الوصف
This post is also available in:
English (الإنجليزية)
يرسم توكفيل، في هذا الكتاب، الذي يُعَدُّ واحدا من كلاسيكيات الأدب السياسيّ، لوحة نابضة بالحياة للمجتمع الفرنسيّ، في فترة النظام القديم أى السابق لثورة 1789 الفرنسية العظمى، فيما كان يتحوَّل بعمق من نظام اجتماعيّ إلى نظام اجتماعيّ آخر، وهو يحدد بوضوح طابع هذا التحوُّل ومنطقه وديناميته ومغزاه. هنا يُبرهِن توكفيل أن ذلك ” النظام القديم” ( فترة الحكم الملكيّ المطلق بوجه عام) يمثل الثورة البرجوازية الأولى ( الاجتماعية) التي كانت ستندفع تاريخيًّا في طريق المستقبل الرأسمالي حتى بدون ثورة 1879.
على أنه يبحث الشروط الاجتماعية- الاقتصادية لفرنسا، وكذلك شروطها الفكرية والفلسفية والأدبية وأحلامها بالمساواة والحرية، تلك الشروط التي جعلت تلك الثورة السياسية تعصف بفرنسا والعالم والتاريخ، بدورها التقدُّميّ المتمثل في رفع فرنسا وأوروبا إلى الحضارة الرأسمالية ولكن حطمت أحلام المساواة والحرية، وقادت فرنسا على طريق الإمبراطورية والاستبداد والاستعباد.
ان الفكرة الأساسية التي يريد توكفيل معالجتها في هذا الكتاب / المحصلة هي ان الديموقراطية انما تقوم في الأساس على مبدأ المصلحة الفردية، ومن هنا فإنها تجازف بأن تعزل الإنسان وتهبط بمستواه الخلقي، حائلة بينه وبين ان يتحمل مسؤولياته كافة. ومن هنا يتعين اضفاء طابع لامركزي على السلطة، وتحرير الصحافة وبقية المؤسسات والمشاريع الى الحد الأقصى، وجعل القضاء مستقلاً كل الإستقلال عن الحكومة.
فكيف يتوصل توكفيل الى هذه الاستنتاجات في كتابه هذا؟ ان ما يهم توكفيل هنا هو الوصول الى هذه النتائج، ولكن في شكل مقنع ومنطقي، لذلك نراه يهتم بأن يعيد رسم الاحداث السياسية والاجتماعية التي عاشتها فرنسا خلال المراحل المتتالية لثورتها، منذ تهاوي الاقطاعيات، حتى ظهور مبادئ العام 1789 وصولاً الى الانقلابات الديموقراطية التي حصلت خلال النصف الاول من القرن التاسع عشر، أي الزمن الذي عاش فيه توكفيل وشهد احداثاً وكان فاعلاً في بعضها. وما يفعله توكفيل هنا انما هو تأمله الاحداث في واقعها التاريخي، وليس من زاوية تخلط السيكولوجيا الجماعية بسيرة رجال الثورة، كما كان اعتاد ان يفعل الكثر من الذين أرخوا للثورة من قبله.
إن توكفيل، هنا، يدرس الحياة الاجتماعية للأمة في تعقيداتها جميعاً فإذا كانت الثورة قد اتخذت لنفسها مسوح ثورة دينية في طول أوروبا وعرضها، وبخاصة في مجال ترويجها لتصور جديد لحياة الانسان ووظيفته، فمن الصحيح ايضاً ان دلالتها الاجتماعية هي الوحيدة القادرة على اسقاط الامتيازات والقوانين التي كانت تحكم النظام القديم.
ويلاحظ توكفيل هنا ان الثورة قد اهتمت كثيراً بمركزة الادارة والعدل وبتوفير اكبر قدر من الضمانات للموظفين… فاذا بها في هذا كله لا تفعل اكثر من اتباع الخطى نفسها التي كان النظام القديم يسير عليها: فالنظام الملكي، قبل الثورة، كانت الامور قد انتهت به الى الامساك بالسلطات كلها وتكبيل ايديها، والى افساد النبالة التي، اذ وجدت نفسها بعيدة من السياسة المشرفة (على عكس ما حدث بالنسبة الى النبالة الانكليزية في القرن الثامن عشر)، راحت تغوص اكثر واكثر في الكسل والجبن… والمشكلة تكمن في ان الظاهرة نفسها قد تجلت مع المركزية الثورية الجديدة، التي مورست من قبل كل السلطات التي تعاقبت على الحكم، منذ عهد الثورة حتى العصر الذي عاش فيه توكفيل.
وهكذا صار من شأن الحرية ان تتحول الى فوضى، بل حتى الى نوع من ديكتاتورية الشارع والحثالة. ويتأتى هذا، ودائماً في رأي توكفيل كما عبر عنه ذلك الكتاب الذي انهى به حياته، من واقع ان الديموقراطية لا ترفدها هنا اية تقاليد حقيقية، ولا اية مشاركة صحية في الحكم وفي ادارة شؤون الدولة من قبل الجميع، بشكل يفترض تشاركاً فعلياً في تملك الخير العام.
والكتّاب، بالنسبة الى توكفيل ايضاً، وكما حدث في شكل خاص في «عصر التنوير»، يكتبون وينتقدون هنا، انطلاقاً من ذهنية تحليلية خالصة، وتبعاً لعناصر الفكر السياسي النظري، من دون ان يهتموا ايما اهتمام بتحليل واقع الأمور. و «يترتب على هذا ان تقدم إلينا منظومات، قد تكون حسنة النوايا، لكنها عمياء تماما بالنسبة الى نظرتها الى الواقع: ذلك ان تجذر الثورة في تطوراتها كافة، انما يخفي افتقاراً حقيقياً الى التربية السياسية الحقة، ما يجعل من السهل، بكل أسف، الانتقال من التمجيد النظري للحرية، الى الغوص في العبودية السياسية المطلقة».
المؤلف:
ألكسيس دو توكفيل أو ألكسيس دو طوكفيل (1805 – 1859 م) هو مؤرخ ومنظر سياسي فرنسي. اهتم بالسياسة في بعدها التاريخي. أشهر آثاره: «في الديمقراطية الأمريكية» (1835 – 1840 م)، و«النظام القديم والثورة» (1856 م).
عائلة توكفيل تنحدر من نبلاء الأراضي في نورماندي, حيث العديد من الأماكن مسماة باسم عائلته. وبعد الحصول على درجة في القانون، ألكسيس دي توكڤيل تم تعيينه مدققاً عاماً في بلاط ڤرساي.
درس بين 1820 و1823 في كلية ميتز حيث كان أبوه محافظاً للمنطقة. ثم حصل على إجازة الحقوق من باريس عام 1826. وخلال العامين التاليين بدأ سلسلة رحلاته وجولاته التي قادته حتى سنوات حياته الأخيرة إلى إيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة وإنكلترا وسويسرا، وغيرها من البلدان الأوروبية. وهو في جولاته تلك لم يكن سائحاً فضولياً، بل كان باحثاً مدققاً يهتم بدراسة الأنظمة السياسية وسيرورة التغيرات الكبرى. من هنا، رأيناه بعد كل سفرة وجولة يدوّن ملاحظاته وأفكاره في كتب اعتبرت لاحقاً من الأسفار المؤسسة للفكر السياسي الحديث، بدءاً بدراسته حول «نظام السجون في الولايات المتحدة وإمكان تطبيقه في فرنسا» وصولاً إلى «الثورة والنظام القديم» مروراً بدراسته عن «الديموقراطية في أمريكا» وغير ذلك من كتب ذكريات ومراسلات ودراسات. ولقد مات دي توكفيل عام 1859 في كان إثر مرض اشتد عليه وحال دون أن يكمل مشاريعه الدراسية.
عن المترجم
خليل كلفت مثقف وناشط يساري وناقد أدبي وكاتب قصة قصيرة وكاتب ومؤلف ومفكر سياسي واقتصادي ولغوي ومعجمي ومترجم مصري، ولد في النوبة بأسوان في مصر في 9 أبريل 1941
خليل كلفت الكاتب والمترجم والإنسان، لا تتوقف قيمة ما أعطاه وأنتجه وأنجزه عند ترجمته الراقية لابداعات يودقيس العظيم، أو لاكتشافه للكاتب البرازيلى الأول ما شادوده اسيس في رائعتيه (دون كازمورو، والسرايا الخضراء)، أو قصصه القصيرة، ويعتبر ماشادوده اسيس عميد الأدب البرازيلى بلا منازع، وهو الأب الروحى لكافة الإبداعات البرازيلية الحديثة، ولا تتوقف ترجمات كلفت من اللغتين (الإنجليزية والفرنسية) عند حدود الأدب فقط بل تتعداها إلى ابداعات سياسية وفكرية لها حضور عالمي وحى ومشارك في تشكيل وصياغة اتجاهات الفكر السياسى العالمي، وزيادة على ذلك فالصديق خليل كلفت قد انشأ عددا من القواميس والمعاجم اللغوية المهمة، والتي لا غنى عنه لاى باحث، اشهرها (إلياس- هاراب التجاري، ومعجم تصريف الأفعال، وغيرها).
عن الناشر:
يعد المشروع القومي للترجمة الذي احتفل مع بداية 2006 بإصدار الكتاب رقم 1000 ، أهم الحلقات في سلسلة طويلة من الجهود المبذولة في مجال الترجمة في تاريخنا الحديث بدأت مع إنشاء مدرسة الألسن في مطلع القرن التاسع عشر، واستمرت في جهود لجنة التأليف والترجمة والنشر، ومشروع الألف كتاب الذي أصدر ما يقرب من ستمائة كتاب عند توقفه..
This post is also available in:
English (الإنجليزية)