عاصفة التغيير: الربيع العربي والتحولات السياسية في المنطقة العربية

عنوان الكتاب عاصفة التغيير: الربيع العربي والتحولات السياسية في المنطقة العربية
المؤلف تمارا كاظم الأسدي – محمد غسان الشبوط
الناشر المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية
البلد ألمانيا
تاريخ النشر 2018

أشتري الكتاب حمل الكتاب

الوصف

مقدمة الكتاب:

الثورة في أحد معانيها، هي الاطاحة بنظام سياسي اجتماعي اقتصادي، واستبداله بنظام مختلف تماماً عن طريق حركة شعبية عارمة، أو عن طريق العنف المسلح، وقد تكون الثورة ضد محتل أجنبي كالثورات (الاميركية والجزائرية والفيتنامية)، وقد تكون ضمن حدود البلد الواحد، وموجهة ضد طبقة، أو سلطة حاكمة تلحق اضراراً بغالبية أبناء الشعب، فيقوم الشعب بالاطاحة بتلك الطبقة بشكل جذري، واستبدالها بنظام بديل مغاير في الاتجاه والايديولوجية والبنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

ويميز أستاذ علم الاجتماع الاميريكي (تشارلز تيلي) بين الثورة والانقلابات والحروب الاهلية، والهبات الجماهيرية والتمرد، والتي قد تؤدي كلها إلى نهاية نظام وقيام نظام بديل، لكن الثورة وحدها هي التي تؤسس لوضع جذري شامل على كافة المستويات السياسية، والاقتصادية ،والاجتماعية ، ويرى أن هناك ثالث ثورات عظام في التاريخ المعاصر ينطبق عليها هذا النوع من التعريف، هي الثورة الفرنسية (1789-1799م)، والثورة الروسية )1917)، والثورة الايرانية (1979) من القرن الماضي، مؤكدا أن الثورات تستغرق سنوات للوصول إلى حالة الاستقرار، بحسب ظروف البلد الذي انطلقت فيه، والقوى القائمة عليها، والمستفيدة من نجاحها، والقوى المضادة التي تحاول عرقلتها، فقد استغرقت الثورة الفرنسية نحو عشر سنوات للاستقرار، والثورة البلشفية نحو خمس سنوات، والثورة الايرانية نحو سنتين، وقد سقط آلاف الضحايا قبل الوصول إلى حالة الاستقرار.

ﺷﻬدت اﻟﻣﻧطﻘﺔ اﻟﻌرﺑﻳﺔ ﻣﻧﻌطﻔﺎ ﺳﻳﺎﺳﻳﺎ ﺧطﻳراً ﺗﺟﺳد ﻓﻲ ﺣرﻛﺎت واﺣﺗﺟﺎﺟﺎت ﺷﻌﺑﻳﺔ كبيرة ، ﺑدأت ﻣن ﺗوﻧس ﻓﻲ اواخر عام 2010 ،ﺛم اﻧﺗﺷرت ﻓﻲ ﺟﻣﻳﻊ أﻧﺣﺎء ﻣﻧطﻘﺔ اﻟﺷرق اﻷوﺳط وﺷﻣﺎﻝ أﻓرﻳﻘﻳﺎ اﻟﻌرﺑﻲ ، وﺑﺎﺗت ﺗﻌرف ﺑﺛورات اﻟرﺑﻳﻊ ،وﻗد ﻋﻣت ﺑﻌض اﻟدوﻝ اﻟﻌرﺑﻳﺔ ﻣوﺟﺔ ﻋﺎرﻣﺔ ﻣن اﻟﺗﺑدﻝ اﻟﺳﻳﺎﺳﻲ ﻣﻧذ اﻧدﻻع ثورات وﺣرﻛﺎت اﻻﺣﺗﺟﺎج ﻋﻠﻰ اﻟﻧظم اﻟﻌرﺑﻳﺔ ، ﻓﻘد وﺻﻝ اﻟﺗﻐﻳﻳر إﻟﻰ ﺗوﻧس وﻣﺻر وﻟﻳﺑﻳﺎ واﻟﻳﻣن ، ﺑﻳﻧﻣﺎ اﺗﺧذ أﺷﻛﺎﻻ أﺧرى اﻣﺗدت ﻣن ﻧطﺎق اﻟﺻارع اﻟﻣﺣدود وﺻوﻻ إﻟﻰ اﻟﺣرب اﻷﻫﻠﻳﺔ اﻟﺷﺎﻣﻠﺔ ﻛﻣﺎ ﺣﺻﻝ ﻓﻲ ﺳورﻳﺎ، انطلقت الثورات لتحمل معها مطالب الناس وأحلامهم وطموحاتهم عبر مخاض وميلاد عسير يمهد لمستقبل جديد وتغيير اقتصادي واجتماعي وسياسي وثقافي جذري، من حيث القيم والأفكار والعلاقات والأدوات، ولعظم ذلك يكون من المنطقي أن تواكب كل ثورة، ثورتان: ثورة في التوقعات والطموحات أمام اتساع الآمال في التغيير، وثورة مضادة تقف خلفها قوى النظام القديم التي هددت الثورة مصالحها، ونالت من مكتسباتها، ولا تشكل ثورات الربيع العربي استثناءً من هذه القواعد، فقد وُلدت محملةً بثورة مضادة ليس فقط داخل دول الثورات، ولكن ثورة مضادة في عموم الإقليم، مدعومة من أطراف دولية، وجدت في هذه الثورات تهديداً حقيقياً لمصالحها ونفوذها ورغبتها في استمرار تبعية دول المنطقة ونظمها وشعوبها لتدور في فلكها، في إعادة جديدة بآليات جديدة للاستعمار ومنظومته،وﻣﻧﻬﺎ ﻣﺎ اﺗﺧذ اﻟﺷﻛﻝ اﻟﺳﻠﻣﻲ ﺑﻌﻳدا ﻋن اﻟﺗﻐﻳﻳر واﺗﺟﺎﻫﻪ وكل هذه الاحداث وتوابعها طرﺣت اﻟﻌدﻳد ﻣن اﻟﺗﺳﺎؤﻻت ﺣوﻝ اﻷﺳﺑﺎب والمحفزات اﻟﻛﺎﻣﻧﺔ وراء ﻫذﻩ الثورات واﻻﺣﺗﺟﺎﺟﺎت ، ونظراً ﻷﻫﻣﻳﺔ اﻟﻣوﺿوع ، ﻻﺑد ﻫﻧﺎ ﻣن اﻟوﻗوف ﻋﻠﻰ طﺑﻳﻌﺔ وﻣﻼﻣﺢ وﺧﺻوﺻﻳﺎت أﺣداث اﻟرﺑﻳﻊ اﻟﻌرﺑﻲ ﻣن ﺣﻳث اﻷﺳﺑﺎب وﻣدى اﻟﺗﺑﺎﻳن واﻟﺗﺷﺎﺑﻪ،ﻓﻘد ﺟﺎءت اﻟدارﺳﺔ ﻟﻠﺗﻌرف ﻋﻠﻰ اﻟﻌواﻣﻝ اﻟﻛﺎﻣﻧﺔ ﺧﻠف اﻧدﻻع ﺛوارت واﺣﺗﺟﺎﺟﺎت اﻟرﺑﻳﻊ اﻟﻌرﺑﻲ  وﻣﻌرﻓﺔ أوﺟﻪ اﻟﺗﺑﺎﻳن واﻟﺗﺷﺎﺑﻪ اﻻﻗﺗﺻﺎدي واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻓﻳﻣﺎ ﺑﻳن اﻟدوﻝ اﻟﻌرﺑﻳﺔ.

اﻟرﺑﻳﻊ اﻟﻌرﺑﻲ  ﻳﻌود ﻣﺻطﻠﺢ اﻟرﺑﻳﻊ اﻟﻌرﺑﻲ إﻟﻰ الثورات  اﻟﺗﻲ ﺣدﺛت ﺳﻧﺔ 1848 ، اﻟﺗﻲ ﻳﺷﺎر إﻟﻳﻬﺎ احياناً ﺑﺎﺳم” رﺑﻳﻊ اﻷﻣم” ، و رﺑﻳﻊ ﺑارغ 1968 من القرن الماضي ، واﺳﺗﺧدم اﻟﻣﺻطﻠﺢ  في أﻋﻘﺎب ﺣرب العراق من ﻗﺑﻝ اﻟﻌدﻳد ﻣن اﻟﻣﻌﻠﻘﻳن واﻟﻣدوﻧﻳن ، ﺣﻳث ﻛﺎن ﻣن اﻟﻣﺗوﻗﻊ ﺣرﻛﺔ ﻋرﺑﻳﺔ ﻛﺑرى ﺻوب الديمقراطية  ،وﻗد ﺑدأ اﻻﺳﺗﺧدام اﻷوﻝ ﻟﻣﺻطﻠﺢ اﻟرﺑﻳﻊ اﻟﻌرﺑﻲ ﻛﻣﺎ اﺳﺗﺧدم ﻟﻠدﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻷﺣداث ﻣﻊ ﻣﺟﻠﺔ اﻟﺳﻳﺎﺳﻳﺔ اﻷﻣرﻳﻛﻳﺔ ، وﻳﻣﻛن ﺗﻌرﻳف اﻟرﺑﻳﻊ اﻟﻌرﺑﻲ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻣوﺟﺔ ﺛورﻳﺔ ﻣن المظاهرات واﻻﺣﺗﺟﺎﺟﺎت ﻋﻠﻰ ﺣد ﺳواء  اﻟﻌﻧﻳﻔﺔ و غير العنيفة  ، وأﻋﻣﺎﻝ اﻟﺷﻐب ، واﻟﺣروب اﻷﻫﻠﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﺗﻲ ﺑدأت ﻓﻲ أواﺧر ﻋﺎم  2010 ﻓﻲ ﺗوﻧس اﺣﺗﺟﺎﺟﺎ ﻋﻠﻰ ﺳوء اﻷوﺿﺎع اﻟﻣﻌﻳﺷﻳﺔ أﺛرﻫﺎ ، ﺛم ﻣﺎ ﻟﺑﺛت أن اﻣﺗدت ﻋﻠﻰ ﻣوﺟﺔ ﻣن اﻻﺣﺗﺟﺎﺟﺎت إﻟﻰ  اﻷردن والجزائر والعراق واﻟﻣﻐرب واﻟﺳودان وﻓﻠﺳطﻳن ، وﻫﻧﺎك اﺣﺗﺟﺎﺟﺎت ﺛﺎﻧوﻳﺔ وﻗﻌت ﻓﻲ اﻟﻛوﻳت واﻟﺑﺣرﻳن واﻟﻣﻣﻠﻛﺔ اﻟﻌرﺑﻳﺔ اﻟﺳﻌودﻳﺔ وﻋﻣﺎن وﺟﻳﺑوﺗﻲ وﻣورﻳﺗﺎﻧﻳﺎ والصحراء اﻟﻐرﺑﻳﺔ كما اندلعت اﻻﻧﺗفاظة اﻟﻣدﻧﻳﺔ ﻓﻲ سوريا ،وﺑﺣﻠوﻝ سبتمبر 2012 ﺗم الاطاحة ﺑﺄرﺑﻌﺔ ﺣﻛﺎم دوﻝ عربية ﻫﻲ :ﺗوﻧس ،وﻣﺻر ،وﻟﻳﺑﻳﺎ،واﻟﻳﻣن، اﺷﺗرﻛت اﻻﺣﺗﺟﺎﺟﺎت ﺑﺑﻌض أﺳﺎﻟﻳب اﻟﻌﺻﻳﺎن المدني ﻓﻲ ﺣﻣﻼت ﻣﺳﺗﻣرة ﻟﺗﺷﻣﻝ اﻹضرابات والمظاهرات والمسيرات ، واﻟﺗﺟﻣﻌﺎت ، ﻓﺿﻼ ﻋن اﻻﺳﺗﺧدام اﻟﻔﻌﺎﻝ ﻟوﺳﺎﺋﻝ اﻹﻋﻼم اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻳﺔ ﻟﻠﺗﻧظﻳم  واﻟﺗواﺻﻝ ، وزيادة اﻟوﻋﻲ ﻓﻲ ﻣواﺟﻬﺔ ﻣﺣﺎوﻻت اﻟدوﻟﺔ الرامية إﻟﻰ اﻟﻘﻣﻊ واﻟرﻗﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺗرﻧت، وﻗد ﻗوﺑﻠت اﻟﻌدﻳد ﻣن ﻣظﺎهرات اﻟرﺑﻳﻊ اﻟﻌرﺑﻲ ﺑردود ﻋﻧﻳﻔﺔ ﻣن ﻗﺑﻝ اﻟﺳﻠطﺎت ، وﻛذﻟك ﻣن اﻟﻣﻳﻠﻳﺷﻳﺎت اﻟﻣواﻟﻳﺔ ﻟﻠﺣﻛوﻣﺔ وﻣﻛﺎﻓﺣﺔ اﻟﻣﺗظﺎﻫرﻳن ،وقد تم  اﻟرد ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟﻬﺟﻣﺎت ﻋن طرﻳق اﻟﻌﻧف ّ ﻣن طرف المتظاهرين ﻓﻲ ﺑﻌض الاحيان ، وﻛﺎن اﻟﺷﻌﺎر اﻟرﺋﻳﺳﻲ ﻟﻠﻣﺗظﺎﻫرﻳن ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻌرﺑﻲ (الشعب يريد اسقاط النظام ).

اما الثورات واﻻﺣﺗﺟﺎﺟﺎت  اﻟﻌرﺑﻳﺔ ﻓﻳﻣﻛن اﻟﻘوﻝ إﻧﻬﺎ  ﻛﺎﻧت ﺛوارت ﻏﻳر ﻧﻣطﻳﺔ ﺳﻣﺗﻬﺎ اﻟﺳﻠﻣﻳﺔ واﻟﻣدﻧﻳﺔ ﻣﺎﻋدا ﺑﻌض ﺣﺎﻻت عبارة ، ﻋن حراك مجتمعي غير منظم ﺗﻐﻠب ﻋﻠﻳﻪ اﻟﻌﻔوﻳﺔ اﻟﺗﻠﻘﺎﺋﻳﺔ واﻟﺣﻣﺎﺳﺔ ، وﻻ تحمل مشروعاً سياسياً او ايديولوجياً  ﺑﻝ ﻣطﺎﻟبها اﺟﺗﻣﺎﻋﻳﺔ ، وﻏﻳﺎب ﻣرﺟﻌﻳﺎت ﻗﻳﺎدﻳﺔ ، واﻟﻣﺑﺎﻟﻐﺔ ﻓﻲ دور وﺳﺎﺋﻝ اﻟﺗواﺻﻝ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ،  واﺳﻘﺎط اﻟﻧظﺎم ﺑﺳﻬوﻟﺔ واﻟﺗﻌﺛر ﻓﻲ ﺑﻧﺎء ﻧظﺎم جديد.

TOP