الوصف
صحيح أن التصور الذي جاءت به الخطابة الجديدة يجسد ثورة حقيقية في فهم العلاقة بين الإنسان والعالم، وخطوة متقدمة في الكشف عن حقيقة التفاعل الذي يحدث بين الذوات المتواصلة عموماً، والمتفاعلة حجاجياً على وجه الخصوص، إلا أنه لم يصل مع ذلك إلى حد الوفاء بطموح ديكرو وأنسكومبر في ما يخص طبيعة العلاقة بين الوقائع والخطاب في سيرورة التفاعل الحجاجي، لأنهما سيعلنان – على الأقل في مرحلة محددة من تطور هذه النظرية – أن الأمر لا يقف عند حدود علاقة ما،… فالبحث الفعلي في الحجاج بصورته التي تنعكس وتنطبع في الصياغة اللسانية للوقائع يكشف عن حقيقة أعمق من ذلك بكثير، وهي أن التمايز بين هذه الوقائع وصياغاتها اللسانية غير موجود أصلاً، لأن اللغة في مجملها ليست سوى ترجمة للوقائع في سياق حركية حجاجية متصلة، أو بعبارة أخرى تحويل حجاجي للوقائع.
هذا الكتاب يحاول أن يقدم صورة كلية عن أهم قضايا هذا التوجه، محاولاً ما أمكن الجمع بين المنحى التأريخي في عرض سيرورة انبثاق ونمو هذه الأفكار وارتقائها عبر ما يزيد عن ثلاثة عقود، والتناول النسقي في عرض أهم المسائل والأطروحات التي دافع عنها رواده.
وقد جاء العمل في صورة تجميع وتنسيق للخلاصات والتقييدات والفوائد التي كنا نعلقها على نصوص هذه المدرسة، فأحببنا أن نشرك معنا القارئ في النهل من معينها والإفادة مما صح منها، والإسهام في التداول حول ما قد يكون مثار نقاش وحوار، جرياً على عادة درج العمل بها في الثقافة الغربية، ولا يزال حضورها ضعيفاً في ثقافتنا العربية، وتتمثل في الكتابة المدخلية التي يكون الغرض منها تقريب المعارف والأفكار، باعتبار ذلك مقدمة ضرورية لفتح آفاق الخلق والإبداع.
رشيد الراضي
باحث مغربي متخصص في علم المنطق والفلسفة