الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
على الرغم من تقدم وانتشار القوانين التي تدعم حقوق المرأة سواء تلك المتعلقة بالمشاركة بأشكالها كافة أو المساواة بين الجنسين، تظل أصوات النساء ممثلة تمثيلاً ناقصاً، خاصة في المجتمعات التكنولوجية الحديثة. فلا تزال النساء يتعرضن بشكل روتيني للنقد والتهديد والرقابة الذاتية عندما يمارسن حقوقهن، كمواطنات أو يؤدين وظائفهن كمسؤولات منتخبات أو يحاولن الصعود إلى المناصب القيادية.
في هذا السياق، حاولت “ماري تيسيير” الصحفية والكاتبة بصحيفة نيويورك تايمز وواشنطن بوست، وشيكاغو تريبيون وغيرها، في كتابها الذي صدر مؤخراً تحت عنوان: “حق التصويت الرقمي: المرأة والويب ومستقبل الديمقراطية”، تفسير أسباب تهميش أصوات النساء عبر الإنترنت، وكيف يؤدى هذا العداء إلى التأثير على ثقة المرأة في مشاركة وجهات نظرها حول الشؤون العامة عبر الإنترنت، أخيراً، قدَّمت الكاتبة مجموعة من التوصيات لتعزيز نسب مشاركة المرأة وتفاعلها، خاصة في الفضاء السيبراني.
مؤشرات عدم المساواة:
أشارت الكاتبة لعدد من المؤشرات التي تثبت عدم المساواة بين المرأة والرجل عبر الإنترنت، بدايةً من متابعة الأخبار والتعليقات، مروراً بالفصل بين الجنسين فى تغطية الأخبار، وصولاً لثقافة الخصومة على الإنترنت. إذ ترى أن المواقع الإخبارية تقوض دور ورأي المرأة وتهميشها في أغلب التعليقات الإخبارية، فمعظم التحليلات على هذه المواقع لا تأخذ في الحسبان العِرق، كمقياس للمجتمع الشامل أو لتنوع وجهات النظر؛ الأمر الذي يرجع للطريقة التي تنظر بها نظرية العرق النقدية إلى وسائل الإعلام الإخبارية السائدة، والتي تؤكد ليس فقط على عدم الاهتمام بآراء وتعليقات النساء، وإنما أيضاً أي جماعات مختلفة سواء في اللون أو الدين أو اللغة أو غيرها.
في هذا الإطار، أشارت الكاتبة للعديد من الأمثلة المتعلقة بتهميش النساء، كالمحادثات المتعلقة بتغير المناخ وحرائق الغابات عبر الإنترنت، والتي ركزت فقط على آراء وتعليقات الرجال، كما لو أن الأشخاص المعنيين بتغير المناخ هم في الغالب من الرجال فقط، في الوقت الذي أظهرت فيه نتائج استطلاع غالوب على مدى ثماني سنوات أن النساء لديهن مستوى أعلى من الفهم العلمي لتغير المناخ لأنهن يهتممن به أكثر بكثير من الرجال.
لم يقتصر الأمر على المحادثات المتعلقة بالسياسات العامة فحسب، بل تلك المتعلقة بالقضايا الثقافية أيضاً، وهو ما تجلى في الأخبار المتعلقة بوفاة واحد من أشهر المغنيين العالميين عام 2016 وهو برنس روجر نيلسون، حيث أظهرت التعليقات التي اختارتها مجلة التايمز لتغطية الحدث سيطرة تعليقات الرجال مقارنة بالنساء. أضف لذلك، أن الكاتبة أشارت لما يُعرف بــ “ثقافة الخصومة على الإنترنت” أي كراهية النساء والعنصرية المستهدفة ضدهن عبر الإنترنت، كإحدى سمات الثقافة الرقمية للتمييز بين الجنسين.
هنا، أشارت الكاتبة إلى تعرض النساء لعدد من الظواهر أبرزها التسلط عبر الإنترنت، والتصيد أي ترك ملاحظات لاذعة أو وقحة أو مُسيئة على موقع ما ضد النساء، وتطور ظاهرة التحرش الإلكتروني؛ الذي عرَّفه المركز الإعلامي للمرأة على أنه يشير لإساءة معاملة النساء والفتيات عبر الإنترنت، سواء بالإهانة أو الحط أو السب، وتعرضهن للخطر والعمل على إسكاتهن، فضلاً عن الابتزاز والتهديدات بالعنف والمطاردة عبر الإنترنت، حيث أظهرت الدراسات أن حوالي ست نساء من كل عشر يتعرضن للتنمر عبر الإنترنت مقارنةً بالرجال.
أخيراً، تحدثت الكاتبة عن “الانتقام الإباحي”، كأحد أشكال اضطهاد المرأة عبر الإنترنت، وذلك عن طريق قيام الرجال بنشر صور مسيئة لها على الإنترنت، حيث يتم الحصول على تلك الصور إما عن طريق التقاطها بشكل غير قانوني أو بالقرصنة. أما بالنسبة للفصل بين الجنسين في تغطية الأخبار، فقد قامت وسائل الإعلام المختلفة بتصوير النساء على أنهن شخصيات ثانوية في المجتمع، الأمر الذي انتقده النسويون باعتباره إشارة لعدم الديمقراطية نتيجة للفشل في تمثيل المجتمع كله.
إجمالاً، تخلص الكاتبة إلى أن وسائل الإعلام تقلل من تصوير أدوار المرأة في الحياة العامة مع الاستمرار في تصوير كلٍ من النساء والرجال في صورة نمطية متحيزة، فضلاً عن ضعف تمثيل المرأة فى المطبوعات الخاصة بالمؤسسات السياسية والاقتصادية والإخبارية وغيرها، كصحيفة “الديلي ميل” البريطانية على سبيل المثال، والتي وصلت نسبة تعليقات الرجال فيها إلى 63% في مقابل 17% للنساء.
تغير ثقافي بطيء:
على الرغم من تقدم المرأة سواء في التعليم أو مكان العمل أو المناصب القيادية في مجال الأعمال والحكومة، تظل نسبة مشاركتها في الاجتماعات العامة منخفضة جداً مقارنة بالرجال، نتيجة لتأثير ديناميات النوع الاجتماعي على فرص النساء في الكلام واستعدادهن له، والتوقعات حول حقوقهن في الكلام، فالتحيزات الجنسانية اللاواعية هي التي ترسخ القوالب النمطية في المجتمع.
فعدم قيام العديد من النساء بالتصويت خلال السنوات الأولى بعد فوزهن بحق التصويت مثال جيد على العملية البطيئة للتغيير الثقافي نحو المساواة في المشاركة السياسية للمرأة، حيث استغرق الطريق من الفوز بحق التصويت عام 1920 إلى مشاركة المرأة على قدم المساواة في التصويت ستين عاماً.
في هذا الإطار، حاولت العديد من الدراسات تفسير هذا التأخر الزمني بعدد من العوامل منها اعتراض الزوج، وانتشار ثقافة عدم أحقية النساء في التصويت، وضرورة بقائهن في المنزل والاهتمام بشؤونهن الخاصة. وهو ما أكدته دراسة لجامعة برينستون وبريغهام يونغ، والتي وصفت النساء بـ “الجنس الصامت”، نتيجة لتأخر أصوات النساء وتأثيرهن في أوضاع الشؤون العامة، فعلى الرغم من حصول المرأة على العديد من المقاعد في المجالس النيابية، فإن ذلك يظل تمثيلاً وصفياً أو شكلياً من دون المساواة الخطابية بين الجنسين؛ وهو ما يعني ضرورة توفير وقت كافٍ للنساء من أجل التحدث والتأثير على جداول الأعمال التشريعية.
أشارت الكاتبة لسيطرة التحيزات العرقية والمتعلقة بالنوع الاجتماعي فيما يتعلق بتطوير التكنولوجيا الجديدة، وأبرز مثال على هذا ما قامت به “آبل” إحدى أنجح شركات التكنولوجيا في العالم عن طريق إصدار تطبيق Apple Health””، ليكون بمنزلة نظام تتبع شامل لصحة الإنسان، والذي يسمح للمستخدمين بتتبع ضغط الدم، وأنماط النوم، ومعدل التنفس وغير ذلك. لكنه مع ذلك، تجاهل العديد من الأمور المهمة بالنسبة للنساء، والتي قد تكون مرتبطة في كثير من الأحيان بظهور أمراض خطيرة للمرأة، ناهيك عن عدم إدراج المرأة في تصميم برامج التكنولوجيا وسيطرة الرجال على مجال البرمجيات، وأي تحديثات تتعلق بالتكنولوجيا.
البحث عن حل:
قدَّمت الكاتبة توصيات ومقترحات لدعم المساواة بين الجنسين فيما يتعلق بالتصويت الرقمي والحق في المشاركة … إلخ، إذ أكدت ضرورة تضمين التحليل الجنساني والعرقي في صميم أدوات الأعمال ونماذج التخطيط، مع العمل على تضمين أدوات تقييم التحيز الجنساني والعرقي في المراحل الأولى من تطوير البرامج والمنتجات، وذلك عن طريق التزام مطورو المنتجات التكنولوجية وعلماء البيانات بمنع هذا التحيز.
بالإضافة لهذا، نادت الكاتبة بضرورة فرض عقوبات جنائية ومدنية ذات مغزى على الحشود الإلكترونية والتهديدات العنيفة التي تحدث للنساء عبر الإنترنت، كتهديدات أساسية لحرية التعبير، مبررة ذلك بأن المجتمع الذي تخشى فيه النساء التحدث أو الكتابة في الأماكن العامة هو مجتمع متطرف، وليس حراً يسوده حكم القانون؛ لذا يجب ضمان حرية الكلام للنساء في عصر الإنترنت ومنع تهديد النساء اللواتي يتحدثن في الأماكن العامة.
وفقاً للكاتبة، يُعد التعامل مع المرأة كجنس صامت، إشارة واضحة إلى الديمقراطية غير الصحية، ومن ثم يجب التعامل مع الوقت والصوت المتساوي للمرأة كمعايير للمجتمع الديمقراطي، وإجبار جميع المؤسسات للوفاء بتلك المعايير. ففي السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، تمحورت أهداف النسويات حول الجلوس على طاولة البرلمان، وفي العقود اللاحقة طالبن بمزيد من المقاعد على الطاولة، لكن بعد مرور خمسين عاماً أصبح يتم النظر للمساواة على أنها أيضاً عملية تتضمن مشاركة المرأة في الكلام، وامتلاك الميكروفون، والتحدث عن القضايا والاهتمامات من دون خوف أو مُحاباة، وبناءً عليه، يتوجب على جميع الهيئات العامة والمنظمات إنشاء مساحات عامة ترحيبية مُصممة لإدماج النساء لإثارة الاهتمامات والقضايا المختلفة.
في هذا السياق، يجب أن يتحمل قادة التكنولوجيا ومجالس الإدارة المدنية ومجالس إدارة الشركات المسؤولية الأساسية عن إنشاء وعرض وتعزيز الأصوات المتساوية والتأثير من أجل النساء، باستخدام مجموعة من الأدوات منها على سبيل المثال برنامج “Gender Meme” الذي يُحدد تمثيل النساء والرجال في نَص معين؛ لتعزيز تمثيل النساء كخبيرات وقادة رأي وأصحاب سلطة في كافة المؤسسات لضمان الديمقراطية في المجتمعات.
أخيراً، أكدت الكاتبة أن التغلب على صمت المرأة مسؤولية مؤسسية بالدرجة الأولى، ومن ثم يجب إنشاء أُطر مؤسسية لتعزيز أصوات المرأة المتنوعة وسلطة المرأة كما حدث في جامعة هارفارد وكلية هارفي مود، والعمل على تدريب النساء على تأكيد أنفسهن، وطرح الأسئلة، والمُطالبة بالمساواة والاحترام.
This post is also available in: English (الإنجليزية)