الوصف
د. عبد الولي الشميري يكتب: “سيبيجاج”.. عن العشق والجاسوسية والثورة
رواية فريدة مثيرة، مزجت بين الخيال المذهل الذى لا يجعل القارئ يشك لحظة واحدة بأنها قصة غير واقعية، ورواية (سيبيجاج) مليئة بالقصص والحكايات الحقيقية التى سبكت فى قالب روائى وببساطة تعبيرية خلابة، مع متانة فى اللفظ المكثف العميق، لا تجعل القارئ يشك لحظة واحدة بأنها ليست واقعا تاريخيا وليست من سباحة ماهرة فى الخيال، إنها ملكة روائية نادرة، تحول الحقائق إلى الخيال، وتملأ الخيال بالحقائق.
هكذا تكون الرواية الصادرة عن الدار للنشر والتوزيع وإلا فلا، كنت فى ذات مساء فى شرفة فندق الأوراسى بمدينة الجزائر العاصمة أتابع بنظراتى العاشقة ذؤابات جدائل الشمس قبل الغروب، مندهشا بمنظرها الأخاذ، حتى ربت على كتفى رجل من أعز أصدقائى المصريين الشاعر الناقد الأستاذ الدكتور حسن فتح الباب ـ طيب الله ثراه بالرحمة والرضوان ـ
وكنت مدعوا من وزارة المجاهدين الجزائرية لحضور المهرجان الكبير بمناسبة اليوبيل الفضى لثورة الجزائر سنة 2002 م مع صديقى الشاعر الروائى المترجم الأديب: فاروق عبد الله، الذى استطرد بتواضع جم حديثه الماتع عن علاقته الطويلة والمبكرة بالجزائر الأرض، والجزائر الإنسان، والجزائر الثورة.
وللمرة الأولى أعرف اسم نهر فى أقصى جنوب شرق الجزائر يسمى : (سيبيجاج). وباسمه كانت هذه الرواية العذبة، التى لا تسمح للقارئ بأن يتوقف قبل الانتهاء من قراءتها، والمرور المتأنى بالمكان والزمان حيث مرت، والانتقال معها حيث انتقلت، فهى سجل تاريخى واقعى محبوك فى قالب روائى، عن ثلاثة شعوب. وعن ثلاث ثورات، وعن حربين ضروسين، عن حرب تحرير الجزائر ضد الاستعمار الفرنسى، بين 1953 حتى تحررت برحيل الاستعمار 1962 م وعن حرب ثورة اليمن الجمهورية مع النظام الملكى (آل حميد الدين) المتزامنة بين 1962 م حتى 1970 م.
وعن فصول من إيجابيات وسلبيات الأداء فى ثورة مصر الجمهورية الرائدة ضد عائلة محمد على الملكية فى يوليو 1952م الثورة التى أيقظت الشعوب العربية من سبات الاستعمار والاستبداد.
لقد تدفقت أحداث هذه الرواية كالسلسل العذب، متخذة لمسارها قصصا غرامية، ومثيرات عاطفية، تعيش مع الكفاح الدامى، والصراع الشرس مع الثورات، فى الجبال، فى الصحارى، فى المدن، فى القرى، وفى التعليم، وفى أدوار المخابرات السرية.
وهكذا صنع الروائى المتمكن الأديب فاروق عبد الله ببطلات وأبطال روايته قصصا مليئة بالشجى والشجن، وجعل للرواية عددا من الأبطال رجالا وإناثا على مدى أحداث الرواية، تبدأ من بداية الرواية ولا يغادرون المشاهد المثيرة إلا فى أواخرها مغادرات مليئة بالأحزان، والوجد، والألم. ناهيك عن كون أبطالها من جنسيات عديدة وتدور حول محور ثورة التعريب فى الجزائر بعد الاستقلال، ومواجهة فريق المتفرنسين، وانتشار المدرسين للغة العربية فى جبال وصحراء ومدن الجزائر، المدرسين الذين كان لهم فضل إنقاذ اللسان العربى فى الجزائر العربية التى طمست فرنسا بثقافتها ولغتها اللغة العربية، بتجهيل الجزائريين بلغتهم الأصلية، ولولا رابط الدين، وشعائره المشتركة التى حافظت على شىء من الاعتزاز باللغة العربية والقرآن العربى المبين، لما أدرك الجزائريون من عروبتهم وثقافتهم شيئا. لقد كشفت رواية (سيبيجاج) فى سياق سرديات الحب والغرام، عن تدفق كبير ضمن حملة التعريب للآلاف بل لعشرات الآلاف من المدرسين المصريين والسوريين الذين ذهبوا للجزائر بتوجيه من ثورة يوليو المصرية التى حملت على كاهلها تبنى الثورتين الجزائرية واليمنية، بالمال والسلاح والمدربين والخبراء والمدرسين والمقاتلين، وكان الروائى : فاروق عبد الله ضمن تلك الحملة القومية لمصر لتعريب الشعب الجزائرى، وبسبب تلك البعثة أصبح جزائرى الهوى مثلى.
لم تكن هذه الرواية بسحرياتها المشحونة بالمغامرات الغرامية المبثوثة والمترابطة فى الرواية المثيرة مجرد توظيف لشد القارئ كغيرها من الروايات، ولكنها لتكمل صورة الوقائع التاريخية.