الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
شهدت أسواق رأس المال تحولًا جذريًّا في العقدين الأخيرين من القرن الحادي والعشرين، حيث حلت أجهزة الحاسب فائقة السرعة محل منصات التداول التقليدية. وبعد أن كانت البورصات المركزية تضمن الشفافية في تعاملات المتداولين، أضحت اليوم مُجزأة إلى مجموعة من البورصات ومنصات التداول المنافسة، وتحمل في طياتها عوامل فساد كثيرة.
وفي هذا الإطار، يتناول كتاب بعنوان “تصميم الظلام: القوة الخفية في أسواق رأس المال العالمية” لأستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة أكسفورد “والتر ماتي”، الأخطار غير المرئية لتجزئة الأسواق، ونشوء ما يُسمى بـ”الصندوق المشترك المظلم”، وقد تم تصميم بعض هذه الأسواق عن عمد لتمكين نقل الثروات من الضعيف إلى القوي. ويتتبع المؤلف سقوط نموذج التبادل التقليدي المتمثل في بورصة نيويورك، وكيف تم استبداله بالأسواق المجزأة ذات الحوكمة السيئة، والتي يعمل بها بعض المشتغلين لتحقيق مصالحهم الخاصة، وتعظيم أرباحهم على حساب الآخرين.
ينظر “ماتي” إلى الأسواق المالية أو البورصات باعتبارها كيانًا سياسيًّا أكثر منها كيانًا اقتصاديًّا، فهو يرى أنها مؤسسات سياسية تحكمها علاقات القوة؛ حيث تضم أعضاء مختلفين لكل منهم رؤيته الخاصة فيما يتعلق بهيكل السوق والقواعد التي تحكمه، وعندما يمتلك هؤلاء الأعضاء نفوذًا متماثلًا تكون النتيجة حلًّا وسطًا ديمقراطيًّا يسود فيه الصالح الأكبر.
على صعيد آخر، يرى الكاتب أنه عندما تحصل المؤسسات المالية على درجة كبيرة من القوة والنفوذ، فإنها قد تتخطى هيكل السوق لصالحها. وما سبق حدث في سوق الأسهم العالمية مؤخرًا، حيث قام أكبر البنوك وشركات الوساطة بإعادة تشكيل الأسواق لخدمة أغراضه الخاصة.
وروى “ماتي” قصة توضح حجم التغيرات التي حدثت في القواعد الحالية المنظِّمة للأسواق المالية؛ حيث أخبر “بوب سيجاس” الموظف البالغ من العمر 33 عامًا في بورصة نيويورك، عن زميل له في العمل تم تغريمه في الثمانينيات من القرن العشرين مبلغ 50 ألف دولار، بما يُعادل أكثر من 100 ألف دولار حاليًّا، لأنه ترك مكتبه لمدة ثماني دقائق دون إعطاء تعليمات كافية لمساعده.
وكان الرجل يعمل كوسيط بين المشترين والبائعين، وجزء من وظيفته هو الشراء في ضغوط البيع، أي شراء الأسهم حتى مع انخفاض أسعارها لضمان استمرار التداول بسلاسة، وعندما غاب لدقائق عن العمل، ولم يواصل مساعده الشراء، انخفض بحدة سعر السهم الذي كُلف بالإشراف عليه.
ويوضح الكاتب أنه منذ الثمانينيات وحتى نهاية السنوات الأولى من القرن الحالي، كان من المؤكد تقريبًا معاقبة أي خرق لقواعد العمل المنظِّمة، مما عزز الثقة التي كانت لدى جميع المشاركين في السوق. ولعب المتخصصون دورًا رئيسيًّا في الحفاظ على تلك الثقة، فقد فهموا أنماط التداول، وعرفوا كبار المشترين والبائعين، وحققوا الأرباح بشفافية، محاطين بالتجار الذين شاهدوا كل تحركاتهم.
المصدر: مركز المستقبل للأبحاث والدراسات
This post is also available in: English (الإنجليزية)