الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
يعتقد كثيرون أن الحركة النسوية المطالبة بحقوق المرأة والداعية إلى المساواة مع الرجل بدأت في القرن التاسع عشر في أوروبا، لكن الفيلسوفة والكاتبة الفرنسية سيفرين أوفريه ترى أن هذه الفرضية غير صحيحة على الإطلاق، وأن الأفكار المطالبة بحرية المرأة وحقوقها أقدم بكثير جدًا، ويمكن تتبع تاريخها إلى زمن الحضارة الإغريقية.
هذا ما جاء في أحدث مؤلفات أوفريه، ويحمل عنوان “تاريخ الحركة النسوية: من اليونان القديمة إلى اليوم” من منشورات أوبزرفاتوار 2018، ويقع في أكثر من 700 صفحة، وضمن أربعة محاور زمنية رئيسة.
البدايات
خصصت الكاتبة المحور الأول للبدايات والظروف التي رافقتها، وشرحت طريقة تراكم الأفكار المعارضة للأعراف والتقاليد السائدة التي تعتبر المرأة مواطنًا من الدرجة الثانية، وتجرّدها من طبيعتها الإنسانية ومن حقوقها الأساسية.
لهذا الغرض عادت الكاتبة إلى مصر القديمة وإلى أميركا في عصر ما قبل كولومبوس، وإلى اليونان القديمة، وإلى منطقة الشرق الأوسط، وتابعت جملًا ومواقف نسوية متناثرة هنا وهناك، سجلها التاريخ بشكل خجول، وعلى مضض، ورصدت شخصيات أدت أدوارًا مهمة في مجال التذكير بحقوق المرأة أو في مجال معاداتها.
خصصت الكاتبة عددًا من الصفحات للشاعرة الإغريقية صافو، وحللت الأساطير اليونانية القديمة، والصور التي تحملها عن المرأة، وعرجت على روائي ومسرحي معروف، هو يوربيديس، قبل التحدث عن الأمازونيات وعن مفهوم الأنوثة لدى أرسطو وأفلاطون، وبعدها انتقلت إلى روما والشرق الأوسط في مصر ووادي الرافدين، وتابعت صورة المرأة لدى الهندوس والبوذيين. ودرست الكاتبة أيضًا تقاليد أفريقيا ونظرات شعوبها إلى المرأة.
الطباعة والثورات
ترى الكاتبة أن عصر النهضة الأوروبية واختراع الطباعة ساهما بشكل كبير في تشجيع المرأة على التعبير عن أفكارها والمطالبة بحقوقها، وقد تابعت في هذه الفترة التي تنتهي بانهيار النظام القديم عددًا كبيرًا من الشخصيات التي تركت أثرها في هذا المجال سواء من النساء أو الرجال.
أما الزمن الثالث فيبدأ بالثورات ضد الملكيات في أوروبا، وينتهي في عام 1968. وكانت تلك فترة شهدت مشاركة نسوية واسعة وملموسة جدًا في التظاهرات والأدب والصحافة، مع تعبير واضح عن مطالب أساسية تتعلق بحقوق مسلوبة وأفكار سائدة بالية. ومن النساء الجديرات بالإشارة إليهن هنا شارلوت كورديه.
في هذه الفترة أيضًا ظهرت صورة جديدة للمرأة صنعها الكاتب الفرنسي إميل زولا برواية “نانا”، ثم ظهرت البوفارية، نسبة إلى رواية جوستاف فلوبير “مدام بوفاري”.
1968 وما بعده
شهد هذا العام تحركات واسعة في مختلف أنحاء العالم، وسجل حالات تمرد سياسي واجتماعي وشبابي، تردد صداها في مناطق مختلفة من أوروبا والولايات المتحدة، ومهد إلى بروز موقف نسوي، ساعدته ظروف تلك الفترة على التعبير عن آراء أكثر عمقًا والمطالبة بحقوق أوسع، باستخدام لغة تميزت بجرأة كبيرة.
وفي عام 1971 صدر ما يُدعى بـ “مانفيستو 343” الذي وقعته 343 إمرأة بارزة طالبن بحق النساء في التمتع بكل الفرص المتاحة للرجال وعلى مختلف الأصعدة والمستويات، كما طالبن بحقهن في الإجهاض وبتسهيل الحصول على موانع الحمل واتخاذ أي قرار يتعلق بأجسادهن.
وقد قامت الكاتبة والفيلسوفة الفرنسية سيمون دو بوفوار بصياغة هذا المانفيستو، ووقعت عليه شخصيات مهمة، مثل الكاتبتين مارغريت دورا وفرانسواز ساغان، والممثلتين كاترين دونوف وجان مورو. وقد واجهت فرنسا بسياسييها ومثقفيها هذا البيان بتعبير واحد هو “مانفيستو 343 ساقطة”.
لكن كل ذلك لم يردع النساء الناشطات في مجال المطالبة بحقوقهن، إذ ظل الصراع مستمرًا داخل فرنسا وفي أوروبا، وامتد أيضًا إلى مناطق أخرى من العالم، حيث شهدت كل دول العالم تقريبًا حركات مشابهة تطالب بالحقوق، وتثور على النظرة التقليدية عن المرأة، باعتبارها كائنًا لا ينفع إلا للإنجاب وإرضاء رغبات الرجل.
يروي كتاب أوفريه تاريخ الحركة النسوية بشكل عام، وقد اختارت الكاتبة طريقة سرد تعتمد على شخصيات منتقاة من مختلف أنحاء العالم، ومن حضارات متعددة ممن تركت أثرًا مهمًا في هذا المجال، فجاء كتابها جامعًا ومتكاملًا ومتعدد الثقافات، مع اهتمام شديد بالدقة في نقل المعلومة وتبيان مصادرها الأصلية.
إيلاف
This post is also available in: English (الإنجليزية)