فضيلة القوميّة

عنوان الكتاب فضيلة القوميّة
المؤلف يورام هازوني
الناشر Basic Books
البلد أمريكا
تاريخ النشر 2018
عدد الصفحات 304

أشتري الكتاب حقوق الترجمة

الوصف

This post is also available in: English (الإنجليزية)

عادت فكرة قوميّة الدولة إلى واجهة الجدل السياسي مع إقرار إسرائيل لقانون الدولة القوميّة للشعب اليهودي في يوليو عام 2018، وبالرغم مما خلّفه من حالة كبيرة من الجدل سواء داخلها أو حتى خارجها، وما ارتبط بذلك من انتقاداتٍ لاذعة في ظل رفض اعتبار إسرائيل لليهود فقط، فقد كان هناك العديد من الأطروحات التي تُعدِّد مزايا القوميّة وتراها حلاً مثاليًا نحو تحقيق الأفضل للمواطنين.

وفي هذا الإطار يأتي كتاب “فضيلة القوميّة” للكاتب والفيلسوف الإسرائيلي “يورام هازوني” (مؤسس ومدير معهد أبحاث القدس)، الذي يناقش التحوُّل في النظر إلى فكرة القوميّة من كونها قوة تحرُّرية يمكن أن تجلب الاستقلال وتقرير المصير للشعوب المُستعبَدة، وقد كانت تلك الرؤية منتشرة على نطاق واسع قبل عدة عقود، إلى كونها دافعًا للانقسام والعنصرية أحيانًا وفقا لرؤية الليبراليين. 

يُعرّف الكاتب الأُمّة بأنها عدد من القبائل أو الشعوب لديهم لغة أو دين مشترك، وتاريخ سابق من العمل كوحدةٍ واحدة. ويري هازوني أن هذا الشكل يُمثِّل الأساس الشرعي الوحيد لقيام الدولة. ويزعم أن فكرة الدولة “المحايدة” أو “المدنية” هي مجرد خرافة في ظل ارتباط الأفراد من خلفيات مختلفة بمبادئ مشتركة. ويتسق الطرح الذي يقدمه الكتاب بدرجة كبيرة مع ما تسوقه إسرائيل من يهودية الدولة باعتبارها كيان يجمع كل الذين ينتمون لليهودية في وطن واحد أو دولة واحدة مع استبعاد غير اليهودي، وكذلك تبنيها قانون الدولة القوميّة للشعب اليهودي.

ويبرز الكاتب الدولة القوميّة – الدولة التي تحكمها ثقافيًا وسياسيًا أُمّة – بأنها الخيار الجيّد بين عُزلة القبيلة واستبداد الدولة الإمبريالية، حيث أنه بالرغم من قيام الأخيرة بالاهتمام بتحقيق العدل والدفاع عن الغزو الأجنبي ورفع المواطنين فوق درجة الانتماء القَبلي إلا أن الدولة القوميّة ذات خصوصية أكثر من كونها عالميّة في ظل وجود تجمُّع بشري لديه تراث ولغة أو دين مشترك، وبالتالي فإنها لا تسعى للتوسُّع المستمر بعكس الدولة الإمبريالية بل تسعى لتحقيق الثقة المتبادلة بين مواطنيها وتعزيز التضامن الاجتماعي فيما بينهم.

كذلك يوجد في إطار الدولة القوميّة درجة أكبر ممن التضامن بين الحُكّام والمحكومين في ظل وجود التزام قائم بينهما على أساس الهوية المجتمعية المشتركة، وقد كان لذلك بحسب “هازوني” دورا هاما في ظهور المؤسسات السياسية الحُرَّة، والتوازن بين تلك المؤسسات مثلما حدث عندما تحوَّلت أوروبا البروتستانية إلى دول وطنية مثلما حدث في بريطانيا، حيث يؤكد الكاتب أن معظم الحريات المدنية والسياسية التي يتم الأخذ بها كأمر مُسلَّم به في الوقت الحالي قد ظهرت وتبلورت بالأساس في دول قوميّة مثل بريطانيا وهولندا.

وفي ضوء ذلك يرفض “هازوني” ما يُشار إليه في الولايات المتحدة الأمريكية تحت مسمى “القوميّة المدنية” القائمة على فكرة الالتزام بالقيم المُجرَّدة بين أفراد الدولة، والمُتضمّنة في الوثائق التأسيسية للدولة أو دستورها، حيث يشير إلى أن ذلك لا يمكن أن يكون بديلا معقولا للولاء القائم على أساس السمات المشتركة مثل الدين أو اللغة بين أفراد الدولة.

ويُبرِّر الكاتب موقفه ذلك بسبب وجود أقليات داخل تلك الدولة، هي أقليات مضطهدة أو منعزلة عن الثقافة الوطنية المهيمنة، وبالتالي فإن الدستور سيتم النظر إليه بدرجة من عدم القبول في ظل اضطرارها إلى دمج أنفسها في إطار الثقافة الغالبة.

يشير “هازوني” إلى أن الدولة القوميّة تاريخيًا هي الكيان السياسي الوحيد المتماسك بشريًا وعسكريًا في مواجهة العدوان الإمبراطوري المنتظم. كما أن الإمبراطوريات العالمية التي عرفها التاريخ كانت مليئة بالعيوب لا سيّما في ظل شعور قادتها بدرجةٍ من درجات الازدراء تجاه الشعوب الخاضعة لهم، والتي لا تجتمع معهم في شئ مشترك. ولذا، فإن قادة تلك الإمبراطوريات يلجأون إلى الاستبداد لضمان الطاعة في ظل غياب روابط موضوعية تكفل الولاء التام للإمبراطورية.

ويضيف يجب على الدول ألا تخضع خياراتها وحريتها تحت سطوة المؤسسات الدولية، حيث يحاول “هازوني” من خلال ذلك القفز فوق انتقادات المنظمات الدولية، والاتحاد الأوروبي التي تطال إسرائيل بخصوص التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية على سبيل المثال، حيث يبرز الكاتب كون تلك المؤسسات تحاول نزع الشرعية عن أي دولة تحاول اتخاذ موقفا مخالفا أو متعارضا معها، وهو ما يتعارض مع استقلالية الدولة وسيادتها.

ويشير الكاتب إلى أن تماسك الدولة القوميّة أساس ضروري لصالح الحرية والتسامح والحقوق الفردية بما في ذلك للأقليات التي توجد بها. وفي هذا الإطار فإن الدول التي تفتقر إلى التماسك الذي توفره أغلبية ذات تراث مشترك تتحول إلى ديكتاتوريات أو تمزق نفسها في حروب أهلية أو كليهما مثلما حدث في يوغوسلافيا على سبيل المثال، وكل إمبراطورية ضمّت جنسيات مختلفة وثقافات متباينة ولم يوجد أساس مشترك لمواطنيها قد واجهت نفس المصير السئ.

وفي هذا الإطار فإن “هازوني” يُفسّر سبب عدم قيام الحكومة الإسرائيلية بضم الضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك يحاول تفسير سبب رفض غالبية الإسرائيليين ضم الفلسطينيين في إطار دولة واحدة، حيث يبرز كون ذلك من شأنه أن يدمر الدولة القوميّة اليهودية حيث أن تماسك الدولة القوميّة في إسرائيل يعتمد بحسب الكاتب على وجود أغلبية ذات خصائص مشتركة معينة، وبالتالي فإن ضم أي سكان لا يتقاسمون تلك الخصائص من شأنه تقويض الدولة.

يعتمد الكاتب على مقولة رئيسية مفادها أنّ الدولة القوميّة وفق التاريخ قد عززت من قيم الحرية والديمقراطية والحقوق الوطنية، بيد أنه يُنظر إليها اليوم على نطاق واسع على أنها دولة عدوانية وقمعية وعنصرية. ويحاول “هازوني” الإجابة على ذلك من خلال الحديث عن النازية، حيث يرى أن الحرب العالمية الثانية هي التي أدَّت إلى انتشار مثل تلك القناعات التي يعتبرها مغلوطة.

ويزعم الكاتب بأن الدولة الإمبراطورية تسعى في كل الأوقات إلى التوسُّع، وإلى أجلٍ غير مُسمّى، وكذلك تسعى لطمس الثقافات المحليّة بإسم الإمبريالية. كذلك يجادل الكاتب بأنَّ النازية كونها تجاهلت الحدود الوطنية في السعي نحو الهيمنة الألمانية على أوروبا فقد كانت في الواقع شكلاً من أشكال الإمبريالية العالمية وليس القوميّة.

ولهذا، يرفض اعتبار ألمانيا النازية بمثابة دولة قوميّة ولكنها كانت دولة إمبراطورية في ظل رغبتها التوسعية الشرسة، واستخدام الجنود الألمان القوة العنيفة ضد الآخرين، في حين أن الدولة القوميّة هي دولة طبيعتها تعتمد على حدود معينة ومحددة، ولذا فإن كل حرب واسعة النطاق في التاريخ كانت ناتجة عن طموحات إمبراطورية مثل حروب نابليون وكذلك حروب هتلر.

ويرى الكاتب أن الاتحاد الأوروبي به نفس سلبيات الإمبراطوريات القديمة في ظل افتقاره للتماسك، وذلك ناتج بالأساس إلى عدم وجود لغة مشتركة أو تراث مشترك، حيث يوجد في الاتحاد الأوروبي العديد من اللغات وكذلك الثقافات المتباينة، وهو ما جعل – بعد بضعة عقود من تدشينه – هناك إملاءات تتم قد تتعارض مع رغبة الدولة الوطنية مثلما حدث مع اليونان، وربما هو ما دفع بريطانيا لأن تصبح أول دولة تفكر في الانسحاب من الاتحاد.

ويؤكد “هازوني” على أن التعارض بين السياسات الوطنية وسياسات الاتحاد الأوروبي أمر خطير، حيث أن مسئوليه يزعمون أنهم يعملون لصالح دول الاتحاد ككل، لكنهم في الواقع يعملون على تحقيق مصالح الدول الأعضاء المهيمنين في أغلب الأحوال، ومثال على ذلك سياسات التقشُّف في الاتحاد الأوروبي؛ والتي استفادت منها الدول الدائنة القوية مثل ألمانيا لكنها أضرت بالدول ذات الاقتصادات الأضعف في الاتحاد.

كذلك فإن الاتحاد الأوروبي قد وصل من القوة لدرجة أنه بات قادرًا على إلغاء القوانين الوطنية التي يمكن أن تتعارض مع سياساته، ولذا فإنه أصبح يتحكم في مساحات شاسعة من الحياة السياسية والاقتصادية للدول الأعضاء، من وضع السياسات النقدية إلى وضع قواعد خاصة بالتعليم والبيئة وحتى إدارة المحاكم، وبالتالي فقد تلاشت فكرة السيادة الوطنية.

المصدر

This post is also available in: English (الإنجليزية)

TOP