الوصف
إذا سألت أحدًا من الذين عاصروا وتربوا على ريشته : ماذا تمثل لك ريشة مصطفى حسين ؟، ستجده يتنهد تلقائيًا ، وتنفرج أساريره ، وترتسم على وجهه ابتسامة ، ويبدأ فى سرد حجم ما كان يمثله له « كاريكاتير» مصطفى حسين .
وأشعر بنوع من الراحة والمتعة ، وتعلو وجهى ابتسامة لا إرادية بمجرد أن انصرف ذهنى إلى ريشة مصطفى حسين ، وبدأ قلمى يخط شىء عنه .. ريشة مصطفى حسين تعنى لى الكثير ، وكانت مع فكرة توأمه العبقرى أحمد رجب عمود خيمة دار أخبار اليوم .
بدأت علاقتى بريشة مصطفى حسين منذ سنوات الطفولة ، عرفته قبل أن أعرف اسم أى كاتب من كتاب الأخبار ، وكان فى الحقيقة هو دليلى فى التعرف على جريدتى المحببة التى عشت عمرى المهنى فيها فيما بعد ..
فى الصيف لم تكن لدى فرصة استمتع فيها بوقتى ، لجأت إلى هواية جمع الصفحة الأخيرة من جريدة «الأخبار» التى كان يحرص والدى على شرائها ، أقطع الصفحة واحتفظ بها إلى وقت الصيف ، حيث نلجأ الى عمل مسابقة ، بينى وبين أختى التى تكبرنى ، ونحتكم إلى أخينا الأكبر : أينا يستطيع تقليد ريشة مصطفى حسين !
هذا الأمر جعلنى أتعرف على كل الشخصيات التى ابتكرتها عبقرية مشتركة لكل من مصطفى حسين وتوأمه الكاتب الصحفى الكبير أحمد رجب ، وبلغت عبقرية ريشته مداها الى الحد الذى تكاد ترى فيها «الكحيت » يعيش بيننا بشحمه ولحمه ، وتقابل عزيز بيه الأليت ، وتكاد ترى كمبورة عضو البرلمان الفاسد الذى يسعى إلى نيل رضا «أندال» الدايرة بأى ثمن مع كل انتخابات للبرلمان.. وبالتأكيد قابلت أكثر من مرة فلاح كفر « الهنادوة » بزيه الريفى المميز وطاقيته ، وتعليقاته الساخرة.
كتب لى أن أتعرف على مصطفى حسين وأنا لازلت طالبًا فى كلية الإعلام ، حيث التقيته بالأخبار متدربًا مع العملاق العظيم الراحل مصطفى أمين فى «ليلة القدر» و«أسبوع الشفاء» و«نفسى» و«لست وحدك» ، وكلها تندرج تحت المشروعات الإنسانية والإجتماعية التى كان يتبناها ويشرف عليها مصطفى أمين بنفسه ، وشاء قدرى أن يكون مكتبى ومكتب الزملاء بجوار مكتب العملاق مصطفى حسين ، وعندما أطل علينا لأول مرة بقامته الفارعة ، وسلم على « العيال » المتدربين اكتشفنا أننا أمام قلب كبير بحجم عظمة إبداعه ، احتوى كل الزملاء وكان له مع كل زميل منا قصة ، ونجح فى أن يجعل كل منا يشعر أنه الأثير والأقرب إليه ، وكان يقدمنا إلى ضيوفه بقوله : زميلى فلان ، أو زميلتى فلانة .
حفظنا طقوسه اليومية التى كان يحفظها ساعيه الخاص بلبل ، عرفنا متى يحضر الى الأخبار ومتى تدخل له القهوة ، ومتى يصعد الى مكتب احمد رجب ليغلق عليهما ساعيه الزملكاوى العنيد بالمفتاح من الخارج حتى تولد فكرة كاريكاتير الأخبار .
– بتشوف مصطفى حسين ؟
– سؤال كان دائما يوجه إلىَّ عندما يعرف من يحدثنى أننى صحفى فى الأخبار .
ساهم كاريكاتير مصطفى حسين وفكرة أحمد رجب مع مقال مصطفى أمين فى جعلى مثل غالبية القراء نبدأ قراءة « الأخبار» من الصفحة الأخيرة ، بحثًا عن ابتسامة من القلب تصنعها ريشة العبقرى الموهوب مصطفى حسين وفكرة أحمد رجب .
كنت دائمًا أجد من الظلم أن يعنون كاريكاتير مصطفى حسين بأنه نكتة ، لأن هذا تقليل من شأن هذا الإبداع ولأن النكتة لا تترك الأثرالرائع الذى يتركه الكاريكاتير فى قلب وعقل ووجدان القارىء.. كم من كاريكاتير لمصطفى حسين أغضب مسئولين ، وكم كاريكاتير تسبب فى تغيير قرارات مصيرية ، وإقالة وزراء ، وساهم فى إلقاء الضوء على هموم المواطنين ، وأحلامهم وآلامهم، كانت ريشته حاضرة فى كل شأن مصرى ، كاريكاتير مصطفى حسين تأريخ لأهم الأحداث التاريخية التى مرت بها مصر فى النصف قرن الأخيرة ، ومنها تستطيع كيف كان نبض الشارع الحقيقى تجاههها .
أحببت ريشة مصطفى حسين ، واكتشفت عبقريته فى رسم البورتريه ، واكتشفت قدراته اللامحدودة فى الحفاظ على النسب التشريحية التى أحيانًا تضيع – بالذات – ممن يرسمون الكاريكاتير . كما كانت له مدرسته فى رسم أغلفة الكتب .
مصطفى حسين مثله مثل نجوم السينما تشعر أن لك نصيب فيه ، فهو مثل أخوك ، أو ابن عمك يتحدث بلسانك ، عالم بهمومك ، ومشاكلك ، وبضربات ريشته يستطيع أن يصل للمسئولين صوتك ووجهت نظرك ، بجودة تفوق ما قد يكتب فى صفحات طويلة .. أقرأ كاريكاتير «قهوة الموظفين» لتعرف همومهم ، وأقرأ كاريكاتير «الحب هو » واستلقى على قفاك ضحكًا من القلب على حالك وحال كل محب .
كثيرون كتبوا عن مصطفى حسين ، ولكن مابالنا عندما يكتب عنه من عاش بجانبه ، واقترب إنسانيًا منه ، وماذا ننتظر إذا كان هذا الشخص فنانًا أيضا والأهم أنه وهب حياته لتحقيق إبداع مصطفى حسين ، ونال درجة الماجستير فى هذا الشأن .. نحن إذن أمام عمل فريد مختلف من الضرورة الاحتفاظ به فى مكتبتك.. إنه التاريخ والمتعة فى آن واحد
علاء عبدالهادى