“الماجريات” ..لـ “ابراهيم السكرن”

عنوان الكتاب الماجريات
المؤلف إبراهيم بن عمر السكران
الناشر  دار الحضارة للنشر والتوزيع 
البلد الرياض
تاريخ النشر 2017
عدد الصفحات 344

أشتري الكتاب حمل الكتاب

الوصف

“الماجريات” ..لـ “ابراهيم السكرن”

 

أصدرت دار الحضارة للنشر والتوزيع كتابًا بعنوان “الماجريات” من تأليف الكاتب السعودي إبراهيم بن عمر السكران، والكتاب يقع في 344 صفحة من القطع المتوسط، ويحتوي على مدخل وانطلاقة وثلاثة فصول وخاتمة.

فكرة الكتاب:

“الماجريات” هي كلمة استعملها المؤرخون والأدباء في العصر الإسلامي الوسيط، كما نجدها عند ابن خلكان والسخاوي وغيرهم بمعنى الأخبار والحوادث، وآل بها الأمر إلى أن أصبحت تعني عند علماء السلوك: اشتغال المرء بالأخبار والأحداث التي لا نفع فيها. 

قال ابن القيم رحمه الله: “فإن بركة الرجل تعليمه للخير حيث حل، ونصحه لكل من اجتمع به… ومن خلا من هذا فقد خلا من البركة، ومحقت بركة لقائه، فإنه يضيع الوقت في الماجريات ويفسد القلب”.

فنجد أن علماء السلوك قد جعلوا الانشغال بالأخبار والحوادث العامة والخاصة التي لا نفع فيها من ضياع الأوقات وقلة البركة.

هذا ما يتعلق ببناء لفظة «الماجريات» ومعناها، أما الكتاب فهو يتحدث بشكل عام عن مسألة الانشغال بهذه الماجريات، أي الانشغال بتتبع الأخبار والحوادث والتعقيبات والتعليقات عليها، وعالجها المؤلف معالجة تأصيلية شرعية طبية نفسية، تمكن فيها باقتدار من سبر أغوارها وتتبع مسالكها، مستدعيًا الدلائل والشواهد المتنوعة، ليصل في خلاصة بحثه إلى أن الانشغال بالماجريات، سواء كانت اجتماعية أو شبكية أو سياسية، ينبغي أن يُضبط بعدد من الموازين ليكون – أعني الانشغال بالماجريات – نافعًا ومنتجًا وذا تأثير. وانفلات الموازين في هذه المسألة يفضي إلى أحد طرفين، إما الانهماك والإفراط المؤدي إلى ضياع الأوقات وقلة الإنتاج والسلبية والانتقال من موقع المؤثر إلى موقع المتفرج، وإما الانقطاع الكامل المؤدي إلى العزلة السلبية والانتقال من موقع المؤثر أيضًا، لكن إلى موقع الهارب من الواقع.

وكان المؤلف في كل منعطفات “الماجريات” يدعو إلى إعادة التوازن في الانشغال بالماجريات، فهو كما يحذر من الانهماك في الماجريات و”المتابعة المتفرجة” إلا أنه لم يدعُ أبدًا إلى الانقطاع الكامل عنها، كما نصّ مرارًا على هذا. يقول حفظه الله تعالى معقبًا على إحدى التجارب في الماجريات السياسية: والمبهج في كل هذه التجارب الأربع أن أصحابها أكدوا في صيغ متنوعة أن مقصودهم «التوازن» وليس قطع العلاقة المباشرة مع الواقع والشأن العام. ص223.

والمؤلف يعالج مسألة «الماجريات» في ظل طفرة انفتاحية على العالم بأحداثه وأخباره وأفكاره، وفي ظل توفر هذا الكم الهائل عبر القنوات الفضائية والأجهزة الذكية، التي لم يسلم من انفلات موازين ضبطها حتى طلبة العلم ومشايخه والدعاة والمصلحون! فهي مسألة ليست بالنادرة، وليست ترفًا علميًّا، بل هي شكوى مريرة باح بها علماء ودعاة ومصلحون، ومن هنا فإن قيمة الكتاب تتصاعد للحاجة إليه من هذه الشريحة بالذات قبل غيرها.

مراتع الماجريات:

في هذه الفقرة سأتناول بإيجاز تعريفًا لمباحث الكتاب وفصوله، فهو يتكون من مدخل مهم، وثلاثة فصول جواهر، وتعقيبات.

ثلاثة مداخل بديعة يمكنك الدخول منها لترتع في بساتين هذا السفر الخصيب:

المدخل الأول: يحكي واقعًا صادقًا لتأثير الانهماك في التواصل الشبكي على تعثر المشاريع والبرامج العلمية لشريحة مهمة من القراء وطلاب العلم، حيث تتبع تفاصيل الوقائع والتعليق عليها والمشاركة في نقاشاتها. 

ويذكر المؤلف أن الأمر أكبر مما كان يتصور وهو يفكر في هذه الإشكالية، حيث لم تعد الشكوى من هذه الإشكالية مقصورة على الشاب حديث العهد بطلب العلم والقراءة، بل باتت الشكوى من الخاصة من المشتغلين بالعلم والدعوة، وذكر نماذج واقعية صارخة.

المدخل الثاني: يوصّف إشكالية الانهماك السياسي الذي أصاب بعض الكوادر العلمية والإصلاحية وتأثيره عليهم،  حيث يصور حال مجموعات من الشباب الذين ربطت بينهم حبال العلم والدعوة، ثم آلت بهم متابعة الأخبار السياسية وتطوراتها إلى أن أصبحت هي جوهر نشاطهم اليومي كبديل عن العلم والدعوة، وبالتالي أصبحت المهام العلمية العميقة وكذلك الدعوية شاقة عليهم.

المدخل الثالث: يلفت النظر إلى مشكلتين: ضعف الهمة وتسيّد التفكير الأفقي، اللتين أورثهما الانهماك في متابعة الأخبار والمهاترات الفكرية خصوصًا عبر الهواتف الذكية، حيث الانفصال التدريجي عن التنفيذ والإنتاج وتبديد الزمن. فإذا تزامن هذا مع البعد عن المشروعات العملية المنتجة وأصحابها فإن انحلال الدافعية وهبوط العزيمة سيتم بشكل متسارع.

والمؤلف يرى أن معايشة تجارب المنجِزين في العلم والثقافة والإصلاح من الأدوية الناجعة لهذا الداء، ولذلك جاء الفصل الثالث في هذا الإطار، لكنه لا يكفي بل لا بد من معايشة لنماذج حية.

ثم خطّ المؤلف حدودًا موضوعية لمعالجة المسألة مبتدئًا بتحرير أساس الدراسة حيث وصف المشكلة بأنها: مغالاة وإفراط في أصل صحيح مطلوب. وهذا تحرير مهم لئلا يظن أحد أن الدراسة جاءت لتحض على الانفصال الكامل عن الماجريات. وجاءت حدود مراد المؤلف ومقاصده كالآتي:

التمييز بين فقه الواقع والغرق في الواقع، فكثير ممن اقتنع بضرورة فقه الواقع في العلم والإصلاح تحول لا شعوريًّا إلى الغطس في الماجريات والانغماس في دوامة الأحداث والوقائع حتى تجاوز القدر المطلوب وغرق في وحل الواقع.

التمييز بين المتابعة المتفرجة والمتابعة المنتجة، حيث يتوهم البعض أنه بملاحقة الماجريات الفكرية والسياسية قد يصنع شيئًا نافعًا، لكن الواقع العملي يثبت أنه مجرد متفرج لا غير.

التمييز بين زمن التحصيل والمتابعة وزمن العطاء، فالشاب في السنوات الذهبية للتحصيل العلمي يفترض أن يكون انكبابه وتركيزه الأساس على استثمار هذه اللحظات الثمينة في حياته، فهي مرحلة بناء وليست مرحلة عطاء.

التمييز بين توظيف الآلة والارتهان للآلة، هناك شريحة واسعة ممن اهتبلوا فرص النشر الشبكية والفضائية تحولوا من منتجين يوظفون الآلة إلى مستتبعين تخرطهم الآلة في ماجرياتها، وتحولوا من منتجين إلى مستهلكين لأدنى ما تنتجه هذه الآلة من مهاترات فكرية وشائعات سياسية.

التمييز بين فصل السياسة ومرتبة السياسة، فالسياسة لها منزلة في سلم المطالب، وهذه المنزلة تخصصية، أي أن السياسة تخصص مطلوب، ومعنى ذلك أن المتخصص ينبغي له استيعاب تفاصيلها بقدر إمكانه، وأما غير المتخصص فيكفيه أن يعرف مجملات الواقع السياسي.

البناء اللغوي

الفصل الأول جاء تأصيلًا لمسألة «الماجريات» من حيث البناء اللغوي اللساني، كما سبق بيانه بإيجاز، ومن حيث التعرض لرأي علماء السلوك فيها، حيث حذروا رحمهم الله من صحبة الماجرياتيين الذين ضاعت أوقاتهم فيما لا ينفعهم لا دينًا ولا دنيا، كما حذروا من تبديد الطاقة الذهنية التي وهبها الله للإنسان بقدر معين في هذه الماجريات، قال ابن القيم: «أصل الخير والشر من قبل التفكر، فإن الفكر مبدأ الإرادة… وبإزاء هذه الأفكار [النافعة]: الأفكار الرديئة التي تجول في قلوب أكثر هذا الخلق، ومنها الفكر في جزئيات أحوال الناس، وماجرياتهم، ومداخلهم ومخارجهم، وتوابع ذلك من فكر النفوس المبطلة الفارغة من الله ورسوله والدار الآخرة»، وبيّنوا أن التطلع إلى الكمال يقتضي البعد والهرب من هذه الماجريات، قال ابن القيم عن الأخفياء: «أثقل شيء عليهم: البحث عن ماجريات الناس، وطلب تعرّف أحوالهم، وأثقل ما على قلوبهم سماعها، فهم مشغولون عنها بشأنهم»، وأنها قد تكون من لهو الحديث الذي قال الله تعالى فيه: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْـحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [لقمان: ٦]، كما نص على ذلك شيخ التفسير ابن سعدي رحمه الله.

بل قال ابن الجوزي: «ولقد شاهدت خلقًا كثيرًا لا يعرفون معنى الحياة… ومنهم من يقطّع الزكان بكثرة الحديث عن السلاطين، والغلاء والرخص، إلى غير ذلك، فعلمت أن الله تعالى لم يُطلع على شرف العمر ومعرفة قدر أوقات العافية إلا من وفقه وألهمه اغتنام ذلك، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم».

والحقيقة أن المؤلف استعرض عددًا من أقوال أهل العلم في هذا الإطار، وهي قوية في التنويه بخطورة الانهماك في ماجريات السياسة والمجتمع.

الماجريات الشبكية

الفصل الثاني عقده المؤلف بعنوان: «الماجريات الشبكية»، وهو ألماسة بين جواهر الكتاب، حيث تطرق المؤلف بتفصيل ماتع إلى المرض النفسي «اضطراب إدمان الإنترنت»  IADبشكله الطبي والتصور العلمي له، فهذا المرض يحمل من الأعراض قريبًا مما يحمله الإدمان على المخدرات والكحول والقمار! كالإخفاق الدراسي، وتدهور الأداء المهني، وأحيانًا الانفصال الأسري، وأتى بشواهد على ذلك.

ومنه، وببراعة ملفتة للانتباه، نفَذ المؤلف إلى تفاصيل دقيقة في هذا الباب مما يتلبس به الماجرياتيون كالتصفح القسري حيث يجد الإنسان نفسه مضطرًا إلى التصفح أثناء الأوقات الجادة المخصصة للمهام كحضور درس أو اجتماع، والأعراض الانسحابية مثل التوتر والقلق والانزعاج المصاحبة للتوقف المفاجئ عن التصفح، والهروب النفسي من تعقيدات المهام والمطالب العلمية والعملية، والتصفح الملثم حيث يخفي المتصفح أو يموّه كمية الوقت المستغرقة على الشبكة أو يدخل بمعرِّف آخر لا يعرفه الناس به، والعمى الزمني وهو فقد الإحساس بالزمن، وإدمان البيانات.

ثم تسلل المؤلف إلى مظاهر أدق في هذا الباب كتسلسل التصفح والنبأ المتدحرج ومسلسل الخبر والتعليق والتعليق على التعليق، واستطاع المؤلف أن يصف لحظات التسلسل وتأثير النظراء على استمراء هذه الحالة. وعرّج على المهاترات الشبكية وغيرها من الحيل النفسية التي نتلبس بها ونحن نتصفح ماجريات الشبكة.

التوازن في متابعة الماجريات

الفصل الثالث: على طوله بالنسبة لسابقيه يعتبر مجموعة من الشواهد الواقعية على نتيجة البحث وهي أهمية التوازن في متابعة الماجريات السياسية والانشغال بها، سواء كان ذلك في المضامين المفاهيمة أو في الأدوات والتقنيات، وهو بهذه الشواهد يهدف إلى وضع القارئ في جو تجارب حقيقية كان لأبطالها موقف متوازن من الماجريات. وتعرض لخمسة نماذج فذة، هم: أبو الحسن الندوي، و د. عبدالوهاب المسيري، والبشير الإبراهيمي، ومالك بن نبي، و د. فريد الأنصاري. رحمهم الله.

يستعرض في كل نموذج سيرته المفيدة، ثم يتبعها بالشواهد والتحليلات لما كان عليه من توازن مثمر في هذه المسألة، مع اختلاف الزاوية التي ظهر توازنهم فيها. مثل العالم المصلح البشير الإبراهيمي, ومالك بن نبي, وأبو الحسن الندوي, ود. عبد الوهاب المسيري, و د. فريد الأنصاري

جماليات:

الكتاب من ألفه إلى يائه يبحث مسألة الماجريات ويعالج تفاصيلها، لكنك حين تقرؤه ستبهرك معالم الجمال في نواحيه، فهو في ناحية منه يعرض مسألة طبية «اضطراب إدمان الإنترنت» فتشعر أن بين يديك مقالة طبية من مجلة متخصصة، وفي ناحية أخرى منه يعرض لك خبايا نفوس الصالحين وطلبة العلم وهم يتابعون الماجريات عبر الهواتف الذكية وغيرها، فكأنك تقرأ فصلًا من كتاب «تلبيس إبليس» لابن الجوزي.

أما النماذج التي تعرض لسيرتها فيما أسماه «محيط النموذج» فقد كانت نوافذ تطل بعقلك منها على تاريخ علمي ودعوي وفكري للحقبة التي عاشها هذا النموذج، بأسلوب متسلسل رائع، وهو مع هذا يملك طاقة تحليلية تسهل عليك فهم كثير من المغلَقات، ويقوم بتنظيم المعلومات والحقائق المتعلقة بهذه الحركات والدعوات الإصلاحية.

وفي نواحٍ أخرى تلمس المناقشة الأصولية الدقيقة، كما أنه يضع يد القارئ على قلبه هو – أعني المؤلف – وأحاسيسه ببيانٍ حلو المذاق.

نتيجة مهمة:

الكتاب من وجهة نظري ليس مجرد مناقشة علمية وعقلية لمسألة الماجريات، بل هو برنامج عملي في إدارة الأفكار وإدارة الأوقات، وأرى أن من الأهمية بمكان أن يتناوله المشتغلون بالدعوة إلى الله وإصلاح المجتمع ورواد مواقع التواصل الاجتماعي والمؤثرون فيها.

كما أرى أن يقرأه المربون والمشرفون على الأنشطة الطلابية والشبابية بشكل خاص، ليعيدوا التوازن في الماجريات، ويضبطوا الاتزان لدى المجموعات الشبابية.

إن الجوال الذكي يعد اليوم سمة عصرية، ليس الشباب بمنأى عن الماجريات المضمنة فيه، وحين نستشرف المستقبل فإنه – أعني الجوال الذكي – سيكون أحد المعطيات الرئيسية في بناء الرؤية التربوية.

 

(فايز بن سعيد الزهراني/ مجلة البيان)

  للمزيد من الكتب.. زوروا منصة الكتب العالمية

 

 

 

 

TOP