الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
من بين الكتب الفرنسية التي تصدّرت العام الماضي قائمة الأكثر مبيعاً وحققت نجاحاً مكتبياً كبيراً، يبرز كتاب “سيدتي الرئيسة” “Madame la president” لمؤلفتيه الصحفيتين في le parisien آفا جامشيدي وناتالي شوك، الذي يزيح الستار عن قصر الإليزيه ويكشف الدور الحقيقي الذي تلعبه سيدة فرنسا الأولى بريجيت ماكرون في حياة زوجها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وفي قراراته السياسية لإدارة البلاد.
صدر الكتاب عن دار Plon بما يقارب الثلاثمائة صفحة من القطع المتوسط تتضمن خمسة فصول تُظهر بريجيت ماكرون امرأة سياسية ومحنّكة أكثر مما يبدو. فالفرنسيون يعرفونها على أنها المرأة ذات الجسد النحيل والابتسامة المشوقة، السيدة الأولى اللطيفة والحريصة على البقاء دائماً إلى جانب زوجها الرئيس أو خلفه في المناسبات والأماكن العامة. لكن من قد يعرف أنها تلعب دوراً حاسماً في قضايا الدولة الفرنسية ما وراء الكواليس!؟ أو أنها على خبرة ودراية بكل ما يحدث في الإليزيه وخاصة كل ما يقال!؟..
من جانب آخر يروي الكتاب حكاية امرأة ارتبطت برجل برباط الحب الأبدي على الرغم من أنها تكبره بأربع وعشرين عاماً، وها هما مستمران منذ ثلاثة عقود، مستعرضاً حكايتهما كما لو أنها إحدى الحكايات الأسطورية أو الخرافية.. فكيف لذلك التلميذ الذي أحبّ معلّمته أن يصبح رئيساً للجمهورية؟ الإجابة واضحة نوعاً ما، إنه شاب طموح ومكافح ومقاتل، فضلاً عن أن زوجته تتمتع بشخصية قوية جداً قادرة على دفعه نحو الأمام في جميع مواقف الحياة وأكثرها صعوبة وخطورة.
استغرق محتوى الكتاب الكثير من الوقت والجهد، وقد اعتمدت جامشيدي وشوك في معلوماتهما على مقابلات ولقاءات مع العديد من الشخصيات السياسية المقرّبة من الزوجين ماكرون فضلاً عن الاجتماعات الأربع مع السيدة الأولى.
إنه عمل غني يقدّم لمحة عن علاقة الرئيس الفرنسي بزوجته قبل وبعد قصر الإليزيه، مستعيناً بقصص ودلالات من فترة استعداده لتولّي رئاسة الجمهورية، مقدّما الأحداث والحوارات كما لو أنها كانت بالأمس.
في رصده لعلاقة الزوجين، ركّز “سيدتي الرئيسة” على لغة جسد الرئيس ماكرون التي تعكس تعلّقه الشديد بزوجته بريجيت التي استحدث لها منصب “السيدة الأولى” لأول مرة في فرنسا وسط معارضة شديدة.
كما سلّط الكتاب الضوء على أدق التفاصيل وأكثر تصرفاته عفوية الدالّة في مضامينها على حاجته الدائمة إلى أن تكون زوجته دوماً إلى جانبه، ففي حين كان كثيرون يتسابقون أثناء اجتماعات الحملة الانتخابية الخاصة بترشحه للرئاسة على الجلوس بالقرب منه، كان يبادر هو ويخلع سترته ثم يضعها على أقرب كرسي له حاجزاً إياه للمرأة التي لا يستطيع البقاء دونها.
وتقول إحدى اللواتي عملن معه وقتها: “أكثر جملة سمعتها من الرئيس ماكرون أيام العمل على ترشحه في مقر الحملة، هي “أين بريجيت؟”.
تسعى بريجيت إلى تنسيق جميع الأمور المتعلّقة بزوجها، ليس فقط مواعيده، بل حياته أيضاً. ولطالما اهتمّت وأُعجبت بنظام الجداول الزمنية، كل شيء يجب أن يمشي وفق نظام محدد: وجبات الطعام، أوقات النوم، الاجتماعات واللقاءات، أوقات الراحة… إنها امرأة مرتبة، دقيقة ومنظمة إلى أبعد الحدود.
“إنه يدين لها بكل شيء… وبفضلها أصبح رئيساً”… هذا ما قاله صديق مقرب من إيمانويل ماكرون في صحيفة le parisien وقد نقلتاه المؤلفتان إلى صفحات الكتاب. فكثيرون يعرفون قصتهما عندما كانت معلمته لمادة الدراما منذ أن كان في الخامسة عشر من عمره يدرس في إحدى ثانويات مدينة أميان شمال فرنسا، ويعرفون مدى تأثيرها فيه وتشجيعها له.
لكن وعلى الرغم من أنها لا تكفّ أبداً عن تشجيعه ودعمه، هي أول من ينتقده إذا لزم الأمر. وعلى سبيل المثال عندما صرّح ماكرون ضمن حلقة تلفزيونية على قناة BFM بتاريخ 14 فبراير 2017 بأن الاستعمار الفرنسي في الجزائر كان “جريمة ضد الإنسانية” واصفاً إياه بالبربرية، لم يجرؤ أحد من المقربين إليه من إخباره بالخطأ الكبير الذي اقترفه. وهنا تصف الكاتبتان كيف دخلت بريجيت عقب التصريح إلى مقر الحملة ووبّخته بقوة شديدة، حيث قالت له إذا أردت أن تصبح رئيساً للجمهورية، لم يكن يجدر بك أن تقول مثل هذا الكلام.. مع العلم أن جميع الموجودين لم يستطيعوا مقاطعتها ولا حتى هو نفسه.
في ذات الخصوص، لم تكتف بريجيت ماكرون بالتعليق على خطب ماكرون بعد توليه الرئاسة، بل إنها تتدخل في بعض الأحيان في صياغتها معلنة رفضها لجمله القصيرة التي كان يستخدمها عادة في مخاطبة الشعب الفرنسي، فبالنسبة لها هذا النوع من الخطب بعباراته المقتضبه قد لا يفهمها جميع الفرنسيين. لذا دفعته للتحدث إليهم بما يكسر الصورة النمطية من كون رئيس الجمهورية هو “رئيس الأثرياء” وحدهم، ما يجعله يستطيع الوصول إلى كافة الشرائح والفئات الاجتماعية.
وبيّن الكتاب أن مستشاري رئيس الدولة يمقتون وجودها وتدخلاتها العميقة في كل الأمور. فهم يجدونها خطراً حقيقياً يهدّد مكانتهم ومناصبهم في دائرة رئيس الجمهورية وفي المطبخ السياسي، حتى أن بعضهم صار يكنّ لها مشاعر الكراهية والعداء ويتمنى موتها، فبالنسبة لهم “سيكون هذا الأرمل الحزين عظيماً”..
المصدر: independentarabia
This post is also available in: English (الإنجليزية)