الوصف
قصة حياتي – أحمد لطفي السيد
كتاب “قصة حياتي” هو كتاب في السيرة الذاتية للسياسي والمفكر المصري أحمد لطفي السيد (١٨٧٢-١٩٦٣)، تناول فيه ما علق بذاكرته من أحداث وشخصيات ومواقف حفلت بها حياته الطويلة، فتحدث عن نشأته في قرية “برقين” من أعمال السنبلاوين بمديرية الدقهلية، وألقى الضوء على طبيعة التعليم آنذاك وتميزه بطابع الجدية والعمق مما ساهم في تخريج طلاب لهم أساس متين من العلم والخلق. وتحدث عن دراسته للقانون وسفرياته وهو في هذه السن الصغيرة، على عادة أثرياء عصره، ولقاءاته بجمال الدين الأفغاني في استامبول وبمحمد عبده في جنيف وتأثره بهما.
كما تحدث عن اشتغاله بالمحاماة ثم انخراطه في سلك القضاء ثم تحوله إلى الصحافة والسياسة حينما أسس مع بعض الأعيان “حزب الأمة” عام ١٩٠٧ ورأس تحرير صحيفته “الجريدة” وبلورة رؤيته خلال تلك الفترة فيما يتعلق بكيفية استنهاض الأمة عن طريق التربية والتعليم ورفع الوعي والنضال المدني المتدرج لنيل الاستقلال وإحراز التقدم المنشود.
وبيَّن وجهة نظره في السياسة السائدة آنذاك وفي رجالها، فتحدَّث عن سياسة الاحتلال البريطاني في مصر إبان عهد اللورد كرومر ومن بعده كتشتنر والليمبي، وأوضح – بإنصاف ما للاحتلال وما عليه- خاصة في مجالات كالتعليم والمالية والإدارة وعلاقتهم بالصحافة والحريات العامة وكيف أنهم -كما يقول- كانوا حريصين على مصالحهم وفي ذات الوقت يحترمون حرية الرأي والتعبير.
ثم انتقل الأستاذ أحمد لطفي السيد للحديث عن نشأة الحركة الوطنية المصرية ومحاولاتها بلورة شعور وطني مستقل رغم الصعوبات التي واجهتها بسبب الخلط بين المصلحة المصرية والارتباط العاطفي والديني بدولة الخلافة العثمانية. ويذكر هنا أمثلة عديدة من بينها مشكلة ترسيم تخوم مصر الشرقية (العقبة) عام 1906 وكيف كان التنازع بين تركيا وبريطانيا على هذا الحد ووقوف قطاع عريض من المصريين مع تركيا حتى ولو كان في ذلك ضياع لملكية مصر في هذا المساحة الجغرافية وما ذلك إلا مناكفة لبريطانيا التي كانت تحتل مصر آنذاك.
ويطالع القاريء أحوال الطبقة العليا في مصر آنذاك وكيف كان أغلب رجالها من الوطنيين المستنيرين، بعكس الصورة التي رسمها ضباط يوليو ١٩٥٢ والتي حاولوا خلالها المبالغة في تشويه تلك المرحلة سياسةً ورجالاً.
فنطالع في مذكرات لطفي السيد ما فعله سياسيون بقامة سعد زغلول وعبد العزيز فهمي ومحمد محمود وعبد الخالق ثروت وعدلي يكن وغيرهم كثير، فتجد نفسك تقرأ عن رجال دولة بمعنى الكلمة، كل واحد منهم يملأ مركزه علما وثقافة ويتمتع بالحنكة والهيبة، كما تجدهم يمزجون بين الوطنية الغيورة على مصالح الأمة المصرية وبين الواقعية السياسية وما تقتضيه موازين القوة ومساحات الحركة بين الإنجليز والسراي والأستانة.
وتقرأ في الكتاب فصولا غاية في الإمتاع عن إنشاء الجامعة المصرية عام ١٩٠٨ ثم انضمامها لجامعة فؤاد الأول عام ١٩٢٣، وما خطه قلم “أستاذ الجيل” عن مبادئها ورؤيتها وأهدافها، وكيف أن مؤسسوها الأوائل أرادوها منارة للعلم وقبلة للفنون والآداب ومرتقى للعقول والأفهام وليس مكانا لتخريج الموظفين ضيقي الأفق معدومي الثقافة والخيال.
كما تقرأ صفحات تشعرك بالفخر وهو يتحدث عن استقلال الجامعة وحرصها على كرامة أساتذتها وحمايتهم ضد عسف السلطة، كما تبدَّى ذلك في محاولات نقل وزارة المعارف العمومية عام ١٩٣٢ عميد كلية الآداب الدكتور طه حسين من وظيفته كأستاذ بالجامعة إلى عمل إداري بديوان الوزارة ووقوف مدير الجامعة -صاحب هذه المذكرات- ضد هذا القرار الذي رأى فيه خروجا على تقاليد الجامعة وإن كان لا يخالف القانون، فقدَّم مقترحا لرئيس الوزراء إسماعيل صدقي باشا يقضي بتنازل طه حسين عن عمادة الكلية والإبقاء عليه أستاذاً فقُبل المقترح لكنه لم يُنفذ مما أدى بأحمد لطفي السيد إلى تقديم استقالته وتركه للجامعة ثلاثة أعوام ثم عودته إليها مجدداً في تشكيل وزاري آخر بعد أن اشترط لقبوله المنصب إصدار قانون يمنع نقل أستاذ الجامعة إلا بموافقة مجلسها وقد صدر القانون كما أراد.
كما يمر بك في الكتاب لمحات عن نزاهة الانتخابات إلى حد كبير وكيف كان الباشاوات والأعيان يسقطون في دوائرهم إذا لم تكن لهم قاعدة جماهيرية حقيقية تسندهم.
كما يوثق الكتاب لثورة ١٩١٩ بشيء من التفصيل فتعرف أنها كانت نتاجا طبيعيا لبلوغ الوعي بالحرية والاعتزاز بالكرامة مبلغه، وهنا تجد كلمات تقطر حكمةً و مفعمة بالحماس عن معاني الحرية والعزة والكرامة وكيف أنها هي الحياة التي لا تعدلها حياة.
وهكذا يستمر الكتاب فصلا بعد فصل حتى يختمه بإستقالته من الجامعة أوائل الأربعينيات رغبة منه في نيل قسط من الراحة بعد حياة طويلة حافلة بالعطاء، مفضلا التخفف من الوظائف السياسية والإدارية، مستقيلا من الحكومة ودار الكتب والجامعة ومكتفيا برئاسته لمجمع اللغة العربية، ومتفرغا للتأليف والترجمة.
الكتاب مفيد وفصوله متنوعة وقراءته لا تُمل وأسلوبه سلس ورصين وأفكاره واضحة وآراءه في الحرية السياسية والفكرية والاجتماعية صريحة.
ربما لا يعيبه غير الافتقاد لحرارة المذكرات الشخصية وحميميتها التي تنبع من البوح ببعض الأسرار والاعتراف الإنساني ببعض الأخطاء، لكن يبدو أن السنوات الطويلة التي مرت على الكاتب قبل أن يدون هذه المذكرات جعلت برودة الشيخوخة تتسرب إلى سطورها.
عموما، “قصة حياتي” للأستاذ أحمد لطفي السيد كتاب مفيد إن لم يضف لقارئه حياة جديدة فمن المؤكد أنه يثريها.
محمد عبد العالطي
قصة حياتي – أحمد لطفي السيد
للمزيد من الكتب.. زوروا منصة الكتب العالمية