بونهوفر. طريق للحرية

عنوان الكتاب بونهوفر. طريق للحرية
المؤلف الويس برنتس
الناشر Gabriel Verlag / Thienemann Verlag
البلد ألمانيا
تاريخ النشر 2018
عدد الصفحات 272

أشتري الكتاب حقوق الترجمة

الوصف

This post is also available in: English (الإنجليزية)

كان ديتريش بونهوفر في الحادية والعشرين عندما حصل على درجة الدكتوراه في علم اللاهوت، وحصل على الأستاذية وهو في سن الرابعة والعشرين. وفي سن التاسعة والثلاثين شُنق بأمر من هتلر في التاسع من إبريل 1945 في معسكر أعتقال “فلوسنبورج” (جنوب شرق ألمانيا)، بوصفه عضوًا في مجموعة الأدميرال كاناريس للمقاومة. وبعد شهر واحد حرر الجنود الأمريكان المعسكر. وانتهت الحرب العالمية الثانية.

لا يتم تقدير بونهوفر اليوم فقط لكونه عنصر مقاوم لا يلين ورائد من رواد المسكونية، بل هو أيضًا باقيٍ في قصائده. وصلنا نص من ضمن ما خطه بقلمه من نصوص أخرى بعنوان: “آمنين بشكل رائع بفعل القوى الخيرة”، أحد أشهر التراتيل الكنسية التي تُرجمت من الألمانية إلى لغات كثيرة.
في الواقع لا عجب في أن يتخذ ألويس برينس، كاتب السير الشخصية، من شخصية بونهوفر عنوانًا وبطلاً للقصة.
فهكذا وجدت العديد من الحكايات القدرية، التي صاغها برينس حتى الآن. فهناك أيضًا العديد من السير الذاتية في سياق الخصائص الاستثنائية للمسيحية.

مثل الصورة الواضحة للقديسة تريزا المتصوفة من مقاطعة “أفيلا” الأسبانية من القرن السادس عشر، وكذلك بولس الرسول وفرنسيسكوس أسيسي مؤسس جماعة رُهبان الفرنسيسكان في القرن الثاني عشر في فرنسا. حيث يتعامل كاتب السير بتعاطف صريح مع كل شخصية من هذه الشخصيات، بدون الخضوع لخطر إظهار المثالية.
يتميز كتاب بونهوفر “مسارات الحرية” أيضًا بتلك الميزة الخاصة. يقدم برينس وصفًا مثيرًا للاعجاب لحدث الاعدام في معسكر الاعتقال في “فلوسينبورج” في الصفحات الأخيرة، مع وصف متعدد الأوجه للتطورات الشخصية والفكرية لعالِم اللاهوت: بونهوفر المولود في برسلاو عام 1906 كسادس طفل من ثمانية أطفال لأسرة كبيرة من الطبقة المتوسطة. ترعرع في برلين، وأظهر في سن مُبكرة علامات الموهبة في مجالات كثيرة متباينة. ربما كان بإمكانه أن يسجل لنفسه نجاح كرياضي أو كعازف بيانو.

كان قراره بدراسة علم اللاهوت بالتحديد قد لاقى قليل من الحماس في نفس أبيه كارل بونهوفر طبيب الأعصاب الشهير. وأخيرًا قرر الشاب ديتريش بونهوفر ورغم تفوقه الأكاديمي، أن الجامعة لا تناسبه، وبدلاً من ذلك أراد أن يكون قسًا.
وفقًا لبرينس، أدرك بونهوفر أن عمله الحقيقي يجب أن يكون في خدمة الناس. وعندما قضى عدة أشهر من عام 1930 في نيويورك: زار هناك مجتمعات السود من الأمريكان ذي الأصول الأفريقية في هارلم، وأنكشف له نوعًا جديدًا من المسيحية  من خلال التراتيل الإنجيلية وأسلوب الوعظ المميز. وبعد عودته إلى ألمانيا لم يصبح فقط من دعاة السلام بل أيضًا شديد الحساسية تجاه الوضع السياسي والاجتماعي.
يستحضر لنا برينس هذه الشخصية بكل تعقيداتها وتناقضاتها، من خلال ولعه بالموسيقى والملابس الأنيقة والرحلات البعيده  فبدا كشخص أنيق نموذجي  لجمهورية فايمار. لكنه غالبًا ما يبدو قليل الحيلة أمام النساء، على الرغم انه لم يكن يريد شيئًا حسيًا أكثر من شريكة لحياته.
كان يشع عزم وثقة- أيضًا عندما كانت تحتد داخله أزمات الهُوية والمعتقد. ومنذ الطفولة كان بونهوفر يعتبر أن من واجبه أن يكون قدوة للأخرين، وأن يحافظ على هذا  الموقف الأخلاقي في كل حال. لكن هل جعله ذلك بشكل تقائي مقاومًا بطوليًا؟ يعرض برينس للقارئ وبدون الإشارة بشكل مُباشر، أن أقوى الشخصيات لم تكن بمأمن في مواجهة ضمائرهم:
في إبريل 1933 – بعد وصول النازيين للسلطة بقليل –  توفي والد زوج أخته التوأم زابينا، وكان يهودي الديانة. أرادت الأسرة أن يقوم ديتريش بطقوس الدفن، لكن رئيسه نصحه بعدم فعل ذلك “دفن يهودي في هذه الأيام”. وعمل ديتريش بالنصيحة، لكن بعدها بقليل ندم واعتذر لشقيقته عن جُبنه. وسامحته، لكنه هو لم يسامح نفسه.
ومنذ لك الحين تحدث بونهوفر بلا كلل ضد الظلم السائد، طبع المنشورات وسافر للخارج محذرًا من خطر الحرب من ألمانيا، وسرعان ما سُحبت منه رخصة التدريس وفيما بعد عوقب بالمنع من الوعظ والكتابة. لكنه لم يترك نفسه بسبب ذلك فريسه للخوف.

أوضح برينس بدقة إلى جانب السلاسة الدور الذي لعبه بونهوفر في نضال الكنيسة، وهكذا أصبح هذا اللاهوتي أكبر ممثل جسور لما سمي آنذاك ” الكنيسة المعترف بها”، التي حددت نفسها ضد سياسة معداة السامية من قبل ” المسيحيين الألمان” التابعين لهتلر.
سافر بونهوفر إلى الولايات المتحدة الامريكية عام 1939 مرة اخرى. كان من المتوقع له أن يكون أستاذًا في هارلم، وان يكون بذلك بعيدًا نسبيًا عن الخطر في كونه منفي. لكن هذه المرة انتصر الضمير على الحاجة للأمان، فبعد أربعة أشهر عاد بونهوفر على الباخرة مرة أخرى إلى ألمانيا النازية، حيث بدأ العمل في “قلم المخابرات العسكرية” تحت اشراف فيلهلم كاناريس. رسميًا هو في خدمة الاشتراكيين القوميين، لكنه بشكل غير رسمي كان يعمل بوصفه رجل الرب السري، حيث دعم أولئك الذين شاركوه الرأي أن اغتيال هتلر هو الحل الوحيد المتبقي.
القصيدة المذكورة في البداية “آمنين بشكل رائع بفعل القوى الخيرة” أرفقها بونهوفر في رسالة كتبها من سجنه الكائن في حي تيجل ببرلين لخطيبته ماريا فون فيدماير في عيد الميلاد عام 1944. وفقًا لبرينس، كان بونهوفر في تلك اللحظة واثقًا بأنه سيكون  قريبًا حرًا ويستطيع أن يبدأ الحياة أخيرًا مع عروسة الشابة البالغة من العمر 18 عامًا، وكان يحلم بذلك طويلاً. لكن عندما تم العثور بعد ذلك بقليل على السجلات السرية الخاصة بفيلهلم كاناريس المعتقل أيضًا، عرف هتلر لأي مدى كان “قلم المخابرات العسكرية” ضالعًا في مخطط الهجوم عليه.

وكان مصير بونهوفر قد تحدد. لم يفقد شيئًا من هدوئه الصافي الحقيقي حتى وهو في مواجهة الموت المحتوم. استند برينس هنا بشكل أساسي على تقارير شهود العيان آنذاك، ولم يحاول لحسن الحظ اللجوء لتفسير نفسي حول ثبات بونهوفر الرائع والخارق. هكذا انتهت سيرة الإنسان، الذي كان في حياته ديتريش بونهوفر، مع إنحناءة أمام البطل، لحظة موته.

This post is also available in: English (الإنجليزية)

TOP