الوصف
كتاب ” القراءات النسائية على حافة القرآن” (Feminist Edges of the Qur’an) للأستاذة بجامعة سان فرانسيسكو عائشة هداية الله والمنشور بجامعة أكسفورد يتناول موضوع القراءات النسائية الإسلامية للقرآن الكريم في إطار التعريف بمختلف آراء ونظريات أصحابها ونقد بعض مكامن قصورها بالإضافة إلى استشراف مستقبل البحث فيها. وقد اعتمدت الكاتبة في تحليلها على المقاربة التاريخية السياقية historical contextualization والقراءة البين نصية intratextual والنموذج التوحيدي Tahwidic paradigm، كما وزعت محاور كتابها إلى ثلاثة أجزاء مقسمة إلى تسعة فصول.
تتناول الكاتبة في فصلها الأول الصور النمطية التي يتم تداولها حول الحركة النسائية الإسلامية سواء عند المتخصصين أو عند العامة لتحاول تصحيحها من خلال إبراز تنوعها في سياقاتها وامتداداتها، ثم تنتقل إلى عرض أهم المناهج التي تتبعها النسائيات الإسلاميات في قراءتهن للنصوص الدينية المؤسسة، حيث تنتقد استعمالهن لمناهج النقد الأدبي الغربي من أجل تفسير النص القرآني المقدس من منظور نسائي. ورغم ذلك فإن الكاتبة تدعوا إلى مزيد من الحرية وإتاحة الفرصة للجميع من أجل تفسير وانتقاد التفاسير السابقة للقرآن الكريم، كما تشير إلى أن معظم النسائيات الإسلاميات لطالما كان هاجسهن هو تحقيق ذلك التصالح والتوليف بين القيم الإسلامية والقيم الغربية المعاصرة في إطار موجة يمكن أن يطلق عليها اسم الحداثة الإسلامية مما يستدعي التحول في السلطة التفسيرية وانتقالها من يد العلماء الشرعيين إلى علماء يحاولون توسيع دائرة الاجتهاد من أجل مواكبة تحديات العصر.
بة في الفصل الثاني تتطرق الكات إلى مفهوم النسائية الإسلامية من خلال أعمال الكاتبتين مارغوت بدران وأسماء بارلاس حيث تبرز أن كلا الكاتبتين تعترفان بالتنوع الكبير في الحركة النسائية الإسلامية، لكن بينما ترى مارغوت بدران أن هذا هو ما يجعل مصطلح النسائية الإسلامية صالحا للاستعمال، تعتبر أسماء بارلاس أن تعدد المعاني وتعريفات النسائية الإسلامية هو ما يجعل المصطلح غير دقيق وغير معبر حيث وبأن الإسلام يحمل في طياته حقوق المرأة وليس بحاجة إلى خلق مصطلح جديد يصنع فرقا بين الإثنين. الأمر نفسه قد ينطبق على باقي الديانات السماوية حيث أن ما يجمع النسائية الدينية هو هدف مراجعة التفاسير الذكورية والتقليدية للدين، إلا أن الإسلام يختلف عن باقي الديانات حيث أنه يراجع وينتقد التفاسير الدينية فقط ولا يتعداها إلى التشكيك في النص الديني لأن القرآن الكريم هو كلام الله المحفوظ. تشير الكاتبة إلى أن النسائية الدينية عموما جاءت نتيجة عدم قدرة مفهوم النسائية على استيعاب كل نظم الاضطهاد intersectionality (الأجناس والطبقات والأديان) لذلك فإن كلا من هذه التصنيفات بدأ ينحوا إلى تشكيل نضاله النسائي الخاص به (نسائية السود، النسائية الماركسية، النسائية الإسلامية…). كما أن النسائية الإسلامية تتميز بكونها بدأت تظهر بكل قوة خاصة بعد هجمات الحادي عشر من شتنبر 2001 والتي جاءت على وقع مطالب عنيفة من الغرب للإصلاح الديني وحقوق المرأة وأسقطت القراءات النسائية أحيانا في فخ الخطاب الاعتذاري.
في الجزء الثاني تتحدث الكاتبة عن مناهج قراءة القرآن الكريم من طرف النسائيات الإسلاميات فتتطرق أولا إلى المنهج التاريخي الذي تناقش فيه إشكالية النص الديني الثابت والسياق الاجتماعي المتغير حيث يبدوا أن المسلمين يقاومون فكرة تاريخية النص الديني لأنها قد تعني تغيير مضمونه حسب كل زمان ومكان وبالتالي فقدان قدسيته، لكن بالمقابل توضح أن هناك من العلماء من يرى أن البعد التاريخي للنص الديني هو ما يعطي للإسلام صفة صلاحيته لكل زمان ومكان وأنه لم ينزل لزمن الوحي فقط، وهو ما يستدعي الاجتهاد في آليات فهمه والاستنباط منه بدون تغيير مقاصده. هذا المنهج حسب الكاتبة يتم اعتماده كثيرا من طرف النسائيات الإسلاميات في قضايا المرأة مثل التعدد والقوامة وشهادة المرأة.
في الفصل الموالي تسلط الكاتبة الضوء على المنهج البين نصي intra textual الذي يعني قراءة القرآن الكريم كنص موحد متكامل وشمولي تفسر آياته بعضها بعضا، وهو ما ذهب إليه فضل الرحمان وابن تيمية في دعوتهم لتفسير القرآن بالقرآن، فمثلا لا يمكن فهم آية ضرب المرأة في سياق منعزل عن باقي الآيات التي تدعوا إلى معاملتها بالمعروف والإحسان إليها بالمودة والرحمة.
بخصوص المنهج التوحيدي، تتكلم الكاتبة عن أثر الاعتقاد بوحدانية وتفرد الله عز وجل على علاقة المرأة والرجل حيث تصبح العبادة متوجهة نحو الخالق وحده وتنتفي بذلك جميع أشكال التمييز والطبقية بين الجنسين، وهو ما عبرت عنه النسائية الإسلامية أمينة ودود في مبدأ “التبادل الأفقي” (horizontal reciprocity) حيث ترى من خلاله أن الرجل والمرأة متساويين لكنهما مختلفين بشكل لا يجعل علاقتهما طبقية بل علاقة أفقية متبادلة. تقدم الكاتبة نقدا لهذا الطرح وبعض الأطروحات المشابهة له وتبين أن عدم المساواة الاجتماعية لا يعني بالضرورة خرقا لمبدأ وحدانية الله وأن لا داعي لاستخدام هذه الاستراتيجية للتدليل على مبدأ المساواة في الإسلام.
تخصص الكاتبة الجزء الأخير لتناقش أفكار معظم النسائيات الإسلاميات وتعرض رأيها في مجموعة من القضايا خاصة ما يتعلق بالجانب المفاهيمي والقصور الحاصل في التأصيل والاستنباط من خلال مناهج تعتريها كثير من الملاحظات. كما تنتقد مبدأ “المساواة مع الاختلاف” (Equal but different) الذي تتبناه معظم النسائيات الإسلاميات مما يدفعهن إلى البحث عن مصطلحات بديلة للمساواة كالعدل والإنصاف من أجل عدم السقوط في الفهم الغربي لها.
تنتقد الكاتبة أيضا اعتماد النسائيات الإسلاميات على ما أسمته ب”الآيات المريحة” convenient verses)) عوض مواجهة حقيقة أن القرآن الكريم لا ينسجم تماما مع أطروحاتهن حول “العدل والمساواة” التي لا تستند بقوة على النص الديني وهو ما اعتبرته طريق نسائي مسدود feminist imapsse ولذلك تظل القراءات النسائية قابعة على حافة القرآن ولا تستطيع النفوذ إلى عمقه ومركزه خاصة أن النسائيات الإسلاميات لا يمتلكن المصداقية والسلطة للقيام بمثل هذه القراءات حيث أن التفسير النسائي لا ينبغي فقط أن يعيد استعمال المناهج التقليدية للتفسير ولكن ايضا نتائج استعمال هذه المناهج ولذلك تظل مصداقيتهن محل تساؤل وموضوع تحدي في المستقبل.
تتناول الكاتبة أيضا مدى ارتباط وانتشار أفكار ونظريات النسائيات الإسلاميات بالواقع المعيش وتبين بأن ما يقمن به عمل مقدر وجيد لكن في الواقع فإن الناس تقوم بفهم الدين داخل سياقاتها الثقافية وأحيانا بمعزل عن الدين نفسه، ولذلك تطرح التساؤل حول مدى نخبوية أفكار النسائية الإسلامية وتوضح بأنه مهما كانت هذه الأفكار والنظريات عميقة ومهمة يظل التحدي هو تنزيلها على أرض الواقع، وبالتالي تظل تقديرات استشراف المستقبل غير واضحة المعالم في ظل تقارب وتباعد النظريات النسائية مع النص الديني وواقع المسلمين، لكن يبقى الأهم هو أن النسائيات الإسلاميات نجحن في فتح باب نقاشات بناءة تحمل آفاقا واعدة في المستقبل.