مصور أوشڤيتز حياة ڤيلهلم بْرَسَه

عنوان الكتاب مصور أوشڤيتز حياة ڤيلهلم بْرَسَه
المؤلف راينر إنجلمان
الناشر  cbj
البلد ألمانيا
تاريخ النشر 2015
عدد الصفحات 192

أشتري الكتاب حقوق الترجمة

الوصف

This post is also available in: English (الإنجليزية)

صور الشر سيرة حياة مصور أوشڤيتز، ڤيلهلم بْرَسَه، بقلم راينر إنجلمان

في صيف عام 1940 غادر ڤيلهلم بْرَسَه مسقط رأسه، مدينة تسيفيتش البولندية، متجهًا صوب فرنسا، كي يلتحق هناك بصفوف المقاومة ضد ألمانيا النازية. إلا أن النازيين قبضوا على الشاب البالغ من العمر آنذاك 22 عامًا قُبيل الحدود المجرية. وعرض عليه أحد ضباط سلاح الإس إس إطلاق سراحه بشرط أن يقر رسميًا “بأصله الألماني” – فبْرَسَه مولود لأم بولندية وأب نمساوي – ولكنه رفض أن يتنازل عن جنسيته البولندية، فصار المعتقل رقم 4333 في أوشڤيتز.
 
قال أحد ضباط سلاح الإس إس في “خطبة الترحيب” بالمعتقلين الجدد أن المعتقل في معسكر أوشڤيتز يعيش ثلاثة شهور بحد أقصى. أما ما ساهم في أن بْرَسَه عاش أكثر من ذلك بكثير، بغض النظر عن قدر كبير من الحظ، هي مهارته في استعمال الكاميرا. فبعد سنة من اعتقاله نُقل مصور البورتريه المحترف إلى ما يُسمى “وحدة التسجيل” في المعسكر. ومنذ ذلك الحين صار عمله الأساسي تصوير المعتقلين الآخرين لوضع صورهم في بطاقات خاصة بهم: ثلاث صور لكل شخص، بروفيل جانبي وأمامي ونصف بروفيل بغطاء للرأس. أحيانًا كان بْرَسَه يصور أكثر من 100 شخص في اليوم الواحد. ويُقدر عدد إجمالي من صورهم بسبعين ألف شخص. وكانت تلك الصور بمثابة آخر صور في حياة معظم أصحابها.
 
قابل راينر إنجلمان بْرَسَه قبيل وفاته في أكتوبر 2012، وأجرى معه مقابلة مطولة، وكتب قصة “مصور أوشڤيتز” في كتاب صغير ولكنه جدير بالالتفات. رسم فيه بانوراما للأعمال غير الإنسانية، وهي بانوراما تبعث على الكرب الشديد، ليس رغم أن، بل لأن إنجلمان يتحرر في وصفه من الخطاب العاطفي أو المبالغات. فيصف من منظور شاهد عيان الحياة اليومية الخطرة في المعسكر بموضوعية وحس مرهف في الوقت ذاته. ويكشف بذلك تعسف ووحشية المشرفين وتهكم أطباء المعسكر من المعتقلين إلى درجة وصلت إلى حد احتقار البشر. فإلى جانب المعتقلين الجدد، وقف أمام عدسة كاميرا بْرَسَه أولئك الذين أجرى عليهم النازيون تجاربهم الطبية. إذ أصدر ساديون في معاطف بيضاء، من أمثال يوزِف مينجله وكارل كلاوبيرج، الأوامر بتوثيق ما يقومون به من بحوث عرقية وتجارب تجويع ومجازر إخصاء، في استوديو المعسكر.
 
أدرك بْرَسَه آنذاك جيدًا أنه لم يرَ بعدسة كاميرته إلا نذرًا يسيرًا فقط من الجرائم التي اُرتكبت في المعسكر الرئيس في أوشڤيتز، حيث كان معتقلًا، ناهيك عن معسكر الهلاك الأصلي في أوشڤيتز- بيركناو. وفي النصف الثاني من عام 1941 بدا أن الشر اتخذ أبعادًا جديدة. فجأة شوهد جنود سلاح الإس إس يرتدون كمامات واقية من الغازات في المعسكر الرئيس. وانتشرت الشائعات القائلة بأن المعتقلين يُسممون بصورة جماعية وممنهجة بغاز زيكلون ب. حتى ذلك الحين، كان المعتقلون عادة يُعدمون شنقًا أو ضربًا أو رميًا بالرصاص. وفي يوم ما أصدر رئيس بْرَسَه في استوديو التصوير الأوامر قائلًا: ” بْرَسَه، من اليوم لن تصور يهودًا آخرين، لا جدوى من ذلك. فهم يموتون على أية حال.”
 
وفي خلفية هذه الحكايات على نحو ما، وبدون الرغبة في صنع بطل، يرسم إنجلمان صورة شخصية لبْرَسَه. نعرف أن بْرَسَه اضطر إلى وضع مهاراته التصويرية في خدمة النازيين، وذلك حتى ينجو بنفسه، ولكن بوصلته الأخلاقية بقيت مضبوطة. فقد كان يساعد زملاءه المعتقلين وقتما تسنح الفرصة. ورغم ذلك سيطر عليه الشعور بالعجز وقلة الحيلة.
 
ونعرف أن بْرَسَه رفض في لحظة حاسمة الامتثال إلى الأوامر. في يناير 1945، حينما اقترب صوت مدافع الجيش الأحمر، توجه مدير وحدة التسجيل، برنهارد ڤالتر، إلى المصور قائلًا: ” بْرَسَه، إيڤان قادم.” يجب إحراق جميع الوثائق والصور. في البداية ألقى بْرَسَه كل المواد التوثيقية في الفرن. ولكن ما أن اختفى ڤالتر حتى أخرجها كلها. وهكذا بقي ما يقرب من أربعين ألف صورة للأجيال القادمة بمثابة وثائق ضد النسيان.
 
كتاب إنجلمان لا يقدم للقارئ بعض الصور التي التقطتها عدسة بْرَسَه فحسب، وإنما يرسم في ذهنه بجمل موجزة، خالية من الزخرفة اللغوية، صورًا أخرى: صور الشر.

This post is also available in: English (الإنجليزية)

TOP