الوصف
لم أعرف أن الطواويس تطير
للأديب الكبير بهاء طاهر أسلوب جميل في السرد القصصي. قصصه القصيرة ممتعة. ربما تكون أجمل من رواياته. الرجل يكتب بسلاسة وتلقائية وفي نفس الوقت بتأنق وجمال. يُصوِّر المشاهد ويُركِّب الأحداث ويُنشيء الحوار بين الشخصيات بشكل طبيعي وبسيط للغاية ومع ذلك يقدم لقارئه فلسفة في الحياة جديرة بالتأمل.
اليوم شعرت بشيء من ذلك وأنا أقرأ له مجموعته القصصية “لم أعرف أن الطواويس تطير” الصادرة عن دار الشروق.
القصة التي أعلق عليها في هذا البوست حملت عنوان المجموعة أو قل المجموعة تسمَّت باسمها “لم أعرف أن الطواويس تطير”، وتحكي عن موقف شاهده أثناء زيارته لحديقة مقر الأمم المتحدة بجنيف التي كان يعمل بها مترجمًا قبل إحالته للتقاعد وعودته إلى مصر عام ١٩٩٥.
حدث وهو جالس في تلك الحديقة يستعيد ذكريات سنواته الأربعة عشر أن جاءت إحدى زميلاته القدامى وسلمت عليه وجلست بجواره تدخن سيجارة. كانت انجليزية حسناء انفصلت عن زوجها القادم من أوروبا الشرقية بعد ان عاشت معه قصة حب انتهت بخيانته لها – كما قالت – فسألت بهاء طاهر (بطل القصة): هل كل الرجال هكذا (مثل زوجها) سَفَلة؟
فقال لها إنهم بؤساء. فقالت: سألتك عن تفسير وليس موعظة. فرد عليها: أنا لا أعرف المواعظ ولكن في حياتي الطويلة جرحتني نساء وجرحتُ نساء، وكلما تذكرت ذلك لا أعرف لماذا كنت إلى هذا الحد ضعيفا مرة وقاسيا مرة أخرى.
أثناء الحوار يشاهد الاثنان سيارة مطافيء تدخل الحديقة ليستعمل أحد عمالها سلمها الطويل لانقاذ طاووس عجوز طار فوق غصن شجرة ولا يعرف كيف ينزل (من هنا جاء عنوان القصة لم أعرف أن الطواويس تطير)، وكلما حاول عامل المطافيء رمي شبكة عليه ليصطاده بها طار إلى الغصن الأعلى هارباً فيصفِّق الموظفون الذين كانوا يتابعون المشهد من نوافذ مكاتبهم.
تسأله الحسناء إن كان مع الطاووس المقاوم للأسر أم مع رجل المطافيء الراغب في استعادته حفاظاً على حياته. وفي الأثناء يلمحها حبيبها القديم الذي وصفته قبل قليل بالسافل فيحاول التقرب منها عارضًا عليها إصلاح ما فسد لكنها ترفض.
وينتهي المشهد بمقاومة الطاووس من غصن لغصن ثم في النهاية حينما يخشى على نفسه السقوط يستسلم لشبكة رجل المطافيء فيحمله ويهبط.
وبهاء طاهر يتابع كل ذلك ويرصده ثم يصفه لك وصفا بديعا بلغة تُسَّر وأن تقرأها، وتشعر خلف سرده بفلسفة وحكمة.
“لم أعرف أن الطواويس تطير” مجموعة قصصية مميزة وجميلة. صغيرة الحجم وسهلة القراءة وجديرة أن تُضاف إلى مكتبنا.
محمد عبد العاطي
لم أعرف أن الطواويس تطير
للمزيد من الكتب.. زوروا منصة الكتب العالمية