الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
يتمحور كتاب “بلو برينت” Blueprint للباحث الاجتماعي في جامعة ييل الأميركية كتاب نيكولاس كريستاكيس (544 صفحة، منشورات ليتل ذبراون، 15 دولارًا) حول المجتمعات الانسانية الناجحة. متسائلاً: ما هو السلوك الذي يجعل المجتمعات تنجح ومن أين يأتي هذا السلوك؟
ينطلق الكاتب بتحليله من القصص التي حملتها معها السفن المحطّمة. ففي عام 1864، تحطّمت السفينتان “إينفركولد” و”غرافتون” على جهتين مختلفتين من جزيرة أوكلاند، الواقعة على بعد 480 كيلومترًا من جنوب نيوزيلاندا.
لم يعرف الناجون من السفينتين بوجود ناجين آخرين على الجهة الاخرى من الجزيرة. وبعد عامٍ على حصول الحادثة، انقسم الناجون من سفينة “إينفركولد” في مجموعات وباتوا يتركون الضعيف يموت من دون مساعدة، ثم لجأوا إلى أكل لحوم البشر. ولم يبق منهم على قيد الحياة، عندما حان وقت انقاذهم، سوى 3 من طاقم السفينة.
في المقابل، استطاع الركاب الخمسة من سفينة “غرافتون” أن ينجوا ويخرجوا جميعهم من الجزيرة على قيد الحياة. يقول كريستاكيس إن حوادث تحطّم السفن هي اختبار جيد لمعرفة كيف يتم بناء المجتمعات. وتعطي مجموعات الناجين الذين يتعايشون في هذه الظروف بيانات مهمّة في هذا الإطار، كما تكشف كيف يختلف الترتيب الاجتماعي بين مجتمع وآخر. وتعطي فكرة عن الإجراءات التي تقود إلى السلام والنجاة او البقاء على قيد الحياة.
السلوك الإيجابي
في تفاصيل ما جرى على السفينتين، كان يقود طاقم سفينة “اينفركولد” قبطان أناني طلب أن يهتم كل انسان بنفسه، بينما تعاون كل من كان على متن “غرافتون” في جميع التفاصيل، ابتداءً من إصلاح القوارب إلى مشاركة جميع الموارد بالتساوي بين الجميع إلى تنظيم برنامجٍ لتبادل الخبرات وهذا السلوك هو الذي ساعدهم على البقاء على قيد الحياة حتى لحظة نجاتهم ومغادرتهم الجزيرة.
بالتالي، يناقش الكاتب أن هذا النوع من السلوك لا يتم تعلّمه من الآخرين فحسب، بل ينتقل أيضًا في الجينات التي تطوّرت لتتمكّن من دفع الشعوب إلى المضي في إنشاء مجتمعٍ صالحٍ.
صحيح أن البشر يشنّون الحروب ويرتكبون الجرائم البشعة، لكن هذا لا يحدد وحده هويّتهم. فعلى الرغم من مسلسلات الدمار والموت، يحث الكاتب القرّاء إلى الإمعان في النظر إلى التطوّر الذي حصل منذ نشاة البشرية.
ينتقل المؤلف بين علم الاجتماع والانتروبولوجيا والفلسفة وعلم الوراثة والاقتصاد، بين الأدغال والمختبر، ثم يعود مجددًا، أحيانًا بسرعةٍ كبيرةٍ. وتفاؤل الكاتب والأدلة التي يمنحها بشأن المجتمعات البشرية التي تميل إلى الأعمال الصالحة، يرفعان المعنويات. كما ينتقل بين الثقافات الانسانية والعادات، مكتشفًا، على صعيد المثال، لماذا أصبح الزواج الأحادي شائعًا جدًا، إنما ليس عامًا وماذا تعني الصداقة بالفعل، وذلك من نظرة تطوّرية.
انطلاقًا من نظرة التفاؤل لديه، يرى الكاتب أن مجموعات البشر قد تكون عملت سويًا كي تحدّد وتقتلع أكثر الناس وحشيةَ من بينها. كما يضيف أن إعدام المجرمين لا يزيل وجود أحد أنواع الجينات الوحشية من المجتمع فحسب، إنما يشير أيضًا إلى أن العنف يجب أن يعاقَب.
هذا يؤدّي إلى نشوء قوانين اخلاقية ويبرهن إيجابيات السلوك الذي يكون في المجتمعات المماثلة، أكثر تجانسًا وسخاءً. بمعنى آخر، وفقًا للكاتب، على الجيران أن يكونوا صالحين مع جيرانهم خشيةً من أن يقتلوهم.
المصدر: إيلاف
This post is also available in: English (الإنجليزية)