لوثرينجيا: قصة شخصية لبلاد أوروبا الضائعة

عنوان الكتاب لوثرينجيا: قصة شخصية لبلاد أوروبا الضائعة
المؤلف سايمون ويندر
الناشر Picador; Main Market edition
البلد بريطانيا
تاريخ النشر 2019
عدد الصفحات 576

أشتري الكتاب حقوق الترجمة

الوصف

This post is also available in: English (الإنجليزية)

تلخص ثلاثية الكاتب البريطاني سايمون ويندر، “جرمانيا” و”دانوبيا” والآن “لوثرينجيا”، ألفي عام من التاريخ الأوروبي أنجزها على امتداد أكثر من عشر أعوام، علمًا أنه ليس مؤرخًا أكاديميًا محترفًا، بل يعمل محررًا أول في دار بنغوين. لكن، عندما نُشر كتابه “جرمانيا”، أصبح من الكتب العشرة الأكثر مبيعًا على قائمة صانداي تايمز.

في “جرمانيا” يستعرض الكاتب فكرة الهوية الألمانية التي تكللت بأوهام النازيين القاتلة. وفي “دانوبيا”، يتناول أُسرة هابسبورغ المأزومة، لكنها مع ذلك حكمت إمبراطورية من الجماعات القومية المتنازعة على امتداد 500 عام تقريبًا.

تروي رواية “لوثرينجيا: قصة شخصية لبلاد أوروبا الضائعة” Lotharingia: A Personal History of Europe’s Lost Country، الجزء الأخير من ثلاثية ويندر الذي صدر حديثًا، قصة ذلك الركن من أوروبا الذي يغطي الآن هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ واللورين في شمال فرنسا والقسم الأعظم من شمال ألمانيا غرب نهر الراين. 

سُميت هذه الرقعة نواة أوروبا، لأنها قامت بدور مركزي في الصراع الفرنكو – ألماني وفي تاريخ أوروبا عمومًا، كما تشير صحيفة غارديان في مراجعتها للثلاثية.

كانت عناوين الأجزاء الثلاثية ذكية. فجرمانيا اختراع غير موفق من المؤرخ الروماني تاسيتوس أصبح سلاحًا أيديولوجيًا فتاكًا. ودانوبيا بلاد أقرب إلى الخيال حكمتها أُسرة هابسبورغ التي اقترنت باسمها قرون من تاريخ اوروبا والإمبراطورية الرومانية المقدسة. أما لوثرينجيا فمكان حقيقي، لكن قلة سمعوا به، لأنه كان فضاء سعت إلى ضمه قوى عدة، كدولة فرنسا الناشئة، ثم الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وفي النهاية الآلة الحربية لكل من فرنسا وألمانيا.

يعيد المؤلف إحياء “لوثرينجيا”، ويشرح كيف أن هذه الرقعة من الهراء الأُسري التي أوجدتها معاهدة فردون في عام 843 صنعت الكثير من تاريخ أوروبا حتى نشوء الاتحاد الأوروبي الذي يمكن اعتباره محاولة لإعادة بناء الإمبراطورية الكارولنجية وإلغاء التناحرات القومية التي أدت إلى نشوب الحروب الأوروبية بين عامي 1870 و1945.

نقطة البداية هي شارلمان الذي حكم إمبراطورية مترامية الأطراف وقعت ضحية صراع أُسري بعد وفاته في عام 814. وفي عام 843، تقاسم أحفاده شارل الأصلع ولويس الألماني ولوثر الأول إمبراطورية جدهم. أخذ شارل الغرب ولويس الشرق ولوثر الوسط الذي كان في ذلك الوقت يمتد من بحر الشمال إلى وسط إيطاليا.

حاول لوثر، أكبر الأحفاد الثلاثة، أن يحافظ على إمبراطورية شارلمان، لكنه فشل، بل حتى إن الأراضي التي وقعت تحت سيطرته لم تبق موحدة. وبعد وفاته في عام 855، قُسمت أراضيه بين أولاده الثلاثة، فوَرَث لويس الثاني إيطاليا. وكانت بروفانس حصة شارل وحصل لوثر الثاني على الباقي، وأصبح هذا الخليط يُعرف باسم لوثرينجيا. 

وأدت وفاة لوثر الثاني في عام 869 إلى مزيد من تقاسم الأراضي بين أعمامه الأقوياء في الشرق والغرب، وفي عام 880 كرّست معاهدة ريبمون هذا الانقسام، مانحة حصة الأسد من أراضي لوثر الثاني السابقة إلى فرانسيا الشرقية التي أصبحت لاحقًا الإمبراطورية الرومانية المقدسة، مع إعطاء بعض الأراضي إلى فرانسيا الغربية (فرنسا الآن) التي راودتها مطامح في الاستيلاء على الباقي.

كما أوجدت معاهدة ريبمون مملكتي بورغودي العليا والسفلى وطائفة من المدن والمقاطعات والمؤسسات الكنسية التي تتمتع بقدر من الاستقلال الذاتي لإنتاج ما يُسميها المؤلف “خريطة تبدو وكأنها لوحة تتكون من قطع مختلفة حاول كلب أن يبتلعها ثم تقيأها”. 

هكذا، نشأت نواة أوروبا الفوضوية، حيث استطاعت أجزاء من لوثرينجيا أن تكون مستقلة، فيما تقلبت حظوظ فرانسيا الشرقية والغربية، وأتاحت المنافسة بينهما فرصًا لموزاييك المدن والنبلاء المتنازعين في ما بينهم أن يمارسوا ما رأوا أنها حقوق لهم.

يستعرض المؤلف كيف مهد دوقات بورغوندي لحق الهولنديين في تقرير المصير، وكيف توالت الأزمات على الإمبراطورية الرومانية المقدسة حتى قيام إمبراطورها شارل الخامس بفصل وسط أوروبا عن إسبانيا من طريق الصدفة والدور المركزي للدولة الفرنسية في جمع هذه الأشلاء.

منذ قول فولتير الشهير إن الإمبراطورية الرومانية المقدسة ليست مقدسة ولا رومانية ولا إمبراطورية، لم تعد تؤخذ على محمل الجد، وانهارت مثل بيت من ورق أمام جيوش نابليون لتوحيد أوروبا تحت لواء فرنسا.

بإحياء لوثرينجيا التي نسيها التاريخ، جعلها أحد محاور ثلاثيته يلقي المؤلف نظرة جديدة على القوس المديد للتاريخ الأوروبي مقدمًا قارة تتجاذبها قوى انفصالية مشاكسة ومشاريع كبرى لتوحيدها. حتى الآن، في غمرة المعارك حول بريكسيت ومستقبل الاتحاد الأوروبي، نرى هذا النقائض مشتبكة في حرب متواصلة. وبهذا المعنى، يكون الأوروبيون كلهم ورثة شارلمان.

إيلاف

This post is also available in: English (الإنجليزية)

TOP