الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
عندما نشر جان جاك روسو 1712-1778 عمله “أحلام يقظة مشّاء منفرد” لم يكن يعلم أنّه يدشّن جنسًا في الكتابة، (أو ما يشبه الجنس) وأنّ آخرين غيره سيصوغون أعمالهم على منواله. وربّما كان الخطأ خطأ النقّاد الذين أصّلوا أصول “أدب الرحلات” ولكنّهم لم يقعّدوا قواعد “أدب المشي والمشّائين”!
ضمن هذا النمط القديم/الجديد أصدر الكاتب الفرنسي إيريك آزون عملاً تحت عنوان “عبور باريس” سلّط الأضواء من خلاله على المسار اليوميّ الذي ظلّ يسلكه عقودًا طويلة من جنوب عاصمة الأنوار إلى شمالها، لافتًا انتباه القارئ إلى أنّ المكان يعبق بالزمان، وأنّ كلّ زاوية وكلّ منعطف وكلّ ركن وكلّ شارع يحيل إلى ماض بعيد أو قريب، تمامًا مثلما هو منشدّ إلى لحظات الحاضر المتحوّلة المنفلتة.
ولكنّ إيريك آزون لا ينظر إلى باريس من حوله بعين السائح ولا بشجون الشاعر، بل بوعي الثائر الذي لم تنقطع ثورته، ولم تتوقّف منذ سنوات الخمسين التي كان فيها من أكبر المناصرين للقضيّة الجزائريّة، مرورًا بسنوات السبعين التي حملته إلى بيروت، حيث مارس مهنة الطب والجراحة إلى جانب القوى التقدّمية أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، انتهاءً بآرائه حول مسألة الحريّات الفردية والجماعيّة في فرنسا في ظلّ التهديدات الإرهابية.
في رحلة المكان والزمان يعبر إريك آزون فضاءات باريس ويستنطق في كلّ خطوة المعالم والأحداث والشخصيات بحثًا عن ذاته وعن ذوات الآخرين. يثري فضول هواة التاريخ وباريس، الذي عليه أن يسير في شوارعها مع الكتاب لدراسة الحاضر مع الماضي في منظور عكسي. إنه القرن التاسع عشر على وجه الخصوص، قرن الثورات في باريس (1830، 1832، 1848، 1871).
يعد هذا الكتاب ثروة من المعلومات، ونزهة ساحرة ومفصلة بشكل شيطاني – عندما يشيد بالمتمردين الجمهوريين في شارع سان مارتن في عام 1832 أو عندما يستدعي المراوغات الباريسية المرئية، مثل Sacré-Cœur التغلب على شارع نوتردام دي لوريت شارع لافيت -، يجب قراءة “عبور باريس” أثناء المشي. تدريجيًا، سوف تصبح معالم المدينة أكثر حدة للقارئ، أعمق وأكثر سمكًا، وسوف تظهر في جميع أبعادها، والفضاء، والوقت، كلها تجتمع تحت قلم إيريك آزون.
المصدر: مجلة فكر
This post is also available in: English (الإنجليزية)