الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
كرهوني بلا سبب
ما هو الكره؟ ولماذا يكره الإنسان إنسانا آخر..؟ وكيف يمكن لهذه المشاعر ذات الطابع الفردي والأسباب الخاصّة أو العامّة المحددة أن تغدو ذات طابع جماعي؟
وأسئلة كثيرة أخرى تدور حول هذا الموضوع القديم ــ الجديد الذي يأخذ أشكالا مختلفة، ولكنه رافق وجود المجتمعات البشرية.
إن محاولة فهم منطق الكره وأنماط تبدّيه في سلوك البشر والمجتمعات، يشكّل موضوع كتاب كرهوني بدون سبب لمؤلفه جاكوب روغوزنسكي، الفيلسوف، والأستاذ في جامعة ستراسبورغ الفرنسية. يحمل الكتاب عنوان: «كرهوني بلا سبب».
المؤلف يعمد في هذا العمل إلى استعراض ظاهرة «الكره» حيال الآخر، أو الآخرين، من منظورات مختلفة. والتركيز أوّلا على تاريخ الظاهرة بالنسبة للمجتمعات الغربية، الأوروبية، عموما والمجتمع الفرنسي خصوصا.
والتأكيد في مثل هذا السياق، على أن «منطق الكره لا يزال نشيطا وفاعلا ومصدر تهديد حقيقيا» في العديد من مناطق العالم. من هنا يجري التأكيد على أن ظاهرة «كره الآخر» قديمة جداً، ولكنها لا تزال تمتلك راهنيتها كأحد «المحركات» الكامنة وراء العديد من موجات العنف المنتشرة في العالم. وينطلق المؤلف في تقصّي مسار تطوّر الكره من أخذه «صورة المنبوذ والأجنبي والساحر»..
ووصولا إلى فترة «الرعب» التي أعقبت قيام الثورة الفرنسية الكبرى عام 1789. لكن هذا لا يمنع واقع أن المؤلف يبحث عن «إسقاطات» ذلك بالنسبة للفترة التاريخية المعاصرة.
هكذا يسوق المؤلف حكاية فلاّحة تحمل اسم «الديغوند دو رو» التي كان قد جرى إصدار الحكم عليها بتهمة ممارسة «السحر» في عام 1601 في منطقة «فلاندر». ويلفت إلى أن ذلك الحكم كان في سياق حملة كبيرة لمطاردة السحر والسحرة في أوروبا، استمرّت منذ أواسط القرن الخامس عشر واستمرّت حتى نهايات القرن السابع عشر.
وتلك الفترة التاريخية تتناظر تبعا للتصنيفات التي يتبنّاها القاموس التاريخي السائد بالنسبة لتطوّر الغرب الأوروبي من عصر النهضة الأوروبي، الذي أعقب العصور الوسطى «المظلمة»، وحتى عصر التنوير الذي يجري تحديده بالقرن الثامن عشر.
ومما يؤكّده المؤلف هو أن تلك الحملة قامت بها السلطات الرسمية. لكنها وجدت بالمقابل، الكثير من الاحتجاجات الغاضبة التي صدرت عن مفكرين ومثقفين آنذاك اعتبروا أن ذلك كان بمثابة اعتداء على «الحريّة الشخصيّة». وليس أقل هؤلاء شأنا الفيلسوف «ميشيل دو مونتين»، أحد أهم الشخصيات الفكرية في التاريخ الفرنسي كلّه، و«ادمون روستان»، مؤلف العمل المسرحي الشهير «سيرانو دو برجراك».
يشير المؤلف إلى أن حملة مطاردة السحر والسحرة بلغت أوجها في ألمانيا التي يطلق عليها المؤلف توصيف «بلاد المحارق». ويذكر أن العديد من الفلاسفة والمفكرين الألمان، من أمثال ايمانويل كانط وحنّة ارنت، «تساءلوا» في فترات مختلفة عن الجذور البعيدة لما عرفته ألمانيا في تاريخها من مجازر على خلفية «كره الآخر».
لا يتردد المؤلف في التأكيد أن «الكثير من الاعترافات» جرى «انتزاعها» تحت التعذيب، وبالتالي كان هناك الكثير من «الحقائق المفبركة» التي لم تكن تتطابق مع الواقع. وكان من بين أكثر السبل في تحديد الأهداف، اللجوء إلى ممارسة «الوشايات»، كما كان يجري في ظل «محاكم التفتيش» حيث كانت تلك «الوشايات» كفيلة بإصدار أقسى الأحكام لمن تعنيهم.
لكن أيضاً كما هو سائد اليوم في ظل العديد من الأنظمة الاستبدادية. وكذلك يشير المؤلف إلى العديد من أنماط الممارسات الأخرى التي شهدتها الفترة المعروفة بتوصيف «سنوات الرعب» التي أعقبت قيام الثورة الفرنسية الكبرى عام 1789 واستمرّت عدّة أعوام.
ويذكر في هذا السياق بما شاع حديثا، تحت عنوان «نظرية المؤامرة». واللجوء إلى المقارنة بين جملة من التجارب لتبيين أنماط تشابهها وما بينها من أشكال تعارض. والشرح في هذا الإطار كيف يقع الانتقال من ممارسة «التهميش حيال الآخر» إلى «ممارسة اضطهاده».
كما يشرح مؤلف هذا الكتاب في الإطار ذاته، كيف أن «غضب الذين يتعرّضون للاضطهاد وتمرّدهم، يمكن أن يتحوّل إلى كره هو الآخر وممارسة التعذيب.. إذا سنحت الفرصة لذلك». وهو يلقي في هذا الإطار بعض الأضواء على أنماط الرعب التي تمارس في الحقبة الراهنة.
ولكن المؤلف يذهب في الواقع أبعد من ذلك، كي يحاول تفسير أنماط السلوك القائمة على مشاعر«كره الآخر»، «الأجنبي»، التي تتكرر في العديد من مناطق العالم ومن قبل الكثير باسم السياسة أو التاريخ.
ألغاز وأضواء كاشفة
يبقى الهدف الرئيسي الذي حدده المؤلف لهذا العمل، الذهاب أبعد من توصيف أعمال العنف والاضطهاد التي وقعت على خلفية «مشاعر الكره» حيال الآخرين، للتركيز على بحث واكتشاف جذور الحقد والضغينة. وما يعبّر عنه أيضا بالجملة التالية: «آمل أن ألقي أضواء جديدة على ألغاز الفترة الراهنة». ومن الواضح أنه يقصد بذلك قبل كل شيء، ما فعلته النازية.
المؤلف في سطور
جاكوب روغوزنسكي. فيلسوف فرنسي، عمل أستاذا للفلسفة في جامعة باريس الثامنة. وهو الآن أستاذ للفلسفة في جامعة ستراسبورغ في شرق فرنسا. قدّم العديد من الأعمال، في عدادها: هبة القانون: كانط ولغز الأخلاق، شفاء الحياة: أهواء الشاعر انطوان ارتو.
https://old.booksplatform.net/ar/product/encyclopedia-of-christianity-in-the-united-states/
This post is also available in: English (الإنجليزية)