«حارس الفيسبوك» رواية

عنوان الكتاب «حارس الفيسبوك» رواية
المؤلف شريف صالح
الناشر  الدار المصرية اللبنانية
البلد القاهرة
تاريخ النشر 2017
عدد الصفحات 192

أشتري الكتاب حقوق الترجمة

الوصف

منذ سنوات كتب الناقد المغربي محمد برادة في كتابه «الرواية العربية ورهان التجديد» قائلا إننا إذا سلّمنا بأن الثقافة العربية تعيش زمن الرواية، بدون أن يعني ذلك إلغاء حضور بقية الأجناس التعبيرية، فإن علينا في الآن نفسه أن نحذر الانقياد إلى تصور تمجيدي إيجابي، يغفل التفاصيل والتحولات المأزقية التي ترافق صعود الرواية والازدياد النسبي لقرائها، واختلاف مقاييس التقييم والتمييز.
وربما يكون جابر عصفور قد اتكأ، في ما ذهب إليه من إننا في زمن الرواية، على أن الرواية قادرة، بما تمتلك من مفردات إبداعية، على تصوير الواقع الآنيّ، بدون أن تنتظر هبوط وحي الإلهام مُحمّلا بالمجاز والرمزية، واصفة في سردها النثري الواقع كما هو، بدون أن تُلقي عليه مُكسبات طعم ولون. وهذا ما فعله القاص والروائي المصري شريف صالح، بعد عدد من المجموعات القصصية، في روايته الأولى «حارس الفيسبوك» الصادرة حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة، والتي يناقش فيها حالة الازدواجية/الشيزوفرنيا التي يعيشها الإنسان، في السنوات الأخيرة، بعد أن اخترعت وسائل التواصل الاجتماعي وعلى رأسها الفيسبوك، ما بين واقع معيش يكاد يكون خانقًا بما فيه من مشكلات وهموم وحروب ودماء، وواقع افتراضي يمكن لأحدنا أن يمارس فيه وعليه كل ما يحلو له بدون قيد أو شرط. إنها تتأرجح بنا، برفقة شخصياتها، ما بين فضائين مختلفيــــن، بل متناقضين: فضاء واقعي، وواقع افتراضي: «شتان ما بين مهلبية الممرضة لأب عجوز يحتضر، والغارقة في رائحة العرق والبول والأدوية، ومهلبية التي يتخيلها عشرات الرجال على الفيسبوك».

انهيار الفيسبوك

الرواية التي يمكن أن نَصفها بالرواية الآنية، إذ ترصد ما يحدث في الفضاء الافتراضي وعبر أثير الشبكة العنكبوتية /الإنترنت، تقع في ستة وثلاثين مقطعًا مُرقّما ومعنونًا، رتّبها الكاتب ترتيبًا تنازليًّا، إذ تبدأ من المقطع رقم 36 وتنــــتهي عند المقطع رقم 1، ويمكن كذلك أن تُقرأ الرواية تصاعديًّا، أي من الرقم 1 صعودًا إلى الرقم 36، وهذه ميزة قد لا توفرها للقارئ روايات أخرى، كما يمكن اعتبار كل مقطع من مقاطع الرواية قصة قصيرة، إذا ما فصلناه عما قبله وما بعده من مقاطع.
الرواية، المُهداة إلى رضوى فرغلي، والتي تتنبأ بانهيار الفيسبوك وقيام يوم القيامة الافتراضي الذي ستنكشف فيه كل الأسرار وسيُعرف الكل على حقيقته، حتى إن كان يظهر على الفيسبوك باسم حركي وهمي ومزيف، تبدأ بما كتبه عادل شوقي متسائلا عمّا قد يحدث بعد انهيار صفحات الفيسبوك: «ماذا تفعل لو انهارت صفحتك إلى الأبد.. سقطت مثل ورقة شجر؟ لو أصبح بإمكان أي شخص أن يرى الشات الذي تقوم به.. ويتلصص على رسائلك الخاصة؟». إذا انهار الفيسبوك فستنهار جدران الإنبوكس وستتطاير الرسائل تفضح الأسرار المخبوءة: صور حميمة، نكات فاحشة، أسرار أزواج مع أزواج آخرين، رسائل غاضبة، ضحكات منسية وغيرها.
بدايةً نجد الرواية مهمومة بمدى الثقة في عالم الفيسبوك، وبمسألة الخصوصية التي ما إن تنهار حتى يتحول الأمر في أغلب الأحيان إلى فضائح مدوّية، وهنا أيضًا نجد أن البطل الرئيس هو الفضاء الفيسبوكي، أو الكوكب الأزرق، كما تُطلق عليه الرواية، الذي يضم كل بقية الشخصيات ويسيطر عليها: «إسمحوا لي بسؤال يا أصدقائي: لماذا يستثار فضولنا لدخول الموقع كل لحظة وكتابة كل ما يدور في وعينا؟ أليس ما نمارسه أشبه بعرض إستربتيز؟! كلٌّ منا يمارس رقصته المفضلة. ساعتها نكتشف أننا لا نتصفح الفيسبوك، بل الفيسبوك هو الذي كان يتصفحنا. وها هو يقوم برقصة الإستربتيز الأخيرة!».
هنا نجد أيضًا مقارنة بين الفيروسات الافتراضية ونظيرتها الواقعية، لاسيما والرواية تناقش عدة أمور تتعلق بهذا العالم الافتراضي، ومنها امتلاك البعض لعدة صفحات على الفيسبوك، وعدة أوجه مختلفة في الواقع: «أصبح يمتلك صفحتين مثلما يعيش غيره في الحياة بوجهين». 
ولأن الرواية تجري على مسرح حرف الـ F الأزرق، تنتشر على مسرحها مفردات من حقله مثل: أيقونة، هاشتاغ، إنبوكس، كيبورد، كمبيوتر، موبايل، لايكات، كومنتات، ستاتوسات، وول، بلوك، بروفايل، نقرات، ضغطة، تعليق، بوست مستخدم، دردشات وغيرها. أما شخصيات الرواية فيأتي على رأسها: هدى، أحمد علوي، صوفي هوارد، عبد الرحمن، علي نجيب، وصاحب المسرح مارك زوكربرج.
إلى جانب هذا ترصد الرواية مساوئ الفيسبوك والحياة عمومًا: مجاملات لكتابات رديئة، اهتمام مبالغ فيه لكل ما تكتبه الإناث، لجوء بعض الرجال للظهور خلف صفحات بأسماء نساء، ادّعاءات كثيرين بالبطولات الخارقة والثورية الكاذبة، انتشار كبير لصفحات مزيفة يستخدمها بعضهم لتشويه أشخاص بعينهم، حدوث عمليات اختراق لبعض الحسابات الشخصية، إرسال بعض الصفحات فيروسات لصفحات أخرى، اجتياح الإعلانات لكل الصفحات، كذلك تنتقد بعض مستخدمي الفيسبوك الذين يتلصصون على صفحات غيرهم: «مثلما يراقب أحدهم امرأة جميلة وهي تعبر الطريق، يفعل الشيء نفسه، لكنه فوق ذلك اكتشف في نفسه موهبة كشْف أسرار جسدها من تحت الملابس». هؤلاء مثلهم مثل قصاصي الأثر الذين يتتبعون حركات الأقدام هنا وهناك.
ثمة مقارنة بين الواقع الذي نعيشه ولا نستطيع أن نغيّر في ماضيه، فيما نستطيع أن نغيّر في الماضي الافتراضي وفي حاضره وربما في مستقبله: «الماضي في الواقع ليس قابلا للتعديل مثل الماضي في العالم الافتراضي الذي يتيح لنا حذف ما نشاء.
شريطنا الزمني مثقوب وحافل بالفجوات والظلال.. لكن شريطنا في الفيسبوك محروم من تلك النعمة، فها هو أمامها على الدوام يُراكم أشياء لم تعد تعرف لماذا كانت تهتم بها».
ليس هذا وحسب، بل تدخل الرواية إلى دهاليز الشخصـــــية الروائية كاشفة لنا ما يدور في أعماقها من قبول للواقع أو رفض له، منتقدة بعض الصفات والتصرفات التي يقوم بها البعض تحت ثقل الاضطرار: «قمة البؤس أن نضطر لمراعاة مشاعر من يتعمد الإساءة إلينا». كما تكشف لنا عن احتيال البعض ليواجه احتيال الآخرين حتى لا يقع فريسةً لزيفهم وخداعهم: «أحيانًا نضطر أن نكون مزيفين كي نحتال على المحتالين».

المغامرة والتجديد

كذلك تناقش الرواية قضية تحول البعض وتلوّنهم وميلهم ناحية الجانب الذي سيضمن لهم مصلحة ما، مهما كان ما سيفعلونه، إلى درجة أننا نشعر بأنهم شخصيات ذات جلد غليظ ليس لديهم أدنى إحساس أو اعتداد بالنفس وبكرامتها.
«حارس الفيسبوك»، أو الكوكب الأزرق، التي يعرف راويها كل تفاصيل الأماكن والشخصيات والأحداث التي يسردها، متعاطفًا مع بعض الشخصيات التي قست عليها الحياة فحوّلت بوصلتها في اتجاه خاطئ، أو كتبت عليها المرض أو الغربة، تناقش عبر لغة سردية سلسة وبسيطة، مُحلقة في فضاءات روائية متعددة الجوانب والتأويلات، عدة قضايا إنسانية أخرى، لا علاقة لها بالواقع الافتراضي، كما تمر سريعًا على الوضع السياسي على المستويين المحلي والدولي، إلى جانب تركيزها على حالة التمزق والتشظي التي تعيشها بعض الشخصيات ما بين واقعين مختلفين تمام الاختلاف. كما يبعث كاتبها من خلالها دعوة لكل إنسان كي يتحرر من ظلامه الداخلي، في انتظار يوم القيامة الافتراضي، كي يرى نفسه على حقيقتها، بدون أقنعة أو زيف: «مشكلة الإنسان أنه لا يستطيع أبدًا رؤية حياته بطريقة مختلفة». وكما بدأت رؤيتي النقدية هذه بمقتطف من كتاب برادة، أنهيها أولا بما قاله الناقد الفرنسي جان جونيه، حيث يرى أن قيمة العمل الفني إنما تتأكد من خلال صمودها أمام تعاقب الأزمنة، واحتكامها إلى الموتى الذين يوجدون على مسافة كافية، للتمييز والتقييم بدون تأثر بالسياق الظرفي أو المقياس النفعي المتعجل. وثانيًا بما قاله برادة نفسه من أن الروائي المُطالَب دومًا بالمغامرة والتجديد، لا يستطيع أن ينسى أن نصوصه بحث عن معنى التاريخ أو لا معناه، وعن تحولات الفرد وسط سديم يؤججه العنف وطغيان الأقوياء، وفي الآن نفسه تعتبر نصوصه تشخيصًا لهذا التاريخ من خلال تجربته الروائية ورؤيته للحياة.

(القدس العربي)

TOP