الوصف
حين ألّف الباحث اللبناني ناصيف نصار كتابه تصورات الأمة المعاصرة: دراسة تحليلية لمفاهيم الأمة في الفكر العربي الحديث والمعاصر ، الصادر حديثًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (الطبعة الثالثة، 528 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا)، جعل محوره تصوّر الأمة في الفكر العربي الحديث والمعاصر. وليس المقصود بتصوّر الأمة هنا التصوّر المنطبق على الأمة العربية وحدها، بل أي تصوّر نظري للأمة من أجل معرفة أشد مطابقة للواقع من المعرفة الأيديولوجية الخاصة بالقومية العربية.
حلل الباحث نصوصًا طرحت تعريفات للأمة، صراحة أو ضمنًا، أو نصوصًا قدّمت أي عنصر يمكن استغلاله لتركيب تصوّر معين للأمة، فتبيّن له أن ما أنتجه الفكر العربي الحديث والمعاصر من تعريفات للأمة يتوزع إما على التصورات الدينية وإما على التصورات اللغوية وإما الإقليمية وإما السياسية التي تجعل من الدولة المحدد الأساس الأول للأمة.
يضم الكتاب ثلاثة أقسام، في القسم الأول، التصوّرات الدينية، ثلاثة فصول. في الفصل الأول، التصور الديني التوفيقي، يفصّل نصار التصور الديني التوفيقي للأمة الذي هدف إلى إحياء قدر معين من الوحدة بين المسلمين، نظرًا إلى تعذر تحقيق الوحدة الشاملة التامة بينهم، ويقوم على إرادة إخراج المسلمين من وضع الانحطاط والتفكك، باستلهام الأنموذج الأصلي لوحدتهم، وبالنظر إلى إمكانات تحركهم نحو الوحدة. وهو توفيقي لأنه صادر عن اقتناع أن الأنموذج الأصلي لوحدة الأمة الإسلامية لا يمكن تحقيقه مرة ثانية، إلا بمواجهة التعدد المذهبي والتعدد القومي أو الوطني، وتحدي الحضارة الغربية الحديثة.
في الفصل الثاني، التصور الديني السياسي، يرى نصار أن التصور الراديكالي المثالي للأمة ناتج من نظرة سلفية راديكالية مصممة على تجاوز الواقع في اتجاه بعث الوحدة الإسلامية الشاملة. والمعبّر الأقوى عن هذه النظرة الراديكالية هو جماعة الإخوان المسلمين الموصوفة بحق أنها كبرى الحركات الإسلامية الحديثة. وبحسبه، يستطيع المؤرخ تركيز بحثه على فكر جماعة الإخوان المسلمين من دون التنبه إلى الصلات العميقة التي تربط هذا الفكر بتعبيرات شبيهة، بعيدة أو قريبة في التاريخ، ومن دون التنبّه إلى أن مسألة درجة الأصالة في التصور هي إحدى المسائل التي ينبغي اعتبارها في التاريخ العيني للفكر الاجتماعي فحسب، وليست بالضرورة المسألة الأهم.
في الفصل الثالث، التصور الديني اللاسياسي، يعني الباحث بهذا التصور ذاك الذي يرى أن وحدة الدولة ليست مقوّمًا ضروريًا من مقوّمات الأمة القائمة على رابطة الدين، “ويستتبع هذا التعريف القول إن تعدد الدول في إطار الأمة الدينية ليس مجرد تجزئة سياسية لهذه الأمة، وإنما هو مظهر لتعدد الجماعات، القومية وغير القومية، فيها، ومدخل إلى فهم الاختلافات والفواصل بين عامل الدين وعامل السياسة”. ويمكن وصف هذا المسلك بأنه واقعي نقدي؛ إذ وجد أن الواقع التاريخي العميق تخطى طور الوحدات الدينية الشاملة وطور تركيز الدولة على الدين، وترك الباب مفتوحًا لأشكال جديدة من الاتحاد في الدين.
في ملاحظات ختامية، يقول نصار إن الأمة السورية كما تصوَّرتها الأيديولوجيا القومية السورية لم تتمتع بعامل وحدة الدولة كما تمتعت به الأمة المصرية وفقًا لما جاء في الأيديولوجيا القومية المصرية، “ومن هنا تشعبت المناقشة بين التصور الإقليمي للأمة والتصورات المعارضة له شعبتين، وأنتجت موقفين متباينين من قضية الدولة القائمة، ومن قضية العلاقة بين الدين والأمة والدولة أيضًا. فالأيديولوجيا القومية الإقليمية المصرية أقدر من الأيديولوجيا القومية الإقليمية السورية على المساومة مع التصور السياسي للأمة الذي ينطلق مما هي حاصلة عليه، أي عامل الدولة”.
للمزيد من الكتب.. زوروا منصة الكتب العالمية