النقلة: دواخل الإنعاش التاريخي لنيسان

عنوان الكتاب النقلة: دواخل الإنعاش التاريخي لنيسان
المؤلف كارلوس غصن
الناشر كارانسي دوبلداي
البلد بريطانيا
تاريخ النشر 2020
عدد الصفحات 256 

أشتري الكتاب حقوق الترجمة

الوصف

This post is also available in: English (الإنجليزية)

القيمة الحقيقية لهذا الكتاب تنبع من انه سيرة ذاتية في المقام الأول.

الكتاب رحلة تبدأ منذ هجرة الجد بشارة غصن من لبنان الى البرازيل وهو شبه أمي “وبلا فلس في جيبه” لينتهي به المطاف صاحب مجموعة من الشركات وعائلة، ذات ثمانية أبناء وبنات، تعيش في رغد العيش. وهكذا صار بشار الجد أول مصادر الإلهام للحفيد كارلوس.

وبين مولده في البرازيل ووصوله الى منصب المدير العام لأحد أهم مصانع “ميشلان” للإطارات في فرنسا وهو لم يتجاوز سن السابعة والعشرين، يقص علينا غصن ان مرضه قاد الى عودة الأسرة (عدا الأب) الى لبنان وهو في السادسة، وتلقيه تعليمه تحت الجامعي في مدارس اليسوعيين الفرنسيين في بيروت. ثم ينقلنا معه الى فرنسا (في سن 17) حيث درس الهندسة (رغم ولعه باللغات والإنسانيات) وتخرجه بعد “البوليتكنيك” (1974) في “المدرسة الوطنية العليا للمناجم” (1978)، وهي أشهر جامعات الهندسة الفرنسية. ويقول غصن إنه ظل “غريبا لامنتميا” اينما حل طوال حياته. فهو لبناني ولد في البرازيل. وفي لبنان الناطق بالعربية كان هو يتحدث البرتغالية. وفي فرنسا اعتبروه برتغاليا تلقى تعليمه في لبنان.

تزوج غصن طالبة الصيدلة اللبنانية ريتا في كليرمون – فيران، “موطن “ميشلان” في وسط فرنسا، فانتقلت معه الى ريو دي جانيرو في 1985 والمهمة الملقاة على عاتقه هي إنقاذ فرعها العملاق في البرازيل وامريكا الجنوبية بالتبعية. وكان هذا هو ما أنجزه وسط تقلبات فجائية في سياسة البرازيل الاقتصادية ومنافسة قوية من شركات عملاقة مماثلة من وزن “غوديير” و”فايرستون” الأميركيتين و”بيريللي” الإيطالية. مهمة ناجحة أدت – خاصة بعد زيارة تفقدية من فرانسوا ميشلان مالك الشركة – الى مهمة جديدة في امريكا الشمالية، وهذه المرة مع مولودته الأولى في معيته.

وداعا ميشلان، أهلا رينو

كانت مهمة غصن الاميركية في ساوث كارولاينا هي مضاعفة حجم ميشلان بالاستحواذ على جناح الإطارات في “يونيرويال – غودريتش”. ومجددا، مهمة ناجحة. ويخبرنا هنا عن سعادته بحياته مع اسرته (ذات الأطفال الأربعة الآن) “على الطريقة الأميركية” وأيضا بحياته المهنية: “كنت على استعداد للعيش هنا سنوات وسنوات… لكن الظروف حكمت بغير ذلك”.

ففي إعادة ترتيب للبيت طلبت اليه ميشلان الاستعداد للعودة الى كليرمون – فيران، وهذه خطوة لم تتفق ومزاج زوجته ريتا وايضا مع تطلعاته المهنية لأنها ستحرمه من تمتعه بالاستقلال في رقعته الأميركية: “الأفضل أن تكون قسيسا في قرية بدلا عن أسقف في روما”، كما قال.

كان غصن – في سن 42 الآن ونجاحه المهني الأسطوري يسمح له بالأحلام الكبيرة – يتطلع الى الإمساك بناصية القمة نفسها في ميشلان. لكن هذه كانت شركة مملوكة لعائلة وموعودة بالتالي لابنها إدوارد ميشلان. وهكذا صار أمام كارلوس غصن، ذي الطموح الذي لا يحده حد، منعطف على الطريق قاده الى شركة السيارات “رينو”.

كانت مهمته في منصب نائب المدير العام هنا هي تخفيض سعر هذه السيارات بخفض نفقات الانتاج، وكله في جو من العدائية ممن لم يقبلوا أن يكون شخص جديد في عالم السيارات ومقبل من شركة للإطارات ومن أميركا وبهوية هلامية (وخاصة بدون هوية فرنسية) في المركز الأول تحت القمة. لكن غصن نفّذ مشروعا شاملا لتوفير 20 مليار فرنك شمل إغلاق مصنع بأكمله وتسريح 3200 عامل، مما رد العافية للشركة. لكن غصن نفسه اكتسب لقبLe cost Killer (سفاح النفقات)، وكانت هذه هي السمعة التي سبقته الى اليابان.

بحلول 1998 كانت نيسان تقف على حافة الإفلاس التام وراحت تطرق أبواب العمالقة في صناعة السيارات، مثل “فورد” التي أغلقت الباب في وجهها. وانتهى المطاف بمرشحين هما رينو وديملر – كرايزلر قبل انسحاب هذه الأخيرة هي أيضا. هكذا كان لرينو ان تدخل في “تحالف” مع نيسان اشترت فيه 36.8% من رأسمال نيسان بخمسة مليارات دولار. ووقع اختيار مدير نيسان العام على نائبه غصن للمهمة. فأصبح بذلك أول مدير تنفيذي أجنبي للتحالف في اليابان وعموما رابع أجنبي يدير شركة يابانية.

في طوكيو عانت زيتا غصن من نقلة الى ما يشبه كوكبا آخر لا تفهم لغته ولا تستطيع قيادة سيارتها فيه ولا تعرف كيف تبني حياتها الاجتماعية فيه وكله مضاف الى القلق إزاء تعليم الاطفال، وتعين على الأسرة التأقلم بعد هذه الصدمة الثقافية ولكن بكثير من العسر.

قمة القمم

في النصف الثاني من الكتاب يسرد غصن قصة انتشاله شركة السيارات الشهيرة من براثن الإفلاس الكامل تحت وطأة الديون بمليارات الدولارات وتحويلها الى ماكينة تضخ الأرباح يوما بعد آخر، وكله في غضون سنتين لا أكثر.

يستعير غصن لسان الطبيب ليصف حالة نيسان في عنوان الفصل الحادي عشر: “تشخيص حالة المريض”. ثم يبدأ الطبيب مهمته التي يصفها بـ”العلاج بالصدمة” من إعادة الهيكلة الى خفض النفقات وتسريح العمال حيثما توجب وفي الوقت نفسه رفع مستوى الإنتاجية كماً ونوعا… الخ. وبحلول 2000 لم يتمكن من تسديد ديون نيسان (6.46 مليار دولار) وحسب، وإنما عاد عليها بصافي أرباح بلغ 2.7 مليار دولار. وكانت هذه بداية نجاح مذهل وصل بمبيعات نيسان السنوية الى 3.67 مليار سيارة في 2005، وهو العام الذي انتهى بغصن رئيسا لإدارة نيسان وأيضا رينو ومديرا تنفيذيا لكلتيهما، فصار أول شخص في العالم يدير شركتين من هذا الوزن في الوقت نفسه.

بالطبع فإن الكتاب (المنشور في 2006) لا يحوي بقية القصة المدهشة التي تجد، بين أبرز معالمها، الانتقال بتحالف نيسان – رينو منذ 2007 الى عالم السيارات عديمة الانبعاثات (على غرار “نيسان ليف”) والمهجّنة، أو توليه إدارة ثلاث شركات عملاقة عندما أضافت نيسان – رينو شركة ميتسوبيشي الى حظيرتها.

حلّال المشاكل

لا غرو انهم لقّبوه Mr. Fix It (حلّال المشاكل). وبفضل عقليته التجارية الفريدة أغدقوا عليه من أرفع التشريفات والجوائز وشهادات التكريم العالمية ما لا يحلم به زيد وعبيد. وخذ على سبيل المثال وليس الحصر أنه جاء في 2001 على صدارة أكثر رجال الأعمال تأثيرا على مجريات العالم وفقا لمجلة “تايم” الأميركية، مكتسحا حتى العمالقة من أمثال بيل غيتس. وخذ أنه نال وسام “فارس جوقة الشرف” من الحكومة الفرنسية، ولقب “فارس الامبراطورية” من الملكة اليزابيث، و”الوشاح الأزرق” من امبراطور اليابان. وفي موطنه لبنان شرّفه “ليبان بوست” (مكتب البريد اللبناني) بإصداره طابعا خاصا محدود العدد يحمل صورته في 2017.

هذا الكتاب درس في إدارة الأعمال وإن لم يكن من زاوية أكاديمية – وهذا مبرر لأنه كتاب للعامة وليس للمتخصصين وحسب. كما انه ليس وفياً بالكامل لعنوانه. فليست ثمة “أسرار خاصة” يبيح لنا بها المؤلف عن حشايا وخبايا إنقاذ الشركات الكبرى التي تولى قذفها الى الأعالي، لأن ثمة حلقات عدة مفقودة خاصة في ما يتعلق بالتفاصيل التقنية وما شابهها (عدا حديثه المقتضب، مثلا، عن “الصناعة المتقاطعة” وهي منتجات تباع بأسماء وعلامات تجارية عدة). ورغم ان الكتاب ينتهي زمنيا في 2005، فإن قيمته الحقيقية مزدوجة وهي، اولا، أنه توثيق لجزء من إحدى أهم الصناعات في العالم، وثانيا، أنه بلسان غصن عن حياته والوحيد الذي يفتح لنا منفذا مباشرا الى عقلية قل ما وجد مثيل لها. ولهذا كله يبدو هروبه الى بيروت من يد العدالة اليابانية مأساة تشطر القلب وكابوسا يجثم على كل متفائل بجدوى عيش الإنسان على هذا الكوكب.

المصدر: “اندبندنت عربية”

This post is also available in: English (الإنجليزية)

TOP