الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
أثار صعود الصين السياسي والعسكري المتنامي، وحضورها العالمي المتصاعد، جدلًا واسعًا حول مستقبل تحولات النظام الدولي الذي تهمين عليه الولايات المتحدة منفردة منذ نهاية الحرب الباردة، حيث أضحت بكين إحدى القوى الكبرى المؤهّلة لدور قيادي عالمي منافس لواشنطن، ولا سيما في ظل دورها المؤثر ومبادراتها الكبرى، وفي مقدمتها “مبادرة الحزام والطريق” التي تنتهج مبدأ المنافع المتبادلة، في مقابل نموذج الهيمنة الذي ارتبط بالعديد من القوى العظمى التقليدية.
وفي هذا الإطار، يقدم “باراج خانا” (الأستاذ بالجامعة الوطنية بسنغافورة) رؤيته حول تحول مركز القوى الدولية من الغرب ممثلًا في الولايات المتحدة والقوى الأوروبية، إلى الشرق ممثلًا في القوى الآسيوية الصاعدة، في كتاب جديد بعنوان “المستقبل آسيوي”. وتتخلص في أنها تشهد تحولًا تكتونيًّا (Tectonic Shift). فإذا كان القرن التاسع عشر أوروبيًّا، والقرن العشرون أمريكيًّا؛ فإن القرن الحادي والعشرين سيكون آسيويًّا، مع التأكيد على انتهاء صلاحية المنطق الاستعماري في التعامل مع دول العالم.
يؤكد “خانا” في كتابه انتهاء عصر الهيمنة الغربية، وعودة آسيا إلى أنماط التجارة والتبادل الثقافي التي ازدهرت قبل فترة طويلة من الاستعمار الأوروبي والهيمنة الأمريكية. ويضيف أنه في الوقت الذي تشهد فيه الولايات المتحدة حالة من التخبط على هامش هذه المرحلة الجديدة من العولمة، فإن الازدهار المتنامي في القارة يعيد ترسيم خريطة الاقتصاد العالمي، حيث أصبحت الصين لاعبًا رئيسيًّا في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية من خلال مبادرة “الحزام والطريق”، التي تعتبر أهم مشروع دبلوماسي في القرن الحادي والعشرين، يعادل في أهميته -وفقًا للكاتب- تأسيس الأمم المتحدة في منتصف القرن العشرين، لكنها بتصميم وقيادة آسيوية، مما سيجعل القارة مركز العالم ومستقبله، وسيكون لها أكبر الأثر على مسار العلاقات الدولية والنظام الدولي في القرن الحادي والعشرين.
وفي هذا الإطار، يشير المؤلف إلى أن عام 2017 يُعد البداية الحقيقية للتاريخ الذي بدأ فيه وضع حجر الأساس لنظام دولي تقوده آسيا. ففي مايو من ذلك العام، اجتمعت ست وثمانون دولة تمثل ثلثي سكان العالم، ونصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في بكين لحضور القمة الأولى لمبادرة “الحزام والطريق”، والتي ضمت زعماء من آسيا وإفريقيا وأوروبا لإطلاق أكبر خطة منسقة للاستثمار في البنية التحتية بشكل جماعي. وقد تعهدت الحكومات المجتمعة بإنفاق تريليونات الدولارات لربط أكبر المراكز السكانية في العالم، بهدف تعزيز التبادل التجاري والثقافي، وكان ذلك بمثابة إعلان عن حقبة جديدة من طريق الحرير.
ووفقًا لـ”خانا” فإن مصطلح “النظام” له تعريف محدد للغاية، فهو يشير إلى مجموعة من الدول أو الوحدات الدولية التي تنتظم في علاقة مع بعضها بعضًا في منطقة ما، أكثر مما تفعل مع الدول خارج منطقتها. ومن هذا المنطلق، فإن الاتحاد الأوروبي بقدر كونه نظامًا، فإننا نشهد صعود نظام آسيوي واسع يمتد من خلال مبادرة “الحزام والطريق” من شبه الجزيرة العربية وتركيا في الغرب، إلى اليابان ونيوزيلندا في الشرق، ومن روسيا في الشمال إلى أستراليا في الجنوب. وهي منطقة تمثل حاليًّا نحو 50% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وثلثي النمو الاقتصادي العالمي.
المستقبل للأبحاث والدراسات المستقبلية
This post is also available in: English (الإنجليزية)