الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
كيف يمكن أن يجد المرء نفسه أثناء الهروب؟
وهكذا كانت حال السيد هايزه، المسن الذي يتعارك دومًا مع مرافقاته في دار رعاية المسنين. أطلق على الكلب اسم “بيلكانتو” بسبب صوته الجميل، ولا يحب أن يشاركه فيه أحد آخر. ولأن الرجل العجوز لا يستطيع تدبير أمره بمفرده في العالم الخارجي، فقد ارتبط ببيلكانتو والصبي الذي لا يحبه حقيقةً.
تحكي كريستا لودفيج في روايتها بلا عاطفية مفرطة كيف يتعارك روبين والرجل العجوز خلال رحلتهم البرية في جنوب ألمانيا، فالرجل يسخر من الصبي لامتلاء جسده بلا رحمة بملاحظاته اللاذعة التي تؤثر في القارئ، وذلك لأن الطفل يبحث على استحياء عن توجيه من المسافر الجاف الذي كان يقوم في البداية بإعطائه الأوامر بشكل فظ.
ولكن ما لبثت صعوبات السفر أن زادت الاثنين قرباً، وإن كان قرباً هشاً سرعان ما يذهب مع الريح عن طريق كلمة طائشة. تسرد كريستا لودفيج من منظور الصبي الذي كان يلحظ بحساسيته المفرطة زلات لسانه. وعندما أنهى العجوز أمراً وجهه إياه لأول مرة بكلمة “من فضلك” اعتبر روبين ذلك علامة للاحترام الذي استطاع انتزاعه منه.
كان الكلب بمثابة كل شئ بالنسبة للاثنين، وعندما انجرف الكلب عن سوء فهم إلى المنحنى الخطر لجدول ماء بين الجبال أصبح الأمر مثيراً. أنقذته فتاة تدعى أولجا، أحبها روبين، وأضحى الهاربان يتعاونان برغم إختلافهما بشكل هادئ، يجمعهما رغبات يصعب تحقيقها، وفي حين كان روبين يحاول الهروب من جسده، كان هايزه يريد إصلاح أخطاء قديمة ارتكبها في حق أسرته. تربطهما الأماني الغير محققة هنا وهناك. وإن نجح روبين في النهاية الدرامية للرواية أخيراً في إيجاد أفق جديد لحياته. فكان قرارهما في التخلص من الأفكار المتحجرة ولو عن طريق الهروب أثرها في تغيير الاثنين.
تكمن قوة إقناع الرواية في المثابرة التي تميزت بها كريستا لودفيج في حرصها على الصدق في رسم شخصياتها. واستخدمت هنا المعادلة القديمة للرحلة البرية الذي يبدأ فيها التغير الداخلي للشخصيات موازياً للتحرك الخارجي بدون الحاجة إلى تزيين الخلافات. ليس هناك ابتذال، حتى فيما يتعلق بدور الكلب، فهو يلعب دور العامل المساعد المحفز أكثر من كونه منقذاً. وهنا تظهر معرفة الكاتبة بردود فعل الكلب وتركيبته النفسية دون إضفاء صفات إنسانية عليه، فظل بيللكانتو طيلة الرواية كائن مستقل. والبهجة التي تنشأ لرؤيته تضفي على الرواية لحظات من السعادة تضمن لها النجاح وذلك لأن تلك السعادة يصعب تفسيرها.
This post is also available in: English (الإنجليزية)