حوارات من أجل الذكرى والذاكرة حول قضايا في الفكر العربي والإسلامي والغربي

عنوان الكتاب حوارات من أجل الذكرى والذاكرة حول قضايا في الفكر العربي والإسلامي والغربي
المؤلف سعيد شبار
الناشر مركز دراسات المعرفة والحضارة
البلد بني ملال، المغرب
تاريخ النشر 2017
عدد الصفحات 275

أشتري الكتاب حقوق الترجمة

الوصف

هذا كتاب يُصنف في خانة الأعمال التي تُقرب مشروع أو اجتهادات بعض المفكرين والباحثين للقراء غير المتخصصين، خاصة أنه يتضمن حوارات مع هذه الأعلام، التي مؤكد أنه لها ما لها وعليها ما عليها، ولكن مؤكد أيضاً أن الكتب الحوارية، توجد في مقدمة الأعمال التي يُستحب قراءتها في معرض الاطلاع على معالم مشروع هذا المفكر أو ذلك.

نتحدث عن عمل حواري، تضمن بابان اثنان، أولهما الباب الذي يتضمن أربعة حوارات مطولة، تحتل غالبية صفحات الكتاب، وأجراها المؤلف مع عبد الوهاب المسيري ومحمد عابد الجابري ومحمد أركون وطه عبد الرحمن؛ ثم هناك باب آخر، ويتضمن بعض الحوارات التي أجراها باحثون أو صحافيون مع مؤلف الكتاب.

يرى المؤلف في مقدمة العمل، أن هذه الحوارات كانت ألماً فكرياً حقيقياً لما رحل أصحابها بالتتابع للفراغ الذي خلفوه في كيان الأمة الثقافي، اجتهاداً وتجديداً، ونقداً ومراجعة، وإن بقناعات ومرجعيات مختلفة، والإحالة هنا على رحيل المسيري والجابري وأركون، ولذلك اضطر المؤلف، في نفس المقدمة، إلى التوقف عند سياقات إجراء هذه الحوارات، وأجري أغلبها على هامش مشاركته في بعض الملتقيات الفكرية.

فمنذ رحيل المسيري، شعر المؤلف أن واجهة من واجهات المعرفة والثقافة الإسلامية قد أفل نجمها، خصوصاً في مجال الأسئلة المعرفية القلقة المستفزة للعقل والحاثة على بذل الجهد وإمعان النظر والتأمل في الظواهر المختلفة، وطرح وإعادة طرح الأسئلة لفتح آفاق التجديد والاجتهاد الفكري والمعرفي، والداعية إلى التمسك بالهوية والثوابت من جهة، والإبداع والتحديث من جهة ثانية. (ص 4).

بالنسبة لمحمد عابد الجابري، فقد اعتبر المؤلف أن رحيله بعد سنة ونصف تقريباً من رحيل المسيري، يُفيد ويؤكد اتساع مساحة الفراغ في كياننا الثقافي والمعرفي الذي نصب الراحلان عليها راية التجديد والتغيير بعمق وامتياز، معتبراً أن للراحل الجابري منهجية صارمة التماساً للموضوعية في البحث في المجال التراثي، وضع معالمها في كتابه “نحن والتراث”، مضيفاً في هذا السياق، أنه شتان بين هذا الضرب من الاشتغال الحفري الأركيولوجي في طبقات تراث الأمة، وبين الحل السهل الذي يلجأ إليه كثيرون وهو التخلي عن التراث تحت ذريعة تصنيفات مُعينة، ثم الارتماء في الحلول الجاهزة والناجزة لدى الآخر ولو اختلف السياق مقالاً ومقاماً (ص 9).

وهذا عينُ ما توقف عنده المؤلف ببعض التفصيل في كتاب سابق، وعنوانه: “الثقافة والعولمة وقضايا إصلاح الفكر والتجديد في العلوم الإسلامية” (صدر عن مركز دراسات المعرفة والحضارة، سلسلة أبحاث ودراسات فكرية، 2، دار الإنماء الثقافي، الرباط، ط1، 2014، 221 ص من الحجم المتوسط)، عندما توقف ملياً في مبحث “الخلفيات الفكرية الموجهة للقراءات الحداثية للقرآن الكريم”، حيث أورد سعيد شبار مجموعة من المُحدّدات التي تقف وراء صعود أسهم هذه القراءات، لعل أهمها التجربة التاريخية للنص اليهودي والمسيحي، وحركة النقد العنيفة التي أطاحت بقدسيته من باحثين ومفكرين ينتمون إلى الحقل الديني أو من خارجه. ومنها كذلك الرؤية التشكيكية التي شكلتها المدارس الاستشراقية التي كانت تصور الدين الإسلامي والحضارة الإسلامية وتقدمهما للاستهلاك الغربي على غير حقيقتهما وبكثير من الخلط والتشويه.

أما محمد أركون، فيتميز بجرأة كبيرة في طرح الأسئلة، بما فيها تلك لا جواب عنها، بل ويستحيل الإجابة عنها من وجهة نظر البحث والمعرفة، تدخل فيما يُسميه هو نفسه بدائرة “المستحيل التفكير فيه”، واعتبر المؤلف في هذا السياق، أن هذا الضرب من تطبيق المناهج المنتمية إلى المدارس الغربية المختلفة في توجهاتها ومرجعياتها على علوم وقضايا التراث الإسلامين هو سلاح ذو حدين. فقد يُصيب ويعطي نتائج وخلاصات جيدة، وهذا قليل نادر؛ وقد لا يُصيب فتكون مردوديته عكسية ويحدث من ردود الأفعال ما يشغل عن البناء نفسه وهذا كثير وافر. (ص 14).

ومهما قيل في حق الراحل محمد أركون، اعتبر المؤلف أن الرجل يبقى واحداً من أبرز الباحثين والمفكرين الذين أثاروا من الأسئلة والإشكالات ما جعل الساحة الفكرية تعرف حيوية ونقاشاً، تأييداً أو معارضة. (ص 18).

بالنسبة للحوار الذي أجراه مع طه عبد الرحمن، وبخلاف الحوارات السابقة، التي من جهة، أجريت مع أسماء رحلت عنا إلى دار البقاء، ومن جهة ثانية، أجراها المؤلف في مقابلات، فإن الحوار مع صاحب “سؤال الأخلاق”، أشبه بالحوار الافتراضي، حيث استأذن المؤلف في لقاء جمعه بطه عبد الرحمن، أن يتصرف ويُركب حواراً، بطرح أسئلة والإجابة عنها من خلال كتبه ومقالاته، تعالج نفس القضايا التي عالجتها الحوارات السابقة، وما كان من طه عبد الرحمن إلا الموافقة والتأييد، والإجازة بالتصرف والقول عنه.

وطه عبد الرحمن حسب المؤلف، هو نموذج تكاد تجتمع فيه النماذج سالفة الذكر، أو قل إنه استطاع أن يستجمع ويستوعب مزايا كثيرة تفرقت في غيره، في مادة البحث وموضوعاته وفي آلته ومناهجه، يُضيف عليها بعد ذلك تميزه وتفرده بطريقته في التناول والتحليل وفي النقد والمراجعة وفي بناء المفاهيم ونحت المصطلحات؛ حيث إن قارئ أعماله، يشعر عند تفحص تصميمه أنه أمام بناء هندسي شامخ، ومعمار مُحكم الطبقات في عناوينه وفقراته وخلاصاته، وكانت مناسبة ليُنوه المؤلف بعديد مؤلفات ألفها طه عبد الرحمن، نذكر منها كتابه “روح الدين: من ضيق العَلمانية إلى سَعة الائتمانية”، حيث اعتبره المؤلف مستوى أعمق في بنائيته ونقد طه التأسيسي، وكأنه المضمون العلمي للبناء المنهجي للنظر التكاملي والتقريب التداولي الذي أبدع فيه كذلك طه في كتابه “تجديد المنهج في تقويم التراث”. (ص 22) [سوف نعود لاحقاً للتوقف عند بعض مضامين كتاب “روح الدين”].

بالنتيجة، نحن أمام كتاب غني بمضامين الحوارات، لأن كل حوار مع هذه الأعلام، حافل بالمحاور والاجتهادات ذات الصلة بالأعمال التي صدرت عنها، طيلة العقود الماضية، منذ حقبة الستينات حتى اليوم.

أ ــ فمع عبد الوهاب المسيري (من ص 31 إلى ص 55)، يُعيد القارئ اكتشاف والاطلاع على اجتهادات الراحل بخصوص مفهوم العَلمانية (التي يعتبرها شكلاً من أشكال “الحلولية الكمونية”)، وهو الذي اشتهر بالتفريق بين نموذجين من العَلمانية: الجزئية والشاملة؛ تروم الأولى فصل السياسة عن الدين أو فضل الدين عن الدولة، بينما تروم الثانية فصل كل القيم، سواء كانت إنسانية أو أخلاقية أو دينية عن العالم.

ب ــ مع الجابري (من ص 57 إلى ص 84)، نقرأ اجتهاداته ذات الصلة بالوحي والعقل والتراث، وهو الذي اشتهر برباعية “نقد العقل العربي”، كما يتوقف الراحل عند معالم النُّظم المعرفية في العالم العربي الإسلامي، وسؤال التجديد في الثقافة العربية الإسلامية، كما دقق الجابري مجدداً في أسباب رفضه الحديث أو المناداة بالعَلمانية، مقابل دعوته الصريحة إلى تبني العقلانية.

ج ــ ومع محمد أركون (من ص 85 إلى ص 120)، ثمة وقفات مع موضوع التراث والفكر الإسلامي ومناهج التحليل، وإقراره بتأثره الكبير والصريح بأعمال “مدرسة الحوليات” [بزغت في حقبة الثلاثينيات]، والتي كانت لها تأثيرات على أغلب المؤرخين الذين أتوا لاحقاً، كما توقف أركون عند قضايا الاستشراق ومناهج البحث، وهو الذي اشتهر أيضاً بنقده للعديد من رموز المدرسة الاستشراقية.

د ــ وأخيراً، مع طه عبد الرحمن، كانت المادة غنية، لأننا نحن نتحدث عن أكبر محور حواري في الكتاب (من ص 121 إلى ص 189)، وبيان ذلك، كما سلف الذكر، أنه حوار افتراضي وتركيبي انطلاقاً من تصرف المؤلف في بعض أعمال صاحب “فقه الفلسفة”، حيث عرّج العمل على معالم النظرية الأخلاقية الإسلامية (التي تعتبر من أهم اجتهادات طه عبد الرحمن)، وعن معالم البديل الائتماني/ الأخلاقي الذي يقترحه ضد مضايق المرجعية العَلمانية، ما يُفرق الحداثة الإسلامية عن الحداثة الغربية (كما فصّل ملياً في كتابه “روح الحداثة” [2006])، والنقد الأخلاقي للحداثة الغربية، وقضايا أخرى.

 

المصدر

TOP