- المدينة ثلاثة أيام قتلوا فيها من وجدوا من الرجال ونهبوا الأموال، وراح ضحيج هذه المجزرة عشرة آلاف من أهل المدينة منهم ٧٠٠ من ساداتها وأعيانها كما قال ابن كثير.
ضرب مكة بالمنجنيق وقتل الزبير
وكان الزبير قد تحصن فيها وألب أهلها على حكم بني أمية، فأرسلوا إليه جيشا بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي، فحاصرها خمسة أشهر ثم ضرب مكة بالمجنيق واستسلم له الآلاف بعد أن أمنهم، ثم تمكن من قتل الزبير بعد أن أجهزوا عليه بسيوفهم عقب سقوط إحدى قذائف المنجنيق على رأسه.
المذابح الجماعية للأمويين
وقع ذلك حينما تمكن العباسيون من دخول دمشق في رمضان سنة ١٣٢ هجرية واستباحوا المدينة بعد حصار لها دام أشهرا ثم قتلوا يوم استباحتها ٥٠ ألفا، وجعلوا مسجدها اسطبلا لدوابهم مدة سبعين يوما ونبشوا قبور بني أمية بحسب ابن كثير.
حركة النفس الزكية
حيث خرج محمد بن عبد الله بن حسن المشهور بالنفس الزكية على المنصور ثاني خلفاء بني العباس، فارسل إليه جيشا كبيرا شعر الناس حينما رأوه بالخوف فهربوا وانفضوا عن محمد فقتله جيش المنصور وحزَّوا رأسه وذهبوا بها إلى قائد الجيش.
نكبة البرامكة
وهم من بطش بهم هارون الرشيد لأسباب أغلبها لا تزال مجهولة وإن كان المؤرخون يرجعون بعضها إلى خوف الرشيد من مؤامراتهم ودسائسهم، فأرسل إليهم جيشا سنة ١٨٧ هجرية فقتل زعيمهم جعفر بن يحي البرمكي، ودمر ديارهم جميعا واندرست آثاراهم وذهب كما يقول ابن كثير صغارهم وكبارهم.
حركة الزنج
وهؤلاء قاموا بثورة إذ كانوا عبيدا جلبوا لزراعة الأرض حول البصرة وعوملوا بإهانة وكان عددهم ٣٠٠ ألف زنجي، واستطاع الجيش العباسي المنظم إفشال ثورتهم وأعمل فيهم القتل، لكنهم استمروا فيما يشبه حرب العصابات مدة ١٥ سنة يحاربون الدولة العباسية حتى تمكن أخيرا من القضاء المبرم عليهم فأفناهم.
هذا هو السرد المؤلم و“المزعج” الذي تحدثت عنه في المقدمة والذي خصص له الكتاب حيزا كبيرا من صفحاته ووثقها وفق عديد المصادر التي تحظى بمصداقية بعيدا عن كتابات المؤرخين الموالين للأمويين أو العباسيين، وبعيدا كذلك عن الكتابات الاستشراقية ذات المنحى العدائي.
بعدها قدم الكتاب تفسيرا لهذا العنف فيما بقي له من صفحات فأرجع بعضه إلى أسباب سياسية متعلقة بالصراع على السلطة والثروة، كما أرجع بعضه الآخر لأسباب دينية تعود إلى الخلاف بين ما بات يعرف حاليا بالسنة والشيعة، وتبرير فقهاء كل طرف قتل الطرف الآخر، وعدم حصر الخلاف المذهبي الناشب بينهما في نطاق المتخصصين وإنما خرجوا به إلى العامة فصبوا الزيت على النار، كما أرجع الكاتب بعض ما حدث من عنف إلى أسباب اجتماعية قبلية والرغبة في الهيمنة والزعامة.
واختتم المؤلف كتابه بالدعوة إلى العودة إلى نبع الإسلام الأبقى والأنقى ونبذ هذا التاريخ الدموي وراء ظهورنا وبناء حاضرنا ومستقبلنا وفق أسس الرحمة والتعايش والتسامح وقبول الآخر.
والحق أن ما ورد في هذا الكتاب قد قرأناه متفرقا من قبل لكن ربما هذه من المرات القليلة التي نتتبع فيها ضمن خيط ناظم العنف في تراثنا “الإسلامي” وهو ما يجعلنا نخرج بيقين أن السلامة تكمن في الفصل بين الديني والسياسي، فصلا لا يلغي أحدهما الآخر وإنما تحديدا للأدوار وضبطا للوظائف ورسما للحدود وتحريرا لنطاق الاشتباك حتى لا يختلط هذا بذاك فيُضعف بعضهما بعضا وتكون النتيجة تكرار هذه المجازر الوحشية التي رأيناها قديما ونعيشها راهنا ولا نريد لها أن تبقى معنا مستقبلا.

محمد عبد العاطي

العنف في التراث الإسلامي

للمزيد من الكتب.. زوروا منصة الكتب العالمية

TOP