الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
في 398 صفحة من الحجم الكبير، يروي الصحافي الجزائري فريد عليلات «القصة السرية» للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. والكتاب الصادر عن منشورات دار «روشيه» ليس الأول، ولن يكون الأخير، الذي يُكرّس للرئيس الجزائري المتنحي عن السلطة، العام الماضي، بعد أن حاول التربع على عرش الجزائر لولاية خامسة.
إلا أن ما يتميز به الكتاب أنه لا يكتفي بالتحليل والاعتبارات السياسية والاستراتيجية، بل يأتي بقصص صغيرة ولكنها مهمة، وأغلبها يُسرَد للمرة الأولى.
ومنها على سبيل المثال قصة هجرة والد عبد العزيز بوتفليقة من قريته الفقيرة غرب الجزائر إلى مدينة وجدة المغربية القريبة من الحدود المشتركة، وولادة الأخير فيها من زوجة والدته الثانية، يوم 2 مارس (آذار)، عام 1937. إضافة إلى ذلك، يسرد الكتاب معاناة الصبي من قصر قامته وضعف تكوينه، وصيت والده الذي أطلق عليه أبناء وجدة والجزائريون اللاجئون إليها لقب «المخبر». لكن عبد العزيز عوض عن ذلك كله بالتفوق في الدراسة وإتقان العربية والفرنسية، وتمكّنه من الكتابة.
وهذه الميزات دفعته إلى أن يقدم طلباً، وهو في الـ19 من عمره، للانضمام إلى الشرطة البلدية، في مدينة وجدة. لكن طلبه رُفِض بسبب «قصر قامته»، إذ كانت تنقصه ثلاثة سنتيمترات ليقبل في صفوفها، وذلك رغم «الوساطات» التي قام بها والده. لكن هذه السنتيمترات لم تمنع عبد العزيز من أن يصبح رئيساً للجزائر، وأن يقول يوماً: «لن أترك الرئاسة إلا للانتقال من القصر إلى القبر».
عندما اندلعت الثورة الجزائرية في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1954، لم يكن بوتفليقة من أوائل الملتحقين بها. فوالده الذي كان على صلة قوية بالسلطة المغربية وبفرنسا عارض ذلك بشدة. إلا أن الشاب الطموح قرر بعد سبعة أشهر أن يخطو هذه الخطوة، وأن يتقدم بطلب انتساب إلى مكتب التجنيد في وجدة، برفقة صديقه وأخيه بالرضاعة مصطفى بري.
وفي مكتب التطويع، سأله المسؤول: «هل أنت هنا من أجل غسل شرف والدك؟»، في إشارة إلى الاتهامات الموجهة لوالده بالتجسس على الجزائريين في وجدة. والنتيجة أنّ طلب الشاب عبد العزيز بالانتساب إلى «جيش التحرير الوطني» رُفِض. كذلك طلب صديقه. ولم يتغير وضع بوتفليقة إلا بعد تدخُّل شخصية مغربية نافذة لصالحه. وفي بداية عام 1957، ها هو عضو في «الجيش» في «الولاية الخامسة»، حيث اختار «عبد القادر» اسماً حركياً له.
وفي هذه المرحلة، تعرف الشاب «عبد القادر» على هواري بومدين الذي سيكون له بالغ الأثر في حياته وصعوده السياسي وسقوطه بعد موت الرئيس الأسبق، ورحيله إلى سويسرا. ففي سن الـ21، أصبح بوتفليقة، الذي رُقّي إلى رتبة ضابط، السكرتير الشخصي لبومدين، إلا أن هذه المرحلة من عمره لطختها مهمة أُسندت إليه للتحري عن عملية اغتصاب قام بها أحد القادة الميدانيين. وجاء تقرير بوتفليقة مكبلاً لذلك القائد الذي أُعدم داخل الجزائر برصاصة في الرأس، بعد «محاكمة ثورية» رأسها الكولونيل بومدين شخصياً.
يصعب استعادة جميع القصص التي يتضمنها الكتاب؛ فهي كثيرة. لكن أهميتها أنها تلقي الضوء على بعض ما عرفه بوتفليقة، الذي عاش حياة ممتلئة، مناضلاً ووزيراً أو رئيساً. ومن مناطق الظل في سيرته وفاة والده في الستين من عمره، في رحلة بالحافلة إلى داخل المغرب. يؤكد المؤلف أن بوتفليقة لم يتناول أبداً هذه الواقعة التي بقيت ظروفها سراً دفيناً.
طيلة سنوات الثورة، لم يفارق «عبد القادر» العقيد هواري بومدين. وبعد نجاحها، في عام 1963، عُيّن الأخير وزيراً للدفاع، في ظل رئاسة أحمد بن بيلا وبوتفليقة وزيراً للخارجية. إلا أن الصراع على السلطة دفع بومدين لتنظيم انقلاب أطاح ببن بيلا. وفي تلك الليلة، كان بوتفليقة إلى جانب «الرجل القوي» الذي أرسل أول رئيس للجمهورية الجزائرية إلى السجن مدى الحياة.
ويؤكد المؤلف أن بن بيلا كان في البداية مدافعاً عن وزير الخارجية الشاب الذي كانت تنصبّ عليه الانتقادات لصغر سنه ولأدائه ولـ«غيابه» المتكرر لأيام وأسابيع عن وظيفته. إلا أن نظرته إليه تغيرت، وبعد عام واحد على شغله وزارة الخارجية، سعى الرئيس إلى إبعاده. ونقل عن بن بيلا أنه قال يوماً إن بوتفليقة «لا يفعل إلا ما يدور في رأسه». وفي زيارة رسمية إلى موسكو، مايو (أيار) 1964، جادل بوتفليقة طويلاً لدى كتابة البيان الختامي، ما دفع المفاوض الروسي إلى الاتصال بـنيكيتا خروتشيف ليخبره بالعقبات التي يواجهها. فما كان من الأخير إلا أن أيقظ بن بيلا في الساعة الثانية بعد منتصف الليل، حتى يضغط على وزير خارجيته، ليرى البيان النور.
ويروي الكتاب أن بن بيلا منع بومدين من الدخول إلى اجتماع في القاهرة، على هامش القمة العربية، نظمه الرئيس عبد الناصر، للتقريب بين المغرب والجزائر، وبحضور الحسن الثاني وأنور السادات. وقال بن بيلا لبومدين: «هذه شقتي وليس لك أن تدخل إليها»، الأمر الذي يدل على الصراع على الصلاحيات وعلى العلاقات المتوترة بين قائدين رئيسيين للثورة الجزائرية.
المصدر: الشرق الأوسط
This post is also available in: English (الإنجليزية)