الوصف
تشهد السنوات القليلة المقبلة تغيُّرًا جذريًّا في أنماط حياة الأفراد، وطرق إدارة الدول والمؤسسات، وأشكال الحروب والصراعات، مدفوعة في ذلك بتقنيات أكثر ذكاءً ودقَّةً وكفاءةً في مجملها من قدرات الإنسان، تتمثل في نظم الذَّكاء الاصطناعي، والطابعات ثُلاثيَّة، ورُباعية الأبعاد، وتقنيات إنترنت الأشياء، والسيارات ذاتية القيادة، والدرونز، والحاسبات الكمومية، ونظم “البلوك تشين” القادرة على إدارة جميع المعاملات البشرية، وبذلك تدخل البشرية على مرحلة جديدة من التاريخ الإنساني. هذا ما يؤكد عليه الكاتب د. إيهاب خليفة رئيس وحدة التطورات التكنولوجية بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، ويحاول استشرافه في كتابه الجديد “مجتمع ما بعد المعلومات: تأثير الثورة الصناعية الرابعة على الأمن القومي”، الصادرة عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة بأبوظبي بالتعاون مع دار العربي للنشر.
وأشار الكاتب إلى أن الثورة الصناعية الرابعة من شأنها أن تغير ليس فقط من هياكل الإنتاج وخصائص المجتمعات وموازين القوة، بل تغير أيضاً من المنظور المعرفي للبشر تجاه الأشياء بصورة عامة؛ فالبشرية أصبحت على وشك التحول نحو جيل جديد من المجتمعات، حيث ينذر هذا التحول بظهور مجتمع فائق الذكاء تكون فيه اليد العليا للآلة على الإنسان، وتتحقق فيه نبوءات أفلام الخيال العلمي بتآكل المجتمع من داخله عبر إزالة الخطوط الفاصلة بين ما هو إنساني وما هو مادي، ويتعدى ما تم تسميته بمجتمع المعلومات ليظهر “مجتمع ما بعد المعلومات”.
هذا المجتمع الجديد الذي سماه د. خليفة بـ “مجتمع ما بعد المعلومات”، يأتي بعد أربعة أجيال رئيسية مرت بها الإنسانية، وهي: مجتمعات الصيد والزراعة والصناعة والمعلومات، وأخيراً المجتمع أو “مجتمع ما بعد المعلومات” على حد قول الكاتب، ذلك المجتمع الذي تندمج فيه المعلومة والآلة مع عقل الإنسان فتتحول المعلومة لوظيفة.
وأوضح إيهاب خليفة ذلك بقوله إنه بدلاً من أن يستخدم الفرد خرائط جوجل مثلاً للذهاب إلى مقصده كما هو الحال في مجتمع المعلومات، ستقوم السيارة ذاتية القيادة أو الطائرات المسيرة بدون طيار بذلك في مجتمع ما بعد المعلومات، وبدلاً من إعطاء أوامر للربوتات للقيام ببعض الوظائف والمهام، فإنها سوف تقوم بصورة منفردة بتحليل المعلومات من المجسّات وأجهزة الاستشعارات الموجودة في كل مكان وتتخذ القرار بصورة ذاتية، وستقدم تقنيات إنترنت الأشياء خدمات للبشر تسبق احتياجاتهم وتوقعاتهم، ومن هنا تتحول المعلومة لوظيفة تقوم بها الآلة عوضاً عن الإنسان.
وقد حاول هذا الكتاب من خلال أربعة فصول تقديم القوى التكنولوجية المُحرِّكة للثورة الذَّكيَّة التي سوف تؤثر على حياة البشرية في المستقبل القريب، لتنقلها إلى مرحلة “مُجتمع ما بعد المعلومات” لينهي بذلك مرحلة من الحياة الإنسانية، ويعلن تدشين مرحلة جديدة، قد تهيمن فيها العقول الصِّناعيَّة على العقول البشرية، وتتحكَّم في حياة الأفراد مجموعة خوارزميات تُرتِّب لهم أولوياتهم، وأفكارهم، واحتياجاتهم، وتتَّخذ بدلًا منهم قراراتهم، وتُدير شؤون حياتهم اليومية، مثل المساعدات الصوتية الذَّكيَّة، وتقنيات الواقع المُعزَّز، وإنترنت الأشياء، وتتولَّى المركبات ذاتية التحكُّم شؤون تحرُّكاتهم وتنقُّلاتهم، وتقوم الطابعات ثُلاثيَّة الأبعاد بطباعة أطعمتهم الغذائية، وأعضائهم البشرية، ومتطلبات حياتهم اليومية، لتصبح حياة الأفراد عبارة عن مشاهدة أحد أفلام الخيال العلمي.
محمد الحمامصي