الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
مؤخّراً، صدرت النسخة الفرنسية من كتاب “ثورة النخب” La Révolte des élites: ET LA TRAHISON DE LA DÉMOCRATIE عن منشورات “شان” بترجمة الباحث كريستيان فورييه. الانتباه الفرنسي يبدو مرتبطاً بسياقات البلد الداخلية فقد اهتزّ النظام في فرنسا في السنوات القليلة الأخيرة بشكل لافت، بدأ الأمر خلال انتخابات 2017 التي أفرزت طبقة سياسية جديدة بالكامل، ثم تبلور ذلك بشكل لافت مع مظاهرات حركة “السترات الصفراء”.
في كتاب “ثورة النخب”، يقدّم “كريستوفر لاش” بعض التصوّرات التي يمكنها أن تفسّر ما حدث ومن ذلك اشتغاله على تحوّل منطق الفضاء العمومي الذي يفترض أن تتحكّم فيه الفئات المهيمنة ولكن ذلك هو ما يفضح انفصالها عن المصالح العامة وبالتالي يسرّع من الخروج من حالة التوافق الاجتماعي إلى وضعيات من الغضب الشعبي.
خلال القرن التاسع عشر، اعتبرت “ثورة الجماهير” هي الخطر الأكبر على الدول، ولذلك خلفية متعلّقة بما آلت إليه الثورة الفرنسية نهاية القرن الثامن عشر؛ حيث انقلب حال فرنسا من أكثر بلد أوروبي مستقر إلى ميدان للفوضى والانقلابات. غير أن هذه الصورة (السلبية) التي ارتبطت بفكرة “ثورة الجماهير” كان مردّها أن الكُتّاب والمؤرّخين والفنانين كانوا في ذلك الوقت مرتبطين في الغالب بالأُسر الحاكمة في ألمانيا والنمسا وبريطانيا وهولندا وغيرها، وبالتالي اتّسمت مقولاتهم بما لهذه الأسر من انتظارات وترقّبات.
حدثت بعد ذلك في التاريخ ثورات كثيرة، في بلدان متعدّدة من العالم، وهو ما غيّر الكثير من الانطباعات تجاه مفهوم “الثورة”، وفي الأثناء لم تعد الثورة ثورة الجماهير وحدها، إنها ثورات وسائل الإعلام أيضاً، وثورات القوى الأجنبية داخل بلد ما، وغير ذلك.
في سنة 1994، أي في العام الذي رحل فيه، قدّم عالم الاجتماع الأمريكي كريستوفر لاش (1923 – 1994) قراءة موسّعة في مفهوم الثورة عبر التاريخ، وكانت ملاحظته الأساسية متعلّقة بانتقال الفاعل ضمن حدث الثورة من الجماهير إلى النخب، وهو يتتبّع هذا التحوّل من خلال فهم البيئة الاقتصادية والاجتماعية، وحتى الجغرافية لعدد من ثورات القرن العشرين.
لم يحظ هذا الكتاب بكثير من الاهتمام بعد ظهوره، ويعود ذلك بالأساس إلى سياق التسعينيات الذي رسّخت فيه الولايات المتحدة الأمريكية اعتقاداً بأن العالم دخل مرحلة من السلام العالمي، وستكون ثورات شرق أوروبا آخر ثورات التاريخ، فالمجتمعات في العصر الرأسمالي ستلتفت إلى الرفاه – ومنه الرفاه السياسي المتمثّل في النظام الديمقراطي – وتترك كل المطامح التي قامت على شعارات مأدلجة.
غير أن التاريخ كذّب كل هذه التوقعات، فقد انفجرت ثورات عديدة اعتبرت في البداية مجرّد استثناءات بعيدة عن الغرب، لكن وصول موجات الاحتجاج إلى بلدان مثل إسبانيا وفرنسا ثم الولايات المتحدة، جعل كثيرين يشكّكون في المقولات التي استند إليها الزمن العولمي منذ سقوط جدار برلين، ومن هنا بدأت العودة إلى كتاب لاش الأخير.
This post is also available in: English (الإنجليزية)