الوصف
This post is also available in:
English (الإنجليزية)
يبدو لنا اليوم أن الدَّين، سواء الخاص منه أو العام، أصبح الشغل الرئيس لـ “المسؤولين” الاقتصاديين والسياسيين. في كتاب الإنسان المدين، يبين موريزيو لازاراتو أن الدَّين، بعيدًا عن كونه تهديدًا للاقتصاد الرأسمالي، هو من صميم المشروع النيوليبرالي.
عبر قراءة نص مغمور لماركس، وإعادة قراءة نصوص نيتشه والثنائي دولوز وغتاري وأيضا عبر إعادة قراءة فوكو، يبرز الكاتب أن الدَّين هو قبل كل شيء بناء سياسي، وأن علاقة الدائن/ المدين هي أساس العلاقة الاجتماعية الرئيسية في مجتمعاتنا.
لقد أصبحنا أكثر مديونية للدولة ولشركات التأمين وبصفة عامة للمقاولات، ويجري تشجيعنا وإجبارنا على الوفاء بالتزاماتنا والتحول إلى “مقاولين” لحياتنا ولـ “رأسمالنا البشري”، وهكذا نجد أنفسنا وقد أعيد تشكيل أفقنا المادي والذهني والعاطفي أو خلخلته.
كيف يمكن الخروج من هذا الوضع المستحيل؟ كيف الفرار من الوضعية النيوليبرالية للإنسان المدين؟ إذا اقتفينا أثر موريزيو لازاراتو في تحليلاته، فإنه يجب الاعتراف أن المَخرج لا يمكن أن يكون فقط تقنيًا اقتصاديًا أو ماديًا، بل يجب أن نعيد النظر جذريًّا في العلاقة الاجتماعية الأساسية التي تهيكل الرأسمالية: نظام الدَّيْن.
يركز المؤلف بصفة أساسيّة على عمل جيل دولوز وفيليكس ورابطًا بين عمل فريديريك نيتشه في أخلاقيّات المديونيّة ونظريّة كارل ماركس في المال.
وفي هذه السبيل، طوّر لازاراتو نظريّة حول الدَّيْن، وفقًا لما تتطلّبه سلطة الإقراض، وهي سلطة مركزيّة في النيوليبراليّة، وما تتطلّبه من بناء ذاتيّة مدينة ومرتهنة ومذنبة، وبالتّالي معاقَة. إنّها حالة مديونيّة تعمّ الأفراد – وكذلك الدول والمجتمعات- في مواجهة دَيْن اجتماعي غير محدود. وعليه، فإنّ الرأسماليّة ما بعد الفورديّة يجب أن ُتفهم من خلال التأثير المتصاعد للنيوليبراليّة التي أنتجت قرارات سياسيّة أساسيّة منذ نهاية فترة معياريّة الذهب وصولًا إلى أزمة الرّهن العقاري.
لقد تمّ تجاوز العلاقة بين رأس المال والعمل، وهي العلاقة المركزيّة في الفورديّة والحركة العماليّة، نحو علاقة بين دائن ومدِين تعمل كآليّة عَرْضيّة للسّيطرة والاستحواذ. وعبر هذا المسار، فوّضت الدولة سلطتها إلى الدائنين الخواصّ الذي يتحكّمون الآن في خلق المال عبر صناعة الدَّيْن. ولئن كانت دولة الرعاية الاجتماعيّة لم تتفكّك في اقتصاد المديونيّة النيوليبراليّ، فإنّها تحوّلت بصفة جذريّة إلى نظام إعادة توزيع كاينيزي معكوس يسمح بتحويلات هائلة للثّروة ممّن لا يملكها إلى مالكيها.
يكشف المؤلف طبيعة علاقة القوّة بين الدَائنين والمَدينين ومراحل إنتاج ذاتيّة المدين. فحسب لازاراتو، تكمن قوة الدَّيْن في قدرته على خلق ذاتٍ (الإنسان المدين) مؤمن أخلاقيًّا بوجوب الإيفاء بالدَّيْن، وما يتطلّبه ذلك من تأثّم. وفي حين يعود الأصل البعيد لعلاقة الدَائن بالمَدِين إلى تاريخ المسيحيّة المبكّر وظهور الرأسماليّة، فإنّ هذا الكتاب يرى أنّ تلك العلاقة اكتسبت قوّتها البنيويّة مع ولادة النيوليبراليّة في سبعينات القرن العشرين.
عن المؤلف:
موريزيو لازاراتو هو عالم اجتماع وفيلسوف إيطالي مستقلّ يقيم ويزاول عمله في باريس، وتضمّ قائمة أحدث أعماله بالفرنسيّة مجموعة من الكتب التي لم تترجم بعد إلى الإنكليزيّة، منها «حكومة التفاوتات: نقد الخطر النيوليبرالي» (2008)، «تجارب سياسيّة» (2009) و«صنع الإنسان المدين» (2012) وآخرها كتاب بعنوان «حكومة الإنسان المدين» (صدر بالإيطاليّة عام 2013). وقد وافق السيد لازاراتو في شهر (ماي 2013م) على مقابلتنا بغرض نقاش مسألة المديونيّة وجذور الأزمة الحاليّة.
This post is also available in:
English (الإنجليزية)