الوصف
سؤال المنهج.. في أفق التأسيس لنموذج فكري جديد
غزت المناهج الغربية ثقافتنا العربية منذ مطلع القرن العشرين، بصورة لم يسبق لها مثيل، وراح المفكرون العرب ينهلون منها باعتبارها “مسلمات غير قابلة للنقد”، حتى باتت هذه المناهج هي المرجع الوحيد لأفكارهم وكتبهم، التي لم تكن سوى تقليد لأدوات أنتجها الآخر الحضاري، تتعارض مع كل ما هو موروث من ثقافتنا العربية الإسلامية.
هذا “الاستسلام الفكري” من قبل العرب غيّب الإبداع، فأصبح الفضاء الفكري يدور في فلك الأطروحات الغربية، مستخدما مناهجها وأدواتها ونظرياتها، ما أدى إلى انقطاع المفكر العربي عن تراثه الأصيل، فباتت مواجهة هذا الوضع مهمة مصيرية تبحث عمن يتصدى لها.
الفيلسوف المغربي الدكتور طه عبد الرحمن أخذ على عاتقه هذه المهمة، عبر مشروع فكري متكامل يهدف إلى إعادة الصلة بين الفكر العربي وتراثه، في مواجهة الغزو الفكري والأفكار الحداثية التي يبيّن عبد الرحمن تهافتها من أجل الوصول إلى فكر عربي إسلامي خالص قائم على الإبداع وليس التقليد.
ولكن كيف الطريق إلى تحقيق الإبداع في النظر مع تحصيل التحرر في الفكر؟.. هذا ما يحاول المؤلف الإجابة عنه في الكتاب المعنون “سؤال المنهج: في أفق التأسيس لأنموذج فكري جديد” الذي يوضح فيه – كما يقول- الشرائط المنطقية والمقتضيات المنهجية لإنشاء القول المبدع مع الحفاظ على الاستقلال التداولي.
الكتاب يضم بين دفتيه مجموعة من الدراسات والمحاضرات التي أنجزها عبد الرحمن في فترة زمنية تزيد عن اثنين وثلاثين عامًا من مشواره الأكاديمي، كما يضم أيضا مقالات تغطي ثلاثة مجالات مركزية انشغل بها مشروعه الفكري، وقام بجمع هذه الدراسات الدكتور رضوان مرحوم الذي قدَّم للكتاب بمقدمه شارحة ووافية.
تتنوع وتتعدد القضايا والموضوعات التي يناقشها الكتاب الموزّع على اثني عشر فصلاً، لكنها تتعلق كلها بكيفية وضع أسس أنموذج للنظر غير مسبوق، يمكّن من تجديد نظرتنا في القضايا الملحة التي يخوض فيها الفكر الفلسفي العربي المعاصر.
ويجتهد الكاتب في توضيح وكشف مختلف العمليات الإجرائية التي يتم بواسطتها استنباط منهجية الإبداع من التراث، والفلسفة، والمنطق، من جهة، واستثمارها بوصفها طريقًا يقود إلى إنشاء أنموذج نظري جديد يتناسب مع طموحنا الفكري والمعرفي، وتطلعنا الحضاري من جهة أخرى.
كما تجتهد فصول الكتاب في الاستدلال على دعوى مركزية يطلقها المؤلف، وهي أن الأصل في فقه منهجية الإبداع المحررة للفكر العربي هو تحصيل القدرة على الإحاطة بمقتضيات أنواع ثلاثة من المنهجيات: المنهجية التكاملية المميزة للتراث الإسلامي، والمنهجية التداولية المستخدمة في الصنعة الفلسفية، والمنهجية الحجّاجية المتضمنة في الصناعة المنطقية.
الترقي.. والتردي
في الفصل الأول يعرف طه عبد الرحمن التراث الاسلامي العربي بأنه “عبارة عن جملة المضامين والوسائل الخطابية والسلوكية التي تحدد الوجود الكسبي للإنسان المسلم العربي، على مقتضى قيم مخصوصة بقي بعضها على حال الاعتبار، وصار بعضها الآخر على حال الإلغاء، إن طموحًا إلى الترقي، أو وقوعًا في التردي”.
وبناء على هذا التعريف للتراث يكون بناء حد الثقافة الإسلامية العربية على حد التراث، هو أن الثقافة الإسلامية العربية عبارة عن جملة المضامين والوسائل الخطابية والسلوكية التي تحدد الوجود الكسبي للمسلم العربي، على مقتضى قيم وطنية مرغوب فيها ومطلوب العمل بها أي قيم وطنية معتبرة. كما يكون بناء حد الحضارة الإسلامية العربية على حد التراث، هو أن الحضارة الاسلامية عبارة عن جملة المضامين والوسائل الخطابية والسلوكية التي تحدد الوجود الكسبي للمسلم العربي على مقتضى قيم إنسانية مرغوب فيها، أو مطلوب العمل بها، أي قيم إنسانية معتبرة.
ولمّا كانت الحضارة الإسلامية العربية أخص من الثقافة الإسلامية العربية، فإن من البديهي أن يُبنى حد الأولى على حد الثانية. وعندها يمكن القول إن الحضارة الإسلامية العربية عبارة عن “الثقافة التي تكون قيمها الوطنية قيما إنسانية مرغوبًا فيها ومطلوبًا العمل بها أي عبارة عن الثقافة التي تكون قيمها الوطنية المعتبرة قيما إنسانية معتبرة”.
مؤكدا على أن السؤال عن كيفية تجديد النظر في التراث يقتضي الابتداء بإعادة النظر في المفاهيم التي يتضمنها هذا السؤال، حتى نتبين أن معنى تجديد النظر هو أساس إحداث انقلاب في النظر، أي أن تجديد النظر في التراث يقتضي إحداث انقلاب في النظر السابق في التراث.
أما الفصل الثاني، فقد خصصه المؤلف لبسط النتائج التي تلزم العمل بالآليات التراثية المأصولة، وهي: “أصل التداول الذي ينتج عن مراعاة شرط الاستنباط، فضلا عن كونها أصل التداخل الذي ينتج عن مراعاة شرط التقدم، وأصل التقريب الذي ينتج عن مراعاة شرط المناسبة”.
وهنا يورد المؤلف تعريفًا إجماليًا لمفهوم التراث الإسلامي العربي يضبط تصوره عنه ويقرّب مقصوده منه، فيقول: إن التراث الإسلامي العربي عبارة عن “جملة المضامين والوسائل الخطابية والسلوكية التي تحدد الوجود الثقافي الإسلامي العربي، سواء أكانت نصوصًا أصلية أم كانت اجتهادات متفرعة عنها، وسواء أكانت نصوصًا مكتوبة، أو كانت أقوالا منطوقة، وسواء أكانت سلوكيات ظاهرة، أم كانت سلوكيات خفية، وسواء أبقينا فرادى أو جماعات على اعتبارها والعمل بها أم صرنا إلى إلغائها وترك العمل بها”.
بعد هذا التعريف، ينتقد المؤلف النظرة التجزيئية عند الدارسين للتراث وهيمنتها، موضحًا الأسباب التي حملتهم على اتخاذ هذه النظرة دون سواها ويحددها في ثلاثة أسباب أساسية، يرى أن كلها مخالفة لموجبات النظر الصحيح.
أول هذه الأسباب، وفق الكاتب، هو الإخلال بشرط الاستنباط: فالمنهجية التي اتبعت في النظر إلى التراث إن توصيفًا أو تحليلاً أو تقويمًا منهجية، لم تستنبط مما يتضمنه هذا التراث من الأصول والقواعد المقررة ولا مما يتفرع على هذه الأصول والقواعد من الأحكام المنهجية، وإنما استُنسخت من تراثات أخرى غير إسلامية وغير عربية، قديمة أو حديثة.
وهنا يؤكد الكاتب أنه لا إبداع حقيقياً في المضمون الفكري بغير استقلال في المنهج الإجرائي، وأنه لا استقلال في المنهج بغير الخروج من مرتبة استنساخ المنهج إلى مرتبة القدرة على استنباط نظيره.
والسبب الثاني هو الإخلال بشرط التقدم: فالمنهجية المستخدمة في بحث التراث الإسلامي منهجية نظرت في مضامين التراث الإسلامي العربي وحدها، من دون الآليات التي تولدت وتفرعت بها هذه المضامين. هذا على خلاف المقتضى المنهجي الذي يوجب أن يتقدم النظر في الوسائل على النظر في المضامين، فضلاً عن إيجابه العناية بالبحث في الآليات من حيث هو كذلك.
ويؤكد عبد الرحمن أنه “حتى أولئك الذين ادعوا من أصحاب هذه المنهجية الاشتغال بالنظر في هذه الآليات، لم ينظروا على الحقيقة إلا في كلام المتقدمين عن هذه الآليات بحيث يؤول نظرهم في هذا الكلام إلى نظر في المضامين لا إلى نظر في الآليات كما كانوا يدعون.
أما السبب الثالث فهو الاخلال بشرط المناسبة: فالمنهجية المتخذة في تقويم التراث الإسلامي العربي، والتي هي منهجية منقولة من تراثات غير إسلامية ولا عربية، نزلت على هذا التراث تنزيلاً من غير سابق تقدير لصلاحيتها، مع أنه كان ينبغي قبل هذا التنزيل الابتداء بفحص وجوه المناسبة الممكنة بين هذه المنهجية المنقولة، وبين الموضوع التراثي الذي أُنزلت عليه.
ومتى تحقق ذلك، لزم الانتقال إلى المتابعة الدقيقة لأطوار هذا الانزال، مع القيام بكل ما يتطلبه كل طور من ضروب المقابلة وأشكال المراجعة من مقتضيات خاصة، حتى إذا تم تصحيح هذه المنهجية بناء على هذه المقابلة والمراجعة لزم الانتقال إلى فحص نتائج هذا الانزال، من جهة مناسبة قدرها لقدر الموضوع التراثي.
نظرية مقاصد الشريعة
يبحث عبد الرحمن في الفصل الثالث من الكتاب نظرية “مقاصد الشريعة” وكيفية تأسيس رؤية علمية لتجديد النظر في مسائلها من خلال إثبات تداخلها الصميم مع علم الأخلاق الإسلامي، وكشف المراتب الثلاث التي أغفلها في تصحيح نظرية القيم المقصدية. منتقلا الى عرض وإثبات دعاوى أربع مفصلا كل واحدة منها على حدة، الأولى أن علم المقاصد هو علم الأخلاق الإسلامي، والثانية أن علم الأخلاق (الإسلامي) يتكون من نظريات مقصدية ثلاث متمايزة ومتكاملة فيما بينها، والثالثة أن بعض هذه النظريات المقصدية تحتاج إلى وجوه من التصحيح والتقويم، أما الرابعة فهي أن الأحكام الشرعية تجعل جانبها الأخلاقي يؤسس الجانب الفقهي، كما تجعل جانبها الفقهي يوجه الجانب الأخلاقي.
ولا ينسى الفيلسوف أن يقدم في هذا الفصل تعريفًا يرى أنه يوفي بحقيقة “علم المقاصد” فيعتبره أنه “علم الصلاح”، لجهة كونه يجيب عن السؤال التالي: كيف يكون الإنسان صالحًا، أو كيف يأتي الإنسان عملاً صالحًا، فالصلاح قيمة خلقية، بل هو القيمة التي تندرج تحتها جميع القيم الخلقية الأخرى، فيكون هو “عين الموضوع” الذي اختص علم الاخلاق بالبحث فيه.
في الفصل الرابع يبين عبد الرحمن كيف أن للفلسفة ارتباطا باللغة التي يستعملها الفيلسوف، وأن الإمكانات الفكرية التي تختص بها كل لغة توجب علينا القول بالنسبية الفلسفية. ذلك أن التفكير الفلسفي – طبقا لوجهة نظره- يكتسب طابعه بل طبيعته من الخصائص اللغوية التي تختلف باختلاف اللغات، ولهذا فإن التفلسف من حق الألسن جميعاً، سواء منها التي أبرزت رؤيتها الفلسفية فأسرع أهل الفكر إلى تبنيها، أو تلك التي لم تتبين بعد معالم رؤيتها للعالم.
موجها الدعوة إلى كل فيلسوف عربي أو مسلم أن يتجه باجتهاده إلى التوعية بقدرة لغته الفكرية، وأن يميز بين ما هو من لغته وما هو ليس منها أو يتعارض ولغته، أي ما قد يحولها من لغة إلى لغو، وموضحًا أن “لغونا يظهر في التشويه الذي لحق أصول لغتنا وبناها وكبت فلسفتها عن طريق المطابقة بينها وبين لغات أخرى تختلف عنها”. وينصح المؤلف الجميع تخليصنا من هذا اللغو الذي حال دون تحررنا العقلي ودون إبداعنا الفكري، وبهذا تكون رسالة الفيلسوف العربي هي رسالة لغوية في الأساس.
يمضي المؤلف في استكمال فكرته حول مدى ارتباط الفلسفة باللغة، موضحًا كيف يستمد الفكر الفلسفي مقولاته من اللغة، وأنه – عن طريقها- يُحلل الوجود، ومن خلالها يُنقل الفكر ويتناقله الناطقون، مؤكدًا أن المقولات ليست منطقية، ولا وجودية، وإنما هي لغوية، وأن كل لغة لابد وأن تكون لها مقولات خاصة بها، تحلل عن طريقها الوجود وتنقل من خلالها الفكر وتتناقله بين الناطقين بها.
وهنا يتساءل عبد الرحمن: هل آن لنا نحن العرب أن نعي هذا الارتباط القائم بين الوجود واللغة؟ فنسارع إلى استنباط الفكر الفلسفي الذي يكمن وراء صيغ لساننا وتراكيبه العربية كما استنبطت اليونانية والألمانية فلسفتهما؟
بين الفلسفة والحكمة
ونصل مع المؤلف إلى الفصل السادس، الذي يعترض فيه على دعوى “الفلسفة التطابقية”، عارضًا خصائصها العامة، ومبينًا كيف أنها تنشأ عن تقليد المنطق الاتساقي الذي تنتج عنه عقلانية ضيقة، بينما “الفلسفة التطابقية” التي تقابلها تنتج عنها عقلانية موسعة ومتقلبة.
وهذه العقلانية المتقلبة تختص بصفات ثلاث، هي التكاثر، والتكامل، والتصاوب، فهي متكاثرة لأنها تجمع بين الأطراف فتنتقل بين مواقعها، ساعية بذلك إلى أن تزاوج أحوالها وتضاعف وجهاتها.
وهي، أي العقلانية المتقلبة، متكاملة لأن هذه الأطراف تتبادل التأثير فيما بينها مستندًا بعضها إلى بعض، ومشتملاً بعضها على بعض، وموجها بعضها لبعض، وهي متصاوبة لأنها ترى أن الأصل هو صواب الأطراف المتكاملة، فتدرأ خطأ القول بالاشتباه، وتدفع فساد الدليل بالتشابه، حتى يقوم شاهد التأويل.
يطرح عبد الرحمن في الفصل السابع “معالم نظرية العقلانية التكاملية”، مبينًا أن العقل مراتب ودرجات، أولها التصديق، وأوسطها التطبيق، وأعلاها التحقيق، مشيرًا إلى أن التعقل هو مراتب ثلاث متفاضلة ومتكاملة، فهو عقل يختص بالاعتقاد، ومعاقلة تختص بالعمل، وتعاقل يختص بالتجربة، فيكون الاعتقاد معقولاً إن كان مبنيًا على الدليل، ويكون العمل – بدوره- معقولاً إن كان موجهًا إلى هدف، وتكون التجربة معقولة إن وقع التحقق بها.
ويترتب على ذلك أن اللا معقول يختلف باختلاف مراتب التعقل، فقد يكون اللا معقول هو عدم تحصيل الدليل، أي عدم التعقل، أو يكون هو عدم ابتغاء الهدف، أي عدم المعاقلة، أو يكون عدم تحقيق بالتجربة، أي عدم التعاقل. وبذلك، يكون المؤلف قد برهن على أن عقلانية العقل القائمة على الاعتقاد المدلل وحده ليست إلا مستوى فقيرًا من التعقل، ينبغي تعديه إلى مستويات أغنى، يصير فيها الاعتقاد المدلل تابعًا لقيم العمل الموجه، الذي هو بدوره تابع لمخرجات التجربة الفعلية.
بعد هذه النقطة تحديدا عرج عبد الرحمن إلى موضوع استشكال الصلة بين “فلسفة البشر وحكمة القرآن” وأعطى مثالا عند أحد حكماء الإسلام المحدثين، وهو المفكر الإسلامي التركي بديع الزمان النورسي، مبينًا كيف حقق النورسي “انقلابا” في النظر إلى هذه الصلة، من: وصل الفيلسوف إلى فصل الحكيم. وخلص إلى أن موقف النورسي من العلاقة بين الفلسفة والحكمة، هي أنه انقلب من حال الفيلسوف الذي يوافق فلاسفة الإسلام في القول بين الفلسفة والحكمة، إما وصْل تداخل يجلب الضلالة أو وصل تصاحب يجلب غضب الله، إلى حال الحكيم الذي يقول بضرورة الفصل بينهما، إما فصلاً استتباعياً يجلب الهداية، فتكون الفلسفة في خدمة الحكمة، أو فصلاً استبدالياً يجلب رضى الله تعالى، فتكون الحكمة بديلاً من الفلسفة.
واختتم المؤلف هذا المبحث موضحًا أن إنتاج النورسي لا ينحصر في تركيا فحسب، حيث فعلت آثار “الفلسفة الكانطية” فعلتها، وبدلت قِيَم أهلها تبديلاً، ولا هو ينحصر في الأمة الإنسانية التي تفككت أوصالها وفقدت وجهتها، وإنما يتعدى ذلك إلى العالم بأسره ليُنقذ الإنسان، خاصيه وعاميه، من سلطان فكر فلسفي أضر بوجوده في هذا العالم.
أما الفصول الأربعة المتبقية من الكتاب فتدور مضامينها على حجّاجية المنطق، سواء في التراث أو في الفكر المنطقي المعاصر، ويعرض الفصل التاسع للدعوة عند المسلمين في ارتباطها بالمناظرة، باعتبارها نموذجًا نظريًا له شرائطه المنطقية والاخلاقية يقوم على “التشارك مع الغير في طلب الحقيقة”.
فيما يتطرق الفصل العاشر إلى كيفية تعامل المسلمين مع المنطق، كعلم منقول أخضعوه لمبادئ المشروعية التداولية، وكيف قربّوه بما يتناسب مع الحقيقية، الدينية الإسلامية.
وأما الفصل الحادي عشر فيعرض فيه عبد الرحمن النتائج التي خلص إليها في رسالته لنيل دكتوراه الدولة المتميزة التي ناقشها في جامعة “السوربون” الفرنسية، والتي بيّن فيها أثر اللغة الطبيعية في التفكير المنطقي للفيلسوف وأسلوبه الاستدلالي.
وخصص الفصل الثاني عشر، والأخير، من كتابه للرد على دعوى عدم حاجة القانون إلى المنطق ببيان كيف أنه يستفيد تداوليًا وآليًا من أساليب المنطق الطبيعي، في حجّاجه، حيث أظهر فيلسوفنا تناقضات الموقف الإنكاري الذي يُصر على الكفاية الاستدلالية للقانون.
وبهذه الأفكار المترابطة، والتي استفاض فيها أكثر بمؤلفاته الأخرى، يكون الفيلسوف المغربي قد أوضح معالم مشروعه الفكري الكبير، وأعطى صورة جليّة لهدفه الأسمى، وهو تأسيس فلسفة إسلامية قائمة على الإبداع، الأمر الذي يصفه الدكتور رضوان مرحوم في تقديمه للكتاب بأنه “انقلاب في نظرتنا إلى الفلسفة”.
ويصف مرحوم، عبد الرحمن بأنه “فقيه الفلسفة”، مؤكدًا أن أفكاره جعلت النظر إلى الفلسفة باعتبارها ظاهرة إنسانية خطابية وسلوكية، وهو أمر لم يسبق لفلاسفة الإسلام القدامى أن اشتغلوا به، ولا فطنوا إلى أنه أحد السبل التي توصل إلى تحقيق الإبداع الفلسفي المنشود.
سؤال المنهج.. في أفق التأسيس لنموذج فكري جديد
لمزيد من الكتب .. زوروا منصة الكتب العاليمة