الوصف
موت مختلف
يتمحور السرد حول منير، الشخصية الرئيسية التي تتبادل المواقع مع السارد الرئيسي في أعمال محمد برادة السردية الروائية: «راوي الرواة». بذلك تقوم شخصية منير بوظيفة سردية مزدوجة، مرة يكون السارد، فيروي الوقائع بضمير المتكلم في محكيات ذاتية، ومرة أخرى يكون موضوعا للسرد، يقوم راوي الرواة بإعادة الكلام وتأكيده أو توضيح واقعة أو موقف فكري وسياسي من الأحداث والتحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية والتاريخية التي سبق لمنير روايتها.
لذلك فالملمح المهيمن على السرد في الرواية يتمثل في التكرار وإعادة الكتابة، وقد اختار محمد برادة طرائق متنوعة لفعل ذلك، أهمها:
أولا، تقنية الاستذكار والاسترجاع: استذكار مرحلتي الطفولة والمراهقة في مسقط رأسه بمدينة «دبدو» المغربية، واسترجاع مسار حياته التي قضاها في فرنسا متعلما ومدرس مادة الفلسفة ومقيما خلال نصف قرن من الزمان، شهد فيه أحداثا جساما زعزعت الكثير من اليقينيات التي تَرَبَّى عليها وآمن بها والتي مثلتها قيم ومبادئ «عصر وفلسفة الأنوار» وعلى رأسها: الحرية الفردية.
ثانيا، تقنية التخيُّل في المتخيل: وهي بناء واقع يوازي الواقع الحقيقي، وقد احتل هذا المسار «التخيل ضمن المتخيل الروائي» حيزين مهمين؛ تجلى الحيز الأول في أول زيارة لمنير لمدينته دبدو بعد غياب دام نصف قرن من الزمان، ليتخيلها من شرفة المقهى مدينة حديثة (كوسموبوليت) تجمع بين ماضيها التاريخي الذي كانت فيه موطنا للمضطهدين اليهود في إسبانيا، وموطنا للتجار العابرين نحو أوروبا وغيرهم، والحيز الثاني أهم جاء كـ»قفلة سردية» تفسر معنى العنوان وسبب اختياره دون غيره. وقد منح السرد في هذه القفلة حسا جماليا وتدفقا فكريا وعاطفيا محفوفا بالأمنيات، وهي صفة ترتبط غالبا بالحس التراجيدي السعيد – إذا جاز القول – بدل الحديث عن الموت السعيد الذي ذكره الكاتب، أو النهاية السعيدة، حيث يختار الإنسان/ الفرد نهايته (موته)، دون اللجوء إلى التراجيديا العنيفة، أو قتل الذات عبر الانتحار كما فعل ويفعل العديد من الكتاب والمفكرين عندما يشعرون أن أدوات تفكيرهم وتخييلهم لن تسعفهم في الجواب على سؤال الموت والخلود وماذا بعد الحياة الصاخبة؟ وأين سيؤول كل ما جربوه في الحياة وما عاشوه كحقيقة فكرية بعد الموت؟ وعندما يكتشفون أن الفكر ليس ثابتا وكذلك القيم والمبادئ.
لذلك سيدخل منير في محاورة متخيلة مع ملاك الموت ويقترح عليه تأجيل أخذ روحه إلى العالم الآخر مدة قصيرة (أربع سنوات) يرتب فيها أمور حياته الدنيوية. يقول السارد:» تساءلت ما إذا كان بالإمكان أن أتطلع إلى موت مختلف؟ طبعا، الأمر لا يعود لي ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بساعة رحيله. لكنني أحاول أن أقنع نفسي بأنني أستطيع، حين أحس بدنو الموت، أن أتحدى عزرائيل مناديا ومخاطبا إياه باسمه، لأستدرجه إلى حوار أطلعه فيه على ما نويت أن أنجزه قبل الرحيل».
موت مختلف
للمزيد من الكتب.. زوروا منصة الكتب العاليمة