الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
إن اتهام شخص ما اليوم بأنه من مخربي الآلات (اللودايت) يوحي بأنه معارض للتقدم بلا تدبر ومقاوم للتغير التكنولوجي، لكن الكاتب “كارل بينيديكت فراي” يقول في كتابه “فخ التكنولوجيا” إن قراءة التاريخ من هذا المنظور تحمل في ثناياها حقيقة مهمة وهي أن مخربي الآلات كانوا على صواب.
وكان مخربو الآلات “اللودايت” أعضاء منظمة إنجليزية سرية لعمال النسيج في القرن التاسع عشر لجأوا إلى تدمير الآلات اعتقادًا منهم بأنها تهدد وظائفهم.
ومن الثورة الصناعية إلى عصر الذكاء الاصطناعي، يقدم الكتاب عرضًا شاملاً لتاريخ التقدم التكنولوجي وكيف غير هذا التقدم بشكل جذري توزيع السلطات الاقتصادية والسياسية بين أعضاء المجتمع.
وكانت الثروة الصناعية علامة فارقة في التاريخ لكن عددًا قليلاً استفاد من نتائجها الهائلة في ذلك الوقت وهنا ينبه “فخ التكنولوجيا” إلى أنه في خضم ثورة أخرى تكنولوجية، فإن دروس الماضي يمكن أن تساعد في مواجهة الحاضر بدرجة أفضل.
ويصف كتاب “فخ التكنولوجيا: رأس المال والعمال والنفوذ في عصر الأتمتة” بأنه أحد أشمل التفسيرات لعصر “الأتمتة” حتى اليوم.
الذكاء الاصطناعي
تحول العالم مع الثورة الصناعية ليشهد ارتفاعًا مدهشًا في مستويات المعيشة في بريطانيا ومناطق كثيرة أخرى من العالم لكن للأسف فإن معظم من عاشوا في ظل هذا التحول الاقتصادي الهائل لم يكونوا ضمن المستفيدين الأساسيين.
ويوضح فراي أن الثورة الصناعية جلبت ثروة ورفاهية لم يسبق لهما مثيل على المدى الطويل لكن التبعات الفورية على معاصري “التحول إلى الآلة” كانت مدمرة على أعداد كبيرة من السكان.
ويستكشف المؤلف التحول إلى الآلة وتبعاته، ويأخذ القارئ في مسح طويل للتاريخ الصناعي في بريطانيا والولايات المتحدة يظهر الفارق بين التكنولوجيا التي تُمكن العامل وتلك التي تحل محله.
ويقدم شرح “فراي” درسًا تاريخيًا مفيدًا عن عصر الذكاء الصناعي حيث حلت التكنولوجيا محل المهارة البشرية ويوضح إلى أي مدى يمكن للتكنولوجيا بمفردها أن تحدد تطور واقعنا السياسي والمجتمعي.
“كنا هنا من قبل”
تراجعت الوظائف متوسطة الدخل وضعفت الأجور وتراجعت حصة دخل الفرد العامل وارتفعت الأرباح وزاد انعدام المساواة الاقتصادية بشكل هائل. ويقول الكاتب إن تلك الاتجاهات تعكس على نطاق كبير ما يحدث في عصر الآلة المتقدمة الراهن (الأتمتة) الذي بدأ بثورة الكمبيوتر.
ففي القرن التاسع عشر، عبر العمال بعنف عن مخاوفهم من الآلات التي أخذت مواقعهم في العمل. وانضمت انتفاضات “اللودايت” إلى موجة طويلة من أعمال شغب مرتبطة بظهور الآلات اجتاحت أوروبا والصين.
ولم تلجأ الطبقة العاملة البائسة في العصر الراهن إلى القوة البدنية كما حدث في الماضي، لكن إحباط أفرادها قاد إلى ظهور حركات شعبوية وزادت من تفكك المجتمع. ومع تعرض وظائف الطبقة المتوسطة للضغط، فلا يوجد ضامن لاستمرار الاتجاهات الإيجابية للتكنولوجيا.
وفكرة الكاتب الرئيسية هي تنبيه الناس حتى لا تتحول الثورة التكنولوجية الأخيرة إلى تكرار للثورة الصناعية بعواقبها السيئة سياسيًا واجتماعيًا ويقول في هذا الشأن “رسالة الكتاب هي أننا كنا هنا من قبل”.
الروبوت والسلطة السياسية
وكتاب “فراي” جدير بالاهتمام لأنه أعد مادته بتعمق وشارك من قبل في تأليف واحد من أهم الأبحاث عن عصر الآلة بالتعاون مع الخبير التكنولوجي “مايكل أوزبون” عام 2013 وأشار إلى أن 47 بالمئة من الوظائف الأمريكية مهددة بسبب الذكاء الاصطناعي.
والكاتب منفتح بالطبع على فكرة أن الذكاء الاصطناعي قد يسفر عن ارتفاع كبير في الإنتاج تماما مثل ما حدث في الثورة الصناعية، لكنه يحذر من أن مكاسبه قد لا توزع بشكل متساو كما حدث في الماضي.
ويختم “فراي” بأن خسارة العمال لوظائفهم أمام أجهزة الإنسان الآلي (الروبوت) ستعتمد في النهاية على “التوزيع المجتمعي للسلطة السياسية”.
والكاتب “كارل بينيدكت فراي” خبير في الاقتصاد والتاريخ الاقتصادي يحمل الجنسيتين السويدية والألمانية وهو زميل وحدة أوكسفورد مارتن للدراسات والسياسة، ومنسق برنامج أوكسفورد مارتن للتكنولوجيا والتوظيف بجامعة أوكسفورد.
ويعمل الكاتب أيضًا زميلاً بمعهد الفكر الاقتصادي الجديد بأوكسفورد وفي قسم التاريخ الاقتصادي بجامعة لوند.
مجلة فكر
This post is also available in: English (الإنجليزية)