الوصف
يحاول الكتاب الإجابة على سؤال أساسي: هل نحن في مرحلة بزوغ حضارة جديدة تكون التقنيات الرقميَّة سببًا للتحوّل الثقافي فيها، وتؤسّس لعصر جديد تكون فيه المعلومة الرقمية عصب الحياة وتتحكَّم بكلِّ ما يدور حولنا؟
يبدو الإنسان المعاصر اليوم وكأنّه يعيش في عوالم ثلاثة؛ يتمثّل الأوّل في العالم المباشر الذي يعيش فيه فعلياً، وتشكل الأحلام العالم الثاني، فيما يغدو الإنترنت عالمه الثالث. المفارقة أنَّ حضورنا في العالم الرقمي يكاد يكون واقعياً إلى حد لا لبس فيه؛ ملامحنا حاضرة فيه، مشاعرنا، رغباتنا، المعلنة وغير المعلنة، مما يتخطى “افتراضيته”، ليكون أقرب إلى الواقع، فكل ما هو موجود في عالمنا الواقعيّ، موجود أيضاً في “العالم الثالث”، وكل ما نعيشه فيه نجد له تمثلات في الفضاء الإلكتروني. يكفي أن نضيف إليه صفة الرقمنة، ليكتسب بعداً افتراضياً، وبذلك يمكننا الحديث عن سمعة رقمية، فجوة رقمية، مخدرات رقمية، إدمان رقمي، هوية رقمية، وتلوث رقمي أيضاً..
كل ذلك يؤكّد أنّ “الرقمنة، بكلّ تطبيقاتها، باتت أمراً واقعاً، وعلينا التعامل معها على هذا الأساس”، في حين يظهر أنَّ العالم العربي غائب، أو ربما مغيَّب، عن الكثير من حقائق العالم الثالث، ويبدو “في موقع المستهلك أكثر من كونه منتجًا”.
يسأل الأكاديمي والباحث في اللسانيات الحاسوبية والإعلام الرقمي في الجامعة اللبنانية غسان مراد في هذا السياق: ماذا تفعل بنا التقنيات؟ وماذا نفعل بها؟ ويأتي كتابه “دهاء شبكات التواصل الاجتماعي وخبايا الذكاء الاصطناعي” (شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2019) للإضاءة على بعض المفاهيم والتغيّرات التي حدثت جراء ولوج الرقميات إلى حياتنا، ولمحاولة رسم صورة لبعض ما يحصل جراء التطبيقات الإلكترونية وأثرها في الحياة.
يشكّل العالم الثالث للفرد إحدى أبرز الخلاصات التي ينتهي إليها مراد في حديثه عن دور التقنيات ووسائل التواصل الاجتماعي في حياتنا اليوم، ولو مال البعض إلى “تجاهل التقنيات الرقميّة، ربما لأنها غير مرئيّة وغير مباشرة، لكن الحقيقية أننا كلّنا موجودون في الفضاء المفتوح للإنترنت، سواء أدركنا ذلك أم لا”، يجزم.
يفنّد مراد في كتابه سمات الهوية الفردية في العالم الافتراضي، لرصد ملامح التفاعلات الشخصية كما ترتسم في شبكات التواصل الاجتماعي، بعد أن باتت “أداة فاعلة في علم النّفس”، تستطيع تحديد السلوكيات الإنسانية والتنبؤ بالعمر والجنس والمهنة ومستوى التعليم، وحتى الصفات الشخصيّة، استنادًا إلى بيانات رقميّة متّصلة بالسلوك البشري، كما يمكنها توقع أهواء شخصيّة معيّنة، استنادًا إلى محتويات الصفحات الشخصيّة على الإنترنت، وعدد الأصدقاء، وكثافة شبكات الصداقة، وخيارات اللغة…
يرصد الكاتب التناقض بين ما تظهره التقارير عن دور “السوشيل ميديا” في إشاعة أجواء اليأس والإحباط والكآبة بين المستخدمين، والمشهدية الغارقة في البهجة التي يظهرها هؤلاء عن أنفسهم. وفي رأيه، يعود الإحباط الدائم الذي يعيشه رواد هذه المواقع إلى عدم تشابه حياتهم مع تلك “المثاليّة” التي يحاولون إبرازها. وفي مواجهة الآخرين الذين لديهم الكثير من الأصدقاء والكثير من النشاطات، فإنهم يشعرون بنقص في رأس مالهم الاجتماعيّ الخاصّ، يوضح، ويتفاقم شعورهم بالوحدة بأثر من مشاهدة الكم الهائل من السعادة عند الآخرين.
عن المؤلف:
غسان مراد:
أستاذ باحث في اللسانيات الحاسوبية والإعلام الرقمي في الجامعة اللبنانية، ورئيس الفرقة البحثية “الترجمة وعلوم اللغة والتواصل” في المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، ومنسِّق فريق “ليلاس” لحوسبة اللغة، وعضو المجلس العلمي لمركز أبحاث كلية الإعلام. أصدر كتابين، وله الكثير من المؤلفات والمقالات بالعربية والفرنسية والإنكليزية، نشرت في دوريات علمية وإعلامية، نظّم وشارك في العديد من المؤتمرات العالمية