الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
لا شك أن وجبات الطعام السريعة التي تحمل عنوان “البيرغر” قد انطلقت من الولايات المتحدة الأمريكية ونجحت في غزو العالم بامتياز. ذلك أنها تجد مصادر بيعها في كل زاوية تقريبًا، في مختلف قارّات العالم، مهما كانت نائية. والأمريكي “سيف غونزاليس”، المعروف أكثر بتسمية” بست بيرغر”، باسم سلسلة وجبات الطعام السريعة المعروفة يكرّس كتابًا للحديث عن “كل شيء عن البيرغر”، كما يقول عنوانه الرئيسي.
وهو كتاب يحكي عن “قصة السندويشة المفضلة في أمريكا”، كما جاء في عنوانه الفرعي، والتأريخ لهذه الوجبة السريعة التي غدت أحد “رموز العولمة” اليوم. وفي هذا العمل يحاول أحد أكبر الأخصائيين بالغذاء في أمريكا عموما وبوجبات الطعام السريعة خاصّة الإجابة على سؤال جوهري يتعلّق بمعرفة “أصول ظاهرة السندويش المفضّل لدى الأميركيين؟”..
يشير المؤلف أن اهتمامه الرئيس يتركز في الفترة الأخيرة على التغذية عمومًا ووجبات الطعام وكل ما يتعلّق بعالم الطبخ. ويقوم سنويًا، برفقة زوجته مارسيلا، بتنظيم عدد من التظاهرات الخاصّة بموضوع اهتمامه في ولاية فلوريدا الأمريكية حيث يقيمان.
إن “غونزاليس” يتعرّض على مدى الفصول الـ 12 التي تتوزع بينها محتويات هذا الكتاب إلى مسيرة ظاهرة الوجبات السريعة ــ البرغرـ بمختلق عناوينها ومسمياتها بحيث شملت “بدايات البيرغر والقصر الأبيض ــ عنوان سلسلة من مطاعم البرغر ــ ومكدونالد وبرغركينغ و الانطلاق والتوسّع وحروب البرغر وأفضل وجبات البرغر وأنواع البرغر المحليّة والبرغر الكوبي ــ فريتا كوبانا ــ ومسابقات البرغر”، كما جاء عناوين تلك الفصول.
يعود “غونزاليس” في تأريخه إلى “اللحم المفروم” الذي كان الفرسان المغول يتزودون به أثناء أسفارهم البعيدة في القرن الثاني عشر وصولًا إلى وجبات الطعام السريعة التي بلغت مرتبة “النجومية” في هذا القرن الحادي والعشرين. ومرورًا بالدور الذي لعبه المهاجرون الألمان إلى العالم الجديد، أمريكا، في القرن التاسع عشر انطلاقًا من مرفأ “هامبورغ” وبجعبتهم كميات كبيرة من اللحم المملّح الذي كان يكفي وضع كمية منه بين شطري قطعة خبز للحصول على “الهمبرغر”، نسبة إلى هامبورغ..
أمّا بدايات بيع سندوش “الهمبرغر” فتعود إلى نهايات القرن التاسع عشر حيث كانت أطباق اللحم البقري المشوي الممزوج مع البصل ووضعه بين شطيرتين من الخبز مع قليل من الخردل تباع في الكثير من الأسواق الشعبية أو المطاعم الشعبية. وكانت تلك “السندويشات” هي الجذر الحقيقي الذي تأسس عليه مفهوم “وجبات الطعام السريعة “.
السلاسل الأولى لمحلات بيع تلك الوجبات السريعة عرفت وجودها في عربات متنقلة وحملت أسماء متعددة من بينها” ويمبي” في شيكاغو خلال ثلاثينيات القرن الماضي و”مكدونالد” التي جعل منها الأخوة “مكدونالد” نوعا من “سفيرة” الوجبات الأمريكية السريعة إلى العالم، و”برغر كينغ” في ميامي خلال الخمسينيات المنصرمة…أمّا “غزو الهمبرغر للعالم” بقوّة اعتبارًا فقد بدأ منذ سنوات السبعينيات في القرن الماضي، العشرين..
ولا يتردد مؤلف الكتاب في اعتبار وجبات الطعام السريعة “الهمبرغر” أنها غدت في مرتبة “النجم” على صعيد المطبخ الأميركي اليوم، وأنها أحد عناوين توسع وجود أميركا في العالم. والتركيز في هذا السياق على أن “البرغر” يحظى بحبّ الأميركيين واحترامهم باعتباره أحد التعبيرات “المحسوسة” عن الهوية الاجتماعية الأميركية.
والحديث في نفس السياق أيضا عما أصبحت وجبات “البرغر” تمثّله من “سلطة ” معنوية وأخلاقية في عالم الغذاء الأمريكي المعاصر. هذا خاصّة تحت رعاية “سلسلة بست برغر” المنتشرة على عموم مناطق الولايات المتحدة الأمريكية وفي أغلبية مناطق العالم والتي تحتل، حسب التحليلات المقدّمة، موقع “السيادة الأعلى” في تاريخ ظاهرة ” الهمبرغر” عمومًا.
ويبدو الكتاب نوعًا من السيرة الذاتية “لعلاقة المؤلف الشخصيّة” مع وجبات الطعام السريعة منذ بداياتها في ميامي وحتى “انتحال” تسميّة “برغر بست” للكتابة تحت عنوانه.
والإشارة أن “سيف غونزاليس” يقوم، من خلال تأريخه للهمبرغر، بالتأريخ للمجتمع الأمريكي نفسه. ولواقع أن سنوات الأزمة الاقتصادية التي رافقت بدايات وجبات الطعام السريعة، ومتواضعة الثمن، لم تكن بعيدة عن النجاح الذي حققته.
ويتقصّى على مدى عدد هام من صفحات الكتاب ما يعتبره “الأصول” التي تعود لها “السندويشة المفضّلة لدى الأمريكيين” منذ تلك التي كان يحضّرها “الجدود” أيام الآحاد. والتوقف في هذا الصدد عند سلسلة مطاعم “برجر كوين” التي أُنشئت في خمسينيات القرن الماضي في فلوريدا ثم “كنتاكي” اعتبارا من بداية عقد الستينيات الماضي.
وكتاب يتعرّض فيه مؤلفه “سيف غونزاليس” بالكثير من “الحماس” وبالكثير من التفاصيل لشرح “الصعود المستمر والثابت” الذي عرفته وجبات الطعام السريعة “الهمبرغر” منذ انطلاقتها وحتى تبوأها موقع الصدارة كـ”رمز عالمي” للمطبخ الأمريكي. وحيث غدا “الهمبرغر” وجبة شعبية “بامتياز” ورمز غذائي أمريكي ــ عالمي ” بامتياز أيضًا”.
والإشارة في هذا السياق أن المؤلف لا يكتفي بالتعرّض لتاريخ “وجبة الطعام الأمريكية” الأكثر شهرة في العالم من حيث تنوعّها و”التحسينات” التي طرأت عليها من حيث مكوناتها. ولكن أيضا وخاصّة عن “العلاقة الإنسانية” التي تمّ نسجها حولها حيث أن هذا “المنتج البسيط” أي ” وجبة الهمبرغر البسيطة” غدا بمثابة نقطة “يلتقي الأمريكيون، ومن شابههم في العالم، حولها”.
المصدر: مجلة فكر
This post is also available in: English (الإنجليزية)