الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
هل التضامن فعلاً في حالة تراجع بين المواطنين الأوروبيين؟ ما مدى قوة جذور التضامن الفردي، سواء على صعيد المواقف أو على صعيد الممارسات؟ خاصة في أوقات الأزمات الاقتصادية والسياسية والإنسانية. يقارب هذا الكتاب موضوع التضامن داخل وخارج أوروبا؛ وذلك بالاعتماد على دراسات واستطلاعات في ثماني دول أوروبية.
يهدف التضامن خارج الحدود الوطنية في أوقات الأزمات إلى زيادة المعرفة عن التضامن بين عامة السكان والمجتمع المدني المنظم ووسائل الإعلام. يعاين هذا الكتاب للمؤلف كريستيان لاهوسن، أستاذ علم الاجتماع في جامعة سيغن الألمانية، مظاهر التضامن المدفونة تحت السياسات والتدابير الرسمية للسلطات العامة في أوروبا. ويقدم تحليلاً مقارناً لثماني دول أوروبية، موضحاً حجم الدعم للتضامن خارج الحدود الوطنية من الأفراد والمنظمات المدنية. يقدم المساهمون فيه بيانات شاملة ومبتكرة، وتحليلاً لاستطلاعات الرأي، والمجالات التنظيمية والمحتوى الإعلامي، لتحليل أفكار وآراء ومواقف المجتمع المدني.
يعتمد الكتاب على البيانات التي يجمعها مشروع بحث مقارن، ويهدف إلى الإجابة عن عدد من الأسئلة المتعلقة بالتضامن. ما مدى تطور مواقف وممارسات التضامن بين مواطني الدول الأوروبية؟ ما مدى انتشار هذه التوجهات عند مقارنة مختلف الفئات المستهدفة، من بينهم اللاجئون / المهاجرون والعاطلون عن العمل إضافة إلى المعوقين؟ وما مدى مشاركة المواطنين في مساعدة الناس خارج بلادهم، وداخل وخارج أوروبا؟ أي مجموعة من مجموعات المواطنين الأوروبيين هي الأكثر تأييداً للتضامن الأوروبي، وأي الشرائح تبتعد عن التضامن الأوروبي أو العالمي؟
أظهرت الدراسات المتاحة أن فكرة التضامن عبر الحدود تدعمها نسبة كبيرة من المواطنين الأوروبيين، مما يشير إلى أن التاريخ الطويل للتكامل الأوروبي كان له تأثيره على أفكار وتفضيلات السكان. ومع ذلك، فإن هذا الدليل أبعد ما يكون عن رسم صورة شاملة. علاوة على ذلك، ركزت معظم الدراسات على دعم السياسات العامة؛ لإعادة التوزيع وتقاسم الأعباء، مما يضر بالدراسات حول الأشكال المدنية والشخصية للتضامن.
التضامن في الأزمات
لقي التضامن اهتماماً كبيراً في المناقشات العامة خلال العقد الماضي؛ لأن الأزمات المختلفة التي تؤثر في الاتحاد الأوروبي وضعت فكرة التضامن الأوروبي تحت الضغط. هذا صحيح فيما يتعلق بالأزمة الاقتصادية والمالية التي ضربت بشدة العديد من البلدان الأوروبية منذ عام 2008. على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي اتخذ عدداً من التدابير (على سبيل المثال، «مرفق الاستقرار المالي الأوروبي»، و«آلية الاستقرار الأوروبية»، و«ميثاق الاستقرار والنمو») الذي فتح الباب أمام المساعدة المالية، ظل الاتحاد الأوروبي ملتزماً بحزمة سياسة الإنقاذ التي تتجاهل تحويل الديون، وتضع العبء الرئيسي على البلدان المهددة بالإفلاس؛ من خلال فرض إجراءات تقشفية صارمة.
كرد فعل، اجتمع معظم المعلقين على الاقتناع بأن التضامن الدولي قد مات. تم التوصل إلى نتيجة مماثلة فيما يتعلق بالقضايا الناشئة كرد فعل على زيادة تدفق اللاجئين من سوريا والمناطق الأخرى المتضررة من الحروب في عام 2015، وعدم قدرة مؤسسات الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه على الاتفاق على سياسة وآليات لجوء منسقة.. لا يمكن التوصل إلى توافق في الآراء إلا فيما يتعلق بالبعد الخارجي (مثل: الضوابط الحدودية، ومكافحة الاتجار بالبشر)، وترك مسألة تقاسم الأعباء العادلة من خلال الحصص الوطنية، وبرامج الانتقال من دون حل.
أثار نجاح الأحزاب الشعبوية في العديد من الدول الأوروبية (مثل: فرنسا والمملكة المتحدة والدنمارك وإيطاليا وإسبانيا) والتصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتعبئة احتجاجات كراهية الأجانب في جميع أنحاء أوروبا مخاوف أخرى من أن التضامن الأوروبي قد يكون في خطر. يقول المؤلف: «في أوقات الأزمات، قد لا نشهد فقط تآكل التعاون بين حكومات الدول الأعضاء، ولكن أيضاً تآكل التماسك الاجتماعي على مستوى المواطنين الأوروبيين، وبالتالي تهديد الأسس الاجتماعية التي تقوم عليها مؤسسات وسياسات الاتحاد الأوروبي. هل تترجم أزمة التكامل الأوروبي إلى أزمة تضامن أوروبي؟ وإذا كان الأمر كذلك، ما المظاهر على مستوى الأفراد؟ هل التضامن الأوروبي فعلاً في حالة تراجع بين المواطنين الأوروبيين؟ ما مدى قوة جذور التضامن على المستوى الفردي، سواء على صعيد المواقف أو الممارسات؟ وما العوامل والآليات الدافعة التي تميل إلى المساهمة في إعادة إنتاج و/أو تآكل التضامن في أوقات الأزمات؟
أدلة تجريبية
نحن بحاجة ماسة إلى أدلة تجريبية سليمة للإجابة عن هذه الأسئلة بحسب الكاتب، ويعلق:»تستمر المناقشات والحجج العامة بالعودة إلى هذه القضية، ولكن ليس لدينا حتى الآن سوى القليل من الأدلة التجريبية التي يمكن الاعتماد عليها. عند الاستماع إلى المناقشات العامة، يبدو أن المتشائمين يأتون في المقدمة.
ووفقاً لهذه الآراء، فإن الأزمات المختلفة التي تؤثر في الاتحاد الأوروبي تضع التضامن الأوروبي على المحك. في أوقات النمو الاقتصادي والتوقعات الاقتصادية المتفائلة، يجب أن يكون من الأسهل الإعلان عن التعاون والمساعدة، في حين يبدو التضامن أكثر صعوبة في أوقات الركود والندرة.
ويضيف: «هذا صحيح بشكل خاص بالنظر إلى أن رجال الأعمال السياسيين الشعبويين إلى جانب كارهي الأجانب يمكن أن يعتمدوا على تفاقم مخاوف المواطنين وشكواهم، وأن الأزمة تتداخل مع تاريخ طويل من السياسات غير الفاعلة في المجالات الرئيسية؛ مثل: الفقر والبطالة والهجرة واللجوء. في ظل هذه الظروف، يبدو أن المناقشات السياسية تتسم بالعداء والصراع وعدم الثقة بين الحكومات والمواطنين على نحو متزايد، على حساب التماسك الاجتماعي والتضامن. على الرغم من هذه النظرة المتشائمة، إلا أنه لا يزال هناك مجال للتفاؤل».
يرى الكاتب أن 60 عاماً من التكامل الأوروبي قد رسخت تدريجياً مشاعر الانتماء للمجتمع الأوروبي، ومكنت من التعارف المشترك مع المؤسسات الأوروبية، وكذلك الهويات الأوروبية والعالمية. علاوة على ذلك، عزز التكامل الأوروبي الخبرات خارج الحدود الوطنية والاتصالات بين المواطنين، وكذلك الثقة خارج الحدود الوطنية بين الشعوب الأوروبية.
وأخيراً، تُظهر استطلاعات الرأي العام أنه، في خضم الأزمة الأوروبية، لا يزال أغلب المستطلعين يتفقون على أنه من المرغوب فيه تقديم مساعدة مالية إلى دول أخرى باسم التضامن الأوروبي بين الدول الأعضاء. وينطبق الشيء نفسه على استعداد المواطنين الأوروبيين لدعم تقاسم العبء العادل فيما يتعلق باللاجئين، إذا كان ذلك ضرورياً لدعم إنجازات الاتحاد الأوروبي، مثل شنجن.
التضامن مع المهاجرين
أصبحت سياسات الهجرة قضية بارزة للغاية لدى الرأي العام. وقد ساهمت التدفقات المتزايدة من المهاجرين القسريين من الشرق الأوسط خلال صيف 2015 بالتأكيد في هذا التطور. على وجه الخصوص، وضعت موضوع التضامن الأوروبي على جدول الأعمال العام. يبين الكتاب أن ثلث المستجيبين تقريباً كانوا من المنخرطين في ممارسات دعم المهاجرين، لا سيما في تلك البلدان التي كانت على طرق هجرة اللاجئين وواجهت حاجة أكبر، ويتساءل: ولكن ماذا يمكننا أن نقول عن تفضيلات السياسة؟ هل يدعم المواطنون سياسات الهجرة التي ترحب باللاجئين داخل بلادهم، وهل يوافقون أيضاً على السياسات الأوروبية لتقاسم الأعباء؟. تعد مواقف المواطنين تجاه الهجرة وسياسات الهجرة مؤشراً مهماً على انفتاح المجتمع تجاه غير المواطنين وبالتالي على شمولية التضامن.
ويضيف: لهذا السبب، قمنا بتضمين سلسلة من الأسئلة في استطلاعنا الذي تم توجيهه نحو قياس المواقف العامة تجاه السياسات التي تتناول المجموعات التي تهاجر إلى بلد ما من الاتحاد الأوروبي ومن خارجه. كان التركيز بشكل خاص في هذا الصدد على اللاجئين السوريين الفارين من بلادهم التي مزقتها الحرب. يميل معظم الناس عبر البلدان المشاركة في الاستطلاع إلى قبول الهجرة الاقتصادية إذا ما كانت «هناك وظائف يمكنهم القيام بها». النسب الأقل هي أكثر ليبرالية توافق على «السماح لكل من يريد أن يأتي». على وجه الخصوص، يميل اليونانيون والبولنديون إلى أن يكونوا الأكثر ترحيباً، يليهم الإيطاليون والألمان والدنماركيون، ثم يأتي الفرنسيون مع البريطانيين والسويسريين الأقل ترحيباً مع 10٪ فقط يختارون هذا الخيار.
في الواقع، يعرض البريطانيون والسويسريون أعلى نسب من المستطلعين الذين يوافقون على أنه يجب أن تكون هناك قيود صارمة على العدد المسموح به للقدوم. قد يمنع ما يصل إلى 8٪ من الأفراد في المملكة المتحدة الهجرة الاقتصادية من الاتحاد الأوروبي (8.1٪ أيضاً في فرنسا). تم طرح السؤال نفسه على المستجيبين فيما يتعلق بالمواطنين من خارج الاتحاد الأوروبي أيضاً، من أجل الحصول على فكرة عن تأثير المواطنة في الاتحاد الأوروبي. الأكثر ترحيباً هم الإيطاليون بنسبة 8٪ تقريباً مما يشير إلى أن جميع الراغبين في الحضور يجب أن يأتوا، يليهم 7.8٪ من اليونانيين و7٪ من الألمان و 6.2٪ في فرنسا وبولندا و5.6٪ في الدنمارك و5.3٪ في المملكة المتحدة و فقط 4.5٪ في سويسرا.
من المرجح أن يدعم المستجيبون في الدنمارك وإيطاليا واليونان وبولندا الهجرة الاقتصادية بشرط وجود وظائف؛ في حين يفضل المجيبون في فرنسا وألمانيا وسويسرا والمملكة المتحدة وضع قيود صارمة على العدد المسموح به ليأتي من دول خارج الاتحاد الأوروبي. يرغب ما يصل إلى 14.5٪ من الأشخاص في فرنسا في منع الأشخاص من خارج الاتحاد الأوروبي تماماً من القدوم إلى بلادهم، يليهم 12.3٪ من الألمان ونحو 9-10٪ في الدول الأخرى التي تتبنى هذا الموقف الذي لا يرحم بشأن الهجرة.
رؤى جديدة
يحاول الكتاب أن يسلط الضوء بشكل منهجي على هذا النقاش من خلال عرض نتائج المسح السكاني بين مواطني ثماني دول أوروبية. تم إجراء الاستطلاع في سياق مشروع بحثي ممول من الاتحاد الأوروبي مخصص لدراسة التضامن الأوروبي المسارات الأوروبية للتضامن خارج الحدود الوطنية في أوقات الأزمات..
توفر بيانات المسح المقدمة في الكتاب رؤى جديدة حول هذا الموضوع. ويستند العمل إلى مسح فردي عبر الإنترنت تم إجراؤه في أشهر الشتاء من 2017/2016 في الدنمارك وفرنسا وألمانيا واليونان وإيطاليا وبولندا وسويسرا والمملكة المتحدة. تمت إدارة الاستبيان نفسه باللغات ذات الصلة لنحو 2000 مستجيب في كل بلد من بلدان المشروع، وبالتالي جمعت البيانات أكثر من 16000 مواطن أوروبي. تمت مطابقة عينات المستجيبين للإحصاءات الوطنية مع حصص التعليم والعمر والجنس والمنطقة، وتم تطبيق أوزان السكان في التحليلات المقدمة في هذا العمل. تمت صياغة الاستبيان لقياس التضامن بأبعاده ومظاهره المختلفة، لجمع البيانات حول عدد من العوامل المحتملة التي قد تساعد في تفسير هذا التضامن المتبع.
ينتهي الكتاب بفصل ختامي يرسم صورة مقارنة للتضامن المدني داخل وعبر الدول الأعضاء الأوروبية، يسلط الضوء على مختلف مستويات الممارسات والمواقف المدفوعة بالتضامن، وتحديد أهمية التضامن الأوروبي، عند مقارنته بالتضامن الوطني أو العالمي في أوروبا.
10فصول
تهدف الفصول العشرة الواردة في هذا الكتاب إلى الإجابة عن الأسئلة المذكورة أعلاه فيما يتعلق بكل من البلدان الثمانية قيد الدراسة.. يقع الكتاب في 208 صفحات باللغة الإنجليزية وهو صادر عن دار (إدوارد إلغار باب) في مارس/آذار 2020.. ويأتي الكتاب في عشرة أقسام هي: 1) التضامن في أوروبا – التضامن الأوروبي: مقدمة. 2) نحو مشروطية جديدة للرفاه؟ إعادة النظر في التضامن في دولة الرفاهية الدنماركية. 3) نشاط التضامن في ألمانيا: ما الذي يفسر أنواع ومستويات المشاركة المختلفة؟ 4) الانسحاب أو التباعد؟ التضامن في ما بعد الأزمة في المملكة المتحدة. 5) ممارسات التضامن في بولندا ومؤسساتها الرأسمالية الاجتماعية. 6) الأبعاد الاجتماعية والسياسية للتضامن في إيطاليا. 7) التطوع للاجئين وطالبي اللجوء في اليونان. 8) ممارسات التضامن المدني والسياسي في سويسرا. 9 ) مسارات التضامن في فرنسا عبر مجالات الضعف. 10) التضامن في أوروبا: تقييم مقارن ومناقشة.
جريدة الخليج
This post is also available in: English (الإنجليزية)