الوصف
كنت شيوعيا
لم أقرأ من قبل كتابا منذ مدة طويلة أثار في نفسي كل هذا القدر من الاشمئزاز ككتاب الشاعر العراقي بدر شاكر السيّاب “كنت شيوعيا”.
الكتاب سرد ممل للفترة التي كان فيها الكاتب عضوا في الحزب الشيوعي العراقي في الأربعينيات وحتى خروجه منه مع انقلاب عبد الكريم قاسم في الخمسينيات.
وقد نشر هذه المذكرات على حلقات مسلسلة في صحيفة الحرية ببغداد عام ١٩٥٩، وأعادت “منشورات الجمل” طباعتها في كتاب عام ٢٠٠٧.
لم يضع المؤلف لنفسه خطة في التأليف يسير عليها ولكنه سار في الكتابة يخبط خبط عشواء فيورد الحادثة تتلوها الحادثة كيفا أتفق. فقط قصَّ علينا في صفحة أو صفحتين من مجموع صفحات الكتاب البالغة ٢٥٥ صفحة أن ثمة حزبا شيوعيا عراقيا تكوَّن وأنه التحق به ظنا منه أنه السبيل لرفع الظلم عن العمال والفلاحين والطبقات الكادحة ولمَّا تبيَّن له زيف إدعاءاته تركه وآل على نفسه فضحه من خلال هذه السلسلة التي بين يدينا.
لم يترك السيَّاب نقيصة إلا وألصقها بالشيوعية والشيوعيين ولم يتوان عن كيل الاتهامات للحزب ولم يبخل على أعضائه بكل ما حواه قاموسه اللغوي من أقذع الشتائم وأقبح الأوصاف، لم يستثن منهم أحدا، كبيرا أو صغيرا، فوصفهم بالعمالة للاتحاد السوفيتي وخيانة وطنهم وقوميتهم وعروبتهم ودينهم في سبيل الكرملين، كما وصف أخلاقهم وسلوكهم بما تقشعر من سماعه الآذان، فكان أقل الأوصاف التي نعتهم بها أنهم شواذ جنسيا وإباحيين وزناة وسرَّاق ومرتشين وأنهم عملاء للأجهزة الأمنية وجواسيس يشي بعضهم ببعض. وللتدليل على ذلك سرد في كتابه عشرات القصص والمواقف لهذا الشيوعي المشهور أو ذاك.
ولم ينس السيّاب وهو في حفلة الردح هذه أن يمدح نفسه وشعره وشاعريته ورهافة حسه وسمو وجدانه وعبقريته في دنيا الأدب بما يجعل أحمد شوقي إلى جانبه قزما ويحوِّل جبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي وميخائيل نعيمه أصفارا على الشمال.
الحق أني تعمدت قراءة هذا الكتاب رغم نفوري منه شكلا ومضمونا لأجيب على تساؤل راودني منذ صفحاته الأولى: كيف لشاعر مشهور -من المفترض أن يسمو به الشعر- أن ينزل إلى هذه الوهاد العفنة؟ وكيف بنا نحن قرّاء العربية ونقّاد الأدب نحتفي بهذا الغثاء الأخلاقي حتى ولو صُبَّ في قالب من الألفاظ الجزلة نثرا كان أم شعرا؟
عموما، يبدو أن ثمة هالات كثيرة يجب أن تُنزع عن أصحابها ويُعاد تقييم أدبهم بميزان “الأدب”.
محمد عبد العاطي
كنت شيوعيا
للمزيد من الكتب.. زوروا منصة الكتب العالمية