الوصف
صدى النسيان
للأستاذ نجيب محفوظ 55 عملا ما بين رواية ومجموعة قصصية. أولى أعماله كانت عام 1932 حينما اصدر “مصر القديمة، وآخر أعماله كانت في عام 2004 حينما أصدر “أحلام فترة النقاهة”. هذه المجموعة القصصية التي أكتب عنها الآن “صدى النسيان” هي العمل رقم 53 وقد نشرها عام 1999 أي قبل وفاته بسبع سنين.
تشعر في أعماله الأخيرة: بدءا من الفجر الكاذب وأصداء السيرة الذاتية وانتهاء بأحلام فترة النقاهة أن هذا الرجل أراد أن يسلم ضمير الإنسانية كل ما بحوزته من “عهده” (لا ننسى أنه عاش حياته موظفا حكوميا).
عهدته كانت آلاف القصص والمشاهد التي احتوتها ذاكرته واختزنها عقله وانطوت عليه روحه. هذه المجموعة القصصة “صدى النسان” تندرج تحت هذا التصنيف/الشعور.
تقمص نجيب محفوظ فيها دور راوي الحارة، ويُهيئ إليك أن شيخا كبيرا جلس إلى مجموعة من أصدقائه المدانين له في العمر وراح يذكرهم بما حدث. أو كان جدا جمع أحفاده وراح يقص عليهم ما بقي عالقا في ذاكرته من قصص وحكايات.
المجموعة على صغرها (107 صفحة) تضم 105 قصة. هذا يعني أن كل قصة في صفحة تقريبا، فماذا عساها تكون تلك القصة التي تُكتب في صفحة؟ هذه هي الموهبة الفذة لهذا الأديب الذي قلما يجود الزمان بمثله.
حرص – ربما بحكم السن (كان عمر نجيب محفوظ حينما نشر هذه المجموعة 88 عاما) وعدم القدرة على التصدي للملاحم الرواية الكبيرة، وربما لأنه أرادها أن تكون على هذا الشكل المكثف – حرص على أن يروي الواقعة بأقل قدر ممكن مما يلزمها من وصف للمكان والزمان والسمات النفسية والجسدية للابطال، قبل أن يدلف إلى الحكاية. يعطي للزمان كلمة وكفى، وللمكان كلمة وكفى.. وهكذا، ثم يبدأ الحكاية، وحينما يختمها في نهاية الصفحة أو الصفحة ونصف أو الصفحتين على الأكثر تجد نفسك أنك لم تكن بحاجة لأكثر من ذلك لكي تعيش مع القصة. لكن ليس هذا هو كل شيء؟ بل إنه لا شيء على الأطلاق بجانب الفكرة والمغزى والفلسفة التي أراد أن يوصلها. والحقيقة أنه ليس من السهل على القارئ الإمساك بها. القصة في ظاهرها تبدو بسيطة وربما ساذجة، وقد تصفها بحواديت العواجيز، لكنها أبدا ليست كذلك. نجيب محفوظ فيلسوف في قالب أديب. له رؤية في الحياة، وجهة نظر عن الخالق وسر الخلق، عن الغيب والشهادة، عن المجتمع وما يحركه، عن الأفراد وتنطوي عليه نفوسهم من حب وبغض وحسد وضغينة وشهامة ونذالة وجبن وشجاعة وصلاح وفجور.
وهو (نجيب محفوظ) لا يريد أن يصدم القارئ بأفكاره المباشرة والمجردة التي ربما لا يتحمل الناس تأويلها وربما لا يريد هو نفسه أن تسبب له مزيدا من “وجع الدماغ”، لذا فإنه اتخذ من الحارة وشيخ الحارة وإمام الزاوية والفتوة والناس العاديين رموزا يعبر من خلالها عما يريد. عن الله والشيطان والغرائز والسلطة والتاريخ والدين والوهم وغير ذلك كثير. وهذا كله هو ما تهمس به هذه المجموعة إليك. أو هكذا فهمتها وتذوقتها.
محمد عبد العاطي
صدى النسيان
للمزيد من الكتب.. زوروا منصة الكتب العالمية