الوصف
يعرض هذا الكتاب الروايتين الغربية والإسلامية حول الذات والآخر، مؤكداً على فكرة أساسية هي أن المركزيات تصاغ استناداً إلى نوع من التمثيل الذي تقدمه المرويات الثقافية = (الدينية، والأدبية، والتاريخية، والجغرافية، والفلسفية، والأنثروبولوجية) إلى الذات المعتصمة بوهم النقاء الكامل، والآخر المدنس بالدونية الدائمة؛ فالتمركز هو نوع من التعلّق بتصور مزدوج عن الذات والآخر، تصوّر يقوم على التمايز والتراتب والتعالي، ويتشكل عبر الزمن بناءً على ترادف متواصل ومتماثل لمرويات تلوح فيها بوضوح صورة انتقيت بدقة لمواجهة ضغوط كثيرة.
وتكشف التحليلات المعمقة للمرويات الكبرى الطريقة البارعة للسرود التي تنتظم حول حبكة دينية، أو ثقافيةن أو عرقية مخصوصة، مخضعة كل عناصر السرد لخدمة تلك الحبكة التي تظل يقظة في إثراء تمجيدي للذات، وخفض تبخيسي للآخر.
وهذا يسّوغ لنا أهمية الانطلاق من واقع العالم اليوم من أجل كشف الأسباب التي تتبلور فيها أفكار التمركز، كما هو الأمر بالنسبة للمركزية الإسلامية في الرهانات والسجالات القائمة في عصرنا
وهدف هذا المشروع: توسيع مديات الوعي في الظواهر الحاكمة في عالمنا المعاصر، وتخصيب تشعُّباته النقدية، وإعطاء أهمية للبعد التاريخي للثقافات، دون أسرها في نطاق النزعات التاريخية.
إن النقد، في نهاية المطاف، ممارسة تعي شرط حريتها، وهو تفكير في موضوع التمركز غربياً كان أم إسلامياً، من أجل إبطال نزعة التمركز وتخريب مقوّماتها الداخلية، هو نقد لا يتقصّد إيجاد قطيعة شكلية مع هذا أو ذاك؛ بل ترتيب علاقة نقدية وفق أسس حوارية وتفاعلية وتواصلية؛ بهدف إيجاد معرفة جديدة تقوم على مبدأ «الاختلاف»، الذي هو بديل لـ «المطابقة»، فيكون اختلافاً عن خرافات الذات المتمركزة على نفسها وأساطيرها، ومسلّمات الآخر، ومصادراته، ومغالطاته؛ فلا يمكن أن تكون معرفة «الآخر» مفيدة إلا إذا تمّ التفكير فيها نقدياً، والاشتغال بها بعيداً من سيطرة مفاهيم الإذعان والولاء والتبعية، وبعيداً من أحاسيس الطهرانية الذاتية وتقديس الأنا.