الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
“يحتاج اقتصادنا إلى العمل من أجل المزيد من الأمريكيين. يحتاج العمال الحاليون والمستقبليون إلى مسارات واقعية لوظائف معيشية بأجر. كما أنهم بحاجة إلى الوصول للتدريب والتعليم الضروريين للتأهل لوظائف أفضل”.
هذه العبارات تلخص الفكرة العامة لكتاب حمل عنوان “النمو بإنصاف: كيفية بناء الفرص والعدالة في تنمية القوى العاملة؟” للكاتبين ستيفن جولد سميث وكيت ماركين كولمان، اللذين يُحاولان تسليط الضوء على المبادرات التي نجحت في تقليل الحواجز أمام تطلعات العمال الحضريين، وإبراز أهمية العمل المجتمعي الجماعي في تنمية قوى العمل.
يقوم جولد سميث بمشاركة زوجته كيت في الكتاب، بعرض عشرة مبادئ تتعلق بتصميم بيئة العمل، اعتماداً على خبراتهما على مدار سنوات في حل المشكلات الاجتماعية، وقد اعتمدا على مقابلة القادة المحليين والخبراء في مجال القوى العاملة.
فرص غير متكافئة:
ذهب الكاتبان إلى أن العقود الماضية شهدت نمواً اقتصادياً هائلاً في الولايات المتحدة، لكن لم يتم تقاسم فوائد هذا النمو بشكلٍ منصف، ويتطلب النمو العادل للعمل المحلي إعادة التفكير في كيفية دعم مهارات من هم في سن العمل؛ حيث تكمن الفرصة الاقتصادية بعيداً عن متناول الكثيرين لاعتبارات تتعلق بالمكان الذي يعيشون فيه أو عرقهم أو تعليمهم.
وينتج النمو غير المتكافئ المزيد من فرص العمل غير المتكافئة، وتختلف المدن اختلافاً كبيراً في توزيعات النمو، ويوضِّح الكاتبان أنه يمكن قراءة ذلك اعتماداً على مؤشرات الماضي، فقد شهدت السنوات الأولى من القرن الـ21 عودة أعداد كبيرة من المهنيين وغيرهم من الحاصلين على شهادات جامعية من الضواحي إلى وسط المدن الأمريكية، حيث وجدوا المزيد من وسائل الراحة وتحسين الدخل. ومع الانتعاش من الركود في عام 2008، تشتت السكان مرة أخرى نحو الضواحي ومناطق أصغر، وانعكس ذلك في توزيعات غير متكافئة بين أصحاب الدخول المنخفضة والمرتفعة.
من ناحية أخرى، يعكس الفصل بين المدن حسب العرق والطبقة الاختلافات في الفرص أيضاً. في عام 1970، كان 65% من سكان المناطق الحضرية الأمريكية الكبيرة يعيشون في أحياء ذات دخل متوسط، ثم انخفضت نسبة الأشخاص في هذه الأحياء إلى 40% في عام 2012. مع وجود تناقضات صارخة بين الأحياء الغنية بمناطق التسوق المزدهرة والأحياء التي تواجه تحديات اقتصادية مع المنازل الشاغرة والمحلات التجارية المغلقة وعدد قليل جداً من الوظائف وتلوث البيئة.
سوق عمل فعال:
يتبنى الكتاب تعريفاً واسعاً للقوى العاملة يتضمن مجموعة أكبر من الأنشطة المصممة لتحسين مهارات وفرص العمال، وليس فقط تلك المرتبطة بمجالس استثمار القوى العاملة الممولة اتحادياً، ويعرض الكاتبان عشرة مبادئ على ثلاثة مستويات فردية، وتدريبية ونظام العمل، بما يخلق إطاراً للعمل المحلي والتعاون عبر القطاعات، الأمر الذي يشكل دعامة يمكن بناءً عليها تكوين نظام قوة عاملة أكثر إنصافاً، ونظام يوظِّف المزيد من الأشخاص وينقل آخرين إلى وظائف أفضل.
في المستوى الأول المتعلق بتطوير الأفراد، يركز الكاتبان على المبدأين الأول والثاني، وهما فهم نطاق الاحتياجات والاستجابات. ويشمل ذلك أنظمة تطوير القوى العاملة: الحكومة، والمعلم، وصاحب العمل، والوسطاء غير الربحيين، ولا تلبي هذه النظم احتياجات القرن الـ 21، لتركيزها على التوظيف، وبدرجة أقل على الانتقال بين الوظائف. كما تتوجه إلى العمال الحاليين وتغفل من يدخلون في فئة ما أسماه الكاتبان “الأصعب في الخدمة” كالمشردين، وأصحاب الإعاقات، والمسجونين سابقاً، والكبار سناً، وغير المتحدثين باللغة الإنجليزية، وذوي الدخل المنخفض، والشباب المنفصلين عن المدرسة والعمل، ومن هم في منتصف حياتهم المهنية، وعرضة لتأثيرات الأتمتة والعولمة، ولديهم مسارات محدودة للتنقل.
بالتالي، يجب على القادة المحليين صياغة أنظمة أكثر إنصافاً تلبي الاحتياجات المهنية المتباينة لسكانهم، بدءاً من الأشخاص الأصعب في الخدمة وحتى العامل الحالي. ومن النماذج التي يُقدمها الكاتبان في هذا الصدد برامج التدريب على المهارات التنفيذية، ومنها مشروع “ماي جولز” الذي بدأ عام 2017، ويعتمد على مخرجات علم الأعصاب وعلم النفس السلوكي المعرفي في دعوتهما إلى إزالة التوتر والفوضى الناتجة عن الفقر والتي تضعف المهارات التنفيذية للفرد، وما تؤدي إليه من إعاقة نجاح الشخص في التحرك في سوق العمل، واكتساب المؤهلات المهنية. ويجمع المشروع بين تقديم التدريب المنظم ومجموعة من الحوافز المالية لدعم المشاركين على مدى ثلاث سنوات، ويعمل على تنمية مهاراتهم الخاصة.
تنمية التدريب:
يطرح الكاتبان في مستوى آخر دور التنظيمات في توفير التدريب لسوق العمل، حيث يضم هذا المستوى المبادئ من ثلاثة إلى ستة. فالمبدأ الثالث هو التشجيع على التعليم. إذ أشارا إلى أن هناك شريحة بين القوى العاملة تُسمى “المتعلمين الطموحين”، وهم “الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 25 إلى 44 عاماً، ولم يحصلوا على تعليم جامعي، لكنهم يفكرون أو يخططون للتسجيل في مزيد من برامج التعليم أو التدريب”. هنا يأتي دور منظمات الخدمات والتعاون الإقليمي لمساعدتهم، واستيعاب ظروفهم الفردية التي أخرتهم عن مزيد من التعلم؛ لأنهم لا يعرفون من أين يبدؤون أو لا يستطيعون تحمل التكاليف. ومن هنا يُقدم المتدربون حلولاً لاحتياجاتهم تتضمن توفير الرسوم الدراسية والخدمات اللوجستية الأخرى لهم.
أما المبدأ الرابع، فهو إزالة العوائق أمام التعلم، حيث يهدف الكاتبان إلى البحث في الطرق المتعددة التي تعمل بها المنظمات مع الأفراد للتغلب على العقبات التي تتحدى مشاركتهم وإنجازهم، من خلال تقديم الدعم المباشر والتدريب للمتعلمين. كما يوفر التدريب ما يُسمى “المجتمع المتصل” الذي يسمح لهم بالالتقاء مع أقرانهم، ويمكنهم تبادل الخبرات مع بعضهم البعض، إذ يرون كيف يتعامل الآخرون ذوو الخلفيات المماثلة مع المهام اليومية والعقبات، وتتم هذه التفاعلات في أشكال عديدة من الجلسات الرسمية إلى التبادلات غير الرسمية.
وتُعتبر الدراسة العاجلة في برامج الزمالة (ASAP) من الأمثلة على هذا النوع، فهذا البرنامج تم تصميمه لمساعدة الطلاب المنتسبين الباحثين عن درجة علمية في الحصول على شهاداتهم في أسرع وقت ممكن في الولايات المتحدة الأمريكية. إذ يسعى إلى إزالة الحواجز النظامية والمسؤوليات الشخصية التي تمنع العديد من الطلاب من إكمال الشهادة من خلال توفير الدعم الأكاديمي والاجتماعي والمالي لهم.
ويهتم المبدأ الخامس بتحسين سياق عملية التعلم، حيث يحتاج العمال الحاليون والمحتملون إلى بناء المهارات الأساسية والمهنية، ويستشهد الكاتبان على ذلك بأن العديد من الأشخاص الذين تمت مقابلتهم في البحث، كانوا يفتقرون إلى مهارات القراءة والكتابة والرياضيات المطلوبة مع التعليم الثانوي، وبالتالي يحتاجون إلى التعليم العلاجي أو التنموي.
من هنا يتم طرح بعض الحلول لتنمية هذا النوع من التعلم منها التدريس والتعلم السياقي (CTL)، والذي يشمل مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات التعليمية والتربوية المصممة لربط تعلم المهارات الأساسية بالمحتوى الأكاديمي والمهني، من خلال تركيز التدريس والتعلم بشكل مباشر على تطبيقات ملموسة في سياق وظيفي محدد يثير اهتمام الطلاب.
أما المبدأ السادس، فيتعلق بإنشاء جسور التوظيف، إذ يمكن وصف هذا المبدأ بأنه “يضم برامج أفضل الممارسات التي تبني الطريق للعمال الذين يفتقرون إلى الخبرة والوصول إلى الوظائف”. وتكمن أهمية فكرة الجسور إذا تأملنا حال العمال ذي الأجور المنخفضة الذين يتطلعون إلى الانتقال لوظائف أعلى، لكن العوائق المالية والالتزامات العائلية تقف في طريقهم. ومن أمثلة البرامج على ذلك “التلمذة الصناعية”، والتي تأتي في العديد من الأشكال والأحجام، فهي توفر واحدة من أكثر جسور التعلم التجريبي شيوعاً؛ حيث يجمع البعض بين المدرسة والتعلم أثناء العمل.
وتصف وزارة العمل الأمريكية هذه البرامج بأنها نماذج “التعلم أثناء الكسب” التي يقودها صاحب العمل والتي تجمع بين الوظائف والتدريب، ويُعد اتحاد التعليم الصناعي المتقدم (FAME)، الذي تأسس عام 2010 أول تجربة في هذا المجال، قامت بها شركة تويوتا لحاجتها إلى وظائف تتطلب مهارات متوسطة، ويستضيف الآن 400 صاحب عمل على المستوى الوطني متدربين من جميع الأعمار يقسمون أسبوعهم بين المصنع والفصل الدراسي.
تحسين نظام العمالة:
طرح الكاتبان في المستوى الثالث من المبادئ العشرة لخلق سوق عمل أكثر إنصافاً لتحسين تصميم العمل على مستوى النظام ككل، ويشمل المبادئ من رقم سبعة إلى عشرة. فالمبدأ السابع، يتعلق باستخدام المهارات كعملة. يقصد الكاتبان من هذا المبدأ أن المهارات هي مرادف العملات، ومن ثم، يتم التركيز على الأفراد الذين يفتقرون إلى شهادات جامعية، لكن يمكنهم الصعود في السلم الاقتصادي إذا توافر لهم التوجيه والتدريب المناسبين. ويتم هنا التوفيق بشكلٍ أفضل بين مهارات المتعلمين والوظائف ذات الأجور الأفضل.
كما يتم التركيز على الاستراتيجيات التي ترفع من بناء المهارات وليس فقط الدرجات العلمية، للمساعدة في رفع العمال إلى وظائف أفضل، بما في ذلك تلك التي يُشار إليها عموماً بوظائف المهارات المتوسطة بالإضافة إلى المجموعة المسماة بوظائف التكنولوجيا المتوسطة.
ومن المؤسسات التي توفر هذا النوع من التدريب صندوق كلية نيجرو المتحدة (UNCF) وهي مؤسسة خيرية أمريكية تُمول المنح الدراسية للطلاب الملونين وصناديق المنح العامة لـ 37 من جامعات وكليات الملونين التاريخية، وتعاونت هذه المؤسسة مع مكتب رئيس البلدية في أتلانتا في إطلاق مشروع تجريبي يوفِّر مخططاً لنظام يعد العمال وأصحاب العمل بشكل أفضل للتوظيف القائم على المهارات.
ويرى الكاتبان أن التركيز على المهارات يرفع القدرات ويعوض جزئياً عن النظام الذي يجعل من الصعب على العمال الملونين الحصول على الكليات لمدة أربع سنوات. بالنظر إلى افتقار الأشخاص الملونين إلى المؤهلات التعليمية التقليدية اللازمة للوظائف عالية الجودة. على سبيل المثال، فإن 35% من البالغين البيض حاصلون على درجة البكالوريوس أو أعلى مقابل 21% من الملونين و15% من ذوي الأصول الإسبانية/ اللاتينية. ووفقاً للكتاب، يُساعد استخدام مسارات بديلة قائمة على المهارات في تعويض الآثار السيئة لأوجه عدم المساواة هذه.
أما المبدأ الثامن، فيتعلق بالالتزام بالشفافية، حيث يُركز هذا المبدأ على “قيام أكبر عدد من الأفراد بتحسين قدرتهم على اتخاذ خيارات مهنية صحيحة في ضوء توافر معلومات واضحة وسهلة الفهم يمكنهم من خلالها حساب العائد على استثمار التدريب والمهارات والدرجات العلمية”. ومن الأمثلة على ذلك المقارنة المعيارية التي تتطلب تصنيفاً متفقاً عليه للمهارات وطريقة قياس قيمة الدورات أو الخطوات إلى وظائف أفضل، ومن المبادرات المهمة في هذا المجال مبادرة تُسمى Ascend””، لطلاب المدارس الثانوية والجامعات الملونين وكذلك الأفراد من خلفيات منخفضة الدخل، لتدعمهم من خلال الانتقال من التعليم إلى القوى العاملة، عبر تجميع البيانات الإقليمية المهمة التي يستخدمونها.
ويركز المبدأ التاسع على عوائق البيئة الفيزيقية، حيث يواجه العديد من العمال تحديات يومية تجعل من الصعب عليهم الحصول على عمل بأجر معيشي أو الحفاظ عليه، منها الحواجز المتعلقة بوسائل النقل وخيارات رعاية الأطفال، والتراخيص، وفرض ضرائب. بالإضافة إلى ذلك أوضح الكاتبان أن أي حديث عن تلك العوائق لا يخلو من الإشارة إلى التحيزات العرقية، معتبرين أن هذا التحيز الذي تجيزه الحكومة في إنتاج التوزيعات الحالية للفقراء الملونين من خلال استخدام قيود تقسيم المناطق، وإعادة تحديد الرهن العقاري، وتحديد مواقع المساكن العامة في المدن، أجبر “العائلات الملونة” على الاحتشاد في مناطق غير مرغوب فيها، حيث تكون وسائل الراحة قليلة، والمساكن في كثير من الأحيان متهالكة.
من هنا، يأتي دور برامج التدريب لمساعدة الأفراد على الوصول إلى تلك الخدمات والتغلب على حواجز البيئة. ومن تلك الحلول زيادة النسبة المطلوبة من المساكن الميسورة التكلفة، ومراجعة قوانين الإسكان.
أخيراً، يدعو الكاتبان في المبدأ العاشر إلى التنظيم من أجل التعاون، إذ أكدا ضرورة التعاون والحاجة إلى وسيط يعمل كمدير شبكة تجمع بين أصحاب المصلحة عبر القطاعات المختلفة، حيث تُعاني المؤسسات المحلية المعنية عدم وجود منظور حول احتياجات المنطقة، وغالباً ما تكون لديها معلومات غير كافية حول المهارات المرتبطة بالوظائف المطلوبة. ومن الأمثلة على الهيئات التي تلعب دور التنسيق، مجالس استثمار القوى العاملة (WIB) وهي كيانات إقليمية، أُنشئت لتنفيذ قانون استثمار القوى العاملة لعام 1998 في الولايات المتحدة، توجد هذه الكيانات على المستويين الاتحادي والإقليمي وتُشارك في عمليات التعاون التي تم تشكيلها لمعالجة المهارات.
This post is also available in: English (الإنجليزية)