الوصف
لن يتأخر الشاعر في التصريح بأنَّه ابن لحظةٍ بعيدة كان فيها طفلاً ربَّت أحدٌ على رأسِه، وساخراً لا يستعيدها الآن، إلاّ ليُواصل شيئاً من اللَّعب على حبلِ الكتابة المعلَّق بين أضداد متعدِّدة، أهمُّها الأنا التي تتشبَّث بعزلتها في مقابل العالم والآخرين، عابراً بخفة بين اليومي والهامشي إلى الأسطورة والتراث النائم في الحكايات. في هذه المسافةِ يتحدث أحمد ندا عن اسمه، كما لو أنَّه يُخاطب شخصاً آخر قادماً من حياة وأحلام أخرى:
ثمَّ يأتيني كلَّ يوم
في النوم
ليُخبرني ما كنت سأكونه
وقد استلقى هانئاً
داخل ألِفٍ لينة
وثيرة
فيما تصفعني
ألِفٌ ممدودةٌ كالسوط.
في قصائده يلاعبُ أحمد ندا الحروف والكلمات وما ارتبط بهما من ذاكرة لغوية ومكانية، مُزيحاً عنها سطوة التاريخ وهالة التقديس. كما أنه يبني نصوصاً تتكئ ـ أحياناً ـ في مجملها على المفردة الواحدة، في مساحةٍ صغيرة يُعمِلُ ندا كلَّ حواسه ليجعل من خلالها القصيدة سبباً كافياً لاختراع أشخاص وأشياء وعوالم جديدة. العنوان الكلمة هو ما يميّز غالبية القصائد، سواء بالعربية أو بالانجليزية، بل إن تكرارها يأتي مرَّة مرقماً وفي أخرى يكتفي بذات الكلمة، كما في قصيدة الصباح التي تختلف عن قصيدة الصباح الثانية التي ضمَّها الكتاب:
أصحو كلَّ يومٍ وفي نيّتي
قَتْل أوّل شخص يُلقي عليّ تحيّة الصباح
اليوم
نظرتُ إلى المرآة
وقلتُ:
صباح الخير، يا أحمد.
هكذا، يقايض صاحب “بعد ذهابهم بقليل” الحياة بجسده الذي يُمزِّقه قطعاً صغيرة في آخر نص، يقايض السنوات بقصائده ونصوصه التي يقول أنها فاسدة. لكنه، بحِيَل الشاعر وذكائه، وبلغةٍ تمسك بخفةٍ المعنى، يجعلها صالحة لسيرة شعرية كاملة، تشي بخيبات الشاعر وأحلامه، بعيداً عن البلاغة التي يلعب بها “كما يُدخِل طفلٌ مسماراً، في مَقْبِس الكهرباء”.
في قصيدة “وصية” يقول أحمد ندا:
الكلام كلّه وشاية، يا أصحابي
والجنون الذي يترفّق بي لحدّ اللحظة
أصابني بالشَّلَل
ألْصِقُوني بالكلمات المناسبة
أُحكُوا عنّي كحدّوتة للعيال
أو انسوني
كما تنسون أسماء الشوارع
أنا واقفٌ في آخر العالم
أتثاقل من كثرة الملائكة على كتفي.
“بألف لينة” لأحمد ندا، مجموعة شعرية صدرت في 160 صفحة ضمن سلسلة براءات التي تصدرها الدار وتنتصر فيها للشعر، والقصة القصيرة والنصوص، احتفاءً بهذه الأجناس الأدبية.